خسائر هجرة الأدمغة العربية فاقت 477 مليار دولار

تاريخ الإضافة الأربعاء 6 تموز 2011 - 6:27 ص    عدد الزيارات 600    التعليقات 0

        

خسائر هجرة الأدمغة العربية فاقت 477 مليار دولار
يوماً بعد يوم يزداد وعي الدول الغربية والمتقدمة في الأهمية البالغة لدور العلماء والفنيين في تقدم الحضارة، وفي ازدهار القوة المادية والاقتصادية والعسكرية اللازمة للدفاع عن منجزات هذه الدول، ومواجهة تحديات الآخرين لها كما هو الحال بالنسبة لأميركا وإسرائيل، فأصبحت المحافظة على العلماء والاختصاصيين داخل أوطانهم، أو جذب وامتصاص أدمغة العالم العربي، مسألة حيوية للغاية، لأهمية هذه الأدمغة في تحقيق النهضة المنشودة، نظراً لسهولة تحرك أصحاب العقول الماهرة، وهجرتها إلى الأمكنة التي توفر الحوافز المادية وغير المادية، فليس هذا بالأمر المدهش وليس بدعاً من الأمر؛ لأن هجرة منظمة لجزء كبير ومهم من الأيدي العاملة المدربة، والعقول المبتكرة والمنتجة من الوطن العربي، يعد تحدياً خطيراً أمام تطور الوطن العربي، إن لم نقل سبب ركوده وتخلفه·

وهكذا فإن خسارة الوطن العربي لجزء هام من هذه الأيدي والعقول يعد عقبة كؤود في تخلفنا عن ركب الحضارة المزدهر، لأن الغرب عندما يضع كل أنواع الحوافز لاستقطاب أدمغتنا العلمية المبدعة، إنما يعمل على جعل وطننا يسبح في مستنقع التخلف، ليقفز بنفسه إلى صرح التطور على حسابنا·

بالإضافة الى ما سبق: <فإن لهجرة العقول العربية تأثيرات سلبية كبيرة على عملية التنمية العربية، خاصة ما تسببه من خسائر مادية وعلمية للأقطار العربية··>·

ورغم ندرة وجود احصاءات دقيقة ودراسات عربية يمكن الاعتماد عليها حول أعداد العقول المهاجرة، والموارد المبذولة من أجل تأهيل هذه العقول، وعدم الاعتناء بها والأخذ بالحسبان أن خسارة الأموال أولى من خسارة هذه الأدمغة وعدم الاستفادة منها وذلك: <بأنه المورد الاستراتيجي للعملية الإنتاجية، أي المورد المالي يصعب نسخه أو تقليده من قبل أي مؤسسة أخرى غير التي يعمل بها>·

الظاهرة بالأرقام

كما أوردت دراسة (دراسة نوير 2003 ص 4-6) العديد من المؤشرات حول حجم الظاهرة ومنها:

- يساهم الوطن العربي بثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية كما تقدر نسبة الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج ولا يعودون إلى بلدانهم حوالى 54% ···

- إن 3 دول غربية غنية هي الولايات المتحدة - بريطانيا - كندا تصل النسبة الى 75% من المهاجرين العرب·

- يقدر تقرير الجامعة العربية أن الدول الغربية هي الرابح الأكبر من 450 ألف من العقول العربية المهاجرة، وأن الخسائر العربية الأجمالية لهذه الظاهرة تقدر بـ 200 مليار دولار·

<فقد قدرت الدراسة الأولى (المهنا 2004) عدد الكفاءات العربية التي هاجرت خلال الخمسين العام الماضية بحوالى 3 مليون كفاءة، تقدر تكلفة تعليمهم وتأهيلهم وحجم الخسارة الناتجة عن فقدان إنتاجيتهم في البلد الأم بأكثر من 477 مليار دولار>·

وعموماً فإن هجرة الأدمغة المتخصصة تفقد العرب مورداً في ميدان تكوين قاعدة اقتصادية متينة ورصينة، وتبدد الموارد المالية العربية الضخمة التي أنفقت في تعليم وتأهيل هذه العقول، والتي تحصل عليها البلدان الغربية بأدنى التكاليف وبأقل جهد·

وأخيراً وكما يقرر تقرير التنمية الإنسانية العربية (ص143) فإن: <الخسارة المترتبة عن هجرة الكفاءات تتضمن تحمل الدول العربية تكلفة إعداد الكفاءات المهاجرة إلى البلدان المتقدمة الأغنى، لما يمكن اعتباره معونة عكسية (أي دعماً للبلدان النامية إلى دول الاستقبال الغنية)·

وعرض الباحث الأسباب الدافعة إلى هجرة الأدمغة فقال:

تعتبر دول العالم المتطور عقوله المحلية والمهاجرة ثروة قومية مهمة لا يمكن التفريط فيها، وقد وضعت تلك الدول الكثير من الحلول الاستراتيجية ومحفزات كبيرة لجلب العقول المهاجرة، وتوظيفها مما يخدم مصلحتها، وانطلاقاً من هذا القبيل تعتبر ظاهرة هجرة الأدمغة من الظواهر الخطيرة باعتبارها ظاهرة إجبارية وليست طوعية؛ وبإمكاننا أن نعرج على أهم الأسباب الداعية لذلك:

أسباب الهجرة 1 - أسباب اقتصادية وسياسية: حيث نكاد نعوّل على هذين السببين لكونهما السبب الرئيسي والمباشر لهجرة عقولنا العربية، فمع ظهور الثورة الصناعية ونمو الكثير من الصناعات في دول العالم المتطور، بدت الحاجة الماسّة إلى زيادة الطلب العالمي على الأيدي العاملة الماهرة والعقول المبدعة، إضافة إلى العولمة التي تقوم بتغيير نمط علاقات العمل مما جعل الدول المتقدمة تتجه إلى الدول النامية وعلى رأسها العالم العربي بالخصوص للحصول على نهجها للأيدي الماهرة والعقول النيّرة المبدعة والمخترعة، بحيث يكاد يقوم اقتصادهم على أدمغتنا استغلالاً لأوضاعنا الاقتصادية المزرية مما يجعل من هؤلاء يرغبون في العيش في وسط علمي والاستفادة من بيئته العلمية المؤلفة من التجهيزات والمختبرات والتسهيلات التي توفرها الدول المتقدمة {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} وبناء على ما سبق ذكره يكمن سر هذا السبب في: <انخفاض مستوى المعيشة وضعف الدخل المادي لأصحاب الكفاءات العلمية الذي يضمن لهم حياة كريمة ويؤمّن مستقبل أبنائهم>·

ففي الوقت الذي تفرض فيه بعض الدول قيوداً على الهجرة غير الشرعية وعلى بعض نوعية بعض المهاجرين، تقدم هذه الدول معاملة تفضيلية لحاملي الشهادات العليا والذن يتمتعون بخبرات متميزة·

فهذه العقول تكاد تجمع كلها على أن تضع اللوم عن سبب هجرتها نتيجة للأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلد الأم، لذلك نجد أن أكثر العلماء المهاجرين ينتمون إلى دول غير مستقرة سياسياً أو إلى دول فقيرة جداً، مما يدفع إلى البحث عن مخرج، وكل هذا طبيعي، فالوضع الاقتصادي الجيد، والاستقرار السياسي من أبرز مقومات التنمية، بما في ذلك المحافظة على الأدمغة المتميزة في مختلف التخصصات العلمية· وعلى أية حال فإننا إذا تركنا الحديث عن الأسباب العامة التي أدت إلى الهجرة، وأردنا أن نتحدث عن الواقع نجد أن العالم العربي ما زال في طور النمو ولا زالت فيه المحسوبية والبيروقراطية عنصران قاتلان لكثير من الطموح، مع عدم إقبال دول العالم العربية على منهجية اقتصادية جماعية، تجعل منها محوراً اقتصادياً فاعل وبالتالي ينعكس هلى أوضاعها الاقتصادية، وليس هذا فحسب، بل إن أعداد المتعلمين الذين تدفع بهم الجامعات والمعاهد المتخصصة في ازدياد مستمر مع عدم توفر فرص العمل المناسبة مما يجعل كثيراً من الأدمغة العربية النشطة عرضة لمغريات الهجرة إلى دول العالم المتطور بحيث تتوفر فرص العمل وإرضاء الطموح، وحتى نعطي الحجة فاننا نعزز ذلك بالقول من ذهب إلى: <انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى اختفاء الديمقراطية العربية، التي تؤدي الى شعور أصحاب العقول والخبرات بالغربة في أوطانهم، مما يدفعهم الى الهجرة سعياً وراء ظروف أكثر حرية واستقرار··· بالإضافة الى نقص المستلزمات الضرورية للنهوض بالبحث العلمي: مثل التسهيلات البحثية الفاعلة كالمعامل والأجهزة والمعدات، ونظم المعلومات والاتصال والتوثيق والحاسبات الآلية·· وغير ذلك>·

أسباب بيئية واجتماعية طاردة:

وتأتي هذه الأسباب في الدرجة الثانية، كون الأولى إجبارية قهرية تملك المال والنفوذ (السلطة المخوّلة) وهي أسباب خارجة عن الماهية، كالبذرة التي تحرم الماء العناصر الحيوية والهواء وضوء الشمس، فإنها لا تلام على الاصفرار والإذبلال فكذلك الحال بالنسبة لتلك العقول المبدعة إذا لم تتوفر لها بيئة اجتماعية مناسبة، فإنها حتماً - طال بها الأمد أم قصر - أن تؤول إلى الزوال والاضمحلال والضياع، إن لم يسعفها الحظ، وتتداركها سفينة الهجرة إلى الغرب حيث البيئة والأسباب الاجتماعية المناسبة·

وبناء على هذا يجدر بنا أن نسوق بعض ملامح البيئة الطاردة لرأس المال البشري المتمثلة في كل من العناصر التالية:

- بيئة تعليمية تهتم بالتعليم على حساب التعلم، وبالكم على حساب الكيف، وتركز على الحفظ والتلقين بدلاً من الإبداع والتطوير، ولا تتوافر فيها دراجات كافية من الانضباط والوعي اللازمين لتفعيل دور التعليم في تحقيق النهضة المجتمعية المنشودة·

- بيئة اجتماعية تعاني من الخلل ومن تدهور في السلوكيات خاصة المتعلقة منها بالنظافة والمحافظة على القيم···

- بيئة ثقافية تدعو إلى التغريب، وتعطي من قيمة كل ما هو (تافه) ولا تعطي حتى أهمية مماثلة للعلماء والنابغين وغيرهم من النماذج المشرفة·

- بيئة علمية تدعو الى الإحباط ولا توفر الحد الأدنى من الإمكانات المادية اللازمة للبحث والتطوير·

- بيئة إدارية تتسم بدرجة عالية من البيروقراطية والتعقيد والفساد وغياب أي اسلوب علمي في إدارة المجتمع·

ويضاف إلى هذا أن ميل علماء الوطن العربي إلى الهجرة لا يرجع إلى جاذبية المرتبات العليا التي يتلقونها هناك فحسب، بل هناك المزايا التي يحققها العالم والتكنولوجي المهاجر الغريب من الاحتكاك والعيش في الوسط العلمي، والاستفادة من وجود بنية علمية واسعة من التجهيزات والمختبرات العلمية المخوّلة للبحث والتنمية، وغيرها·

بينما تفيض الدول المصدرة لهذه العقول بأسباب الإحباط مثل أن يكون الأقل كفاءة هو المسؤول عن تسيير دفعة العمل والتخطيط في المراكز العلمية مثل الجامعات ومراكز الأبحاث، مما يجعل المثبط أقوى من المحفز للافتقار الى التخطيط وسوء التسيير وتهميش هذه العقول في البلد المستورد يتحقق الطموح العلمي والنهم البحثي، لذلك يهاجر ويولي وجهته إلى حيث يجد ضالته البيئية والاجتماعية الكامنة في إشباع روح البحث والتطوير، أو المشاركة الفاعلة في الرأي والخبرة، أو الحصول على الدعم المادي والمعنوي، والى حيث يستجاب لطلباته مهما كانت ما دامت سوف تؤدي الى نتيجة تفيد الأمة المستقبلة·

أسباب الإحباط والدراسة: إن العوامل التي تسهم إسهاماً مباشراً أو غير مباشر في تهجير الكفاءات العلمية من الوطن العربي إلى دول العالم المتطور، أكثر من أن تحصى إذ أنها ترتبط بخصائص التخلف التي تعاني منها دول العالم العربي في شتى المجالات، وفي مثل هذا الجو يصعب على المفكر والمتخصص أن يتلاءم مع الواقع، مما يجعل صاحب الفكر المبدع، يشعر بالإحباط والعجز عن التكليف والعطاء فيميل إلى التفكير بالهجرة إلى دول متقدمة، حيث التقدير غير الكافي للعلم والعلماء في معظم الدول العربية إذ <يعاني العلماء العرب من انعدام وجود تخصصاتهم كعلماء الذرة، وصناعات الصواريخ والفضاء والعلوم البيولوجية>·

ومنهم من يكون قد ذهب لتلقي العلم هناك كطالب، وبعد تخرّجه يجد فرص العمل متاحة أمامه، فيستقر به المقام خصوصاً إذا حافظ على تميّزه مما يجعله يتدرج في سلم المجد العلمي فيصعب عليه التفريط بما حققه من انجاز، ناهيك عن عدم وجود ما يعوّل عليه في العودة إلى الوطن من الناحية العلمية والمادية، فيفضّلون الإقامة الدائمة في هذه الدول عقب تخرّجهم لأنهم يكتشفون - في الأخير - أن معظم ما تلقوه من علم وتخصص أكثر مردوداً مادياً ومعنوياً ومهنياً في البلد المستضيف أكثر منه في البلد الأم، وذلك لأن النظام التعليمي هناك موظف لحل المشكلات التي تعاني منه هذه الدول، وليس لمواجهة مشكلات الدول المراسلة، التي يأتي منها الطالب، وكل ذلك يؤدي إلى جعل الطالب بعد تخرّجه أكثر ارتياحاً نفسياً وذهنياً، وبخاصة إذا لم يتدرب بشكل منظم ومنهجي - من قبل - على الإسهام في حل مشكلات بلده وأعبائه الملحة، أو إذا أدرك أن مستواه العلمي يفوق بكثير مستوى بلده، الذي يكون بعيداً كل البعد عن هذا المستوى الذي يتمتع به المهاجر، والناس أعداء ما جهلوا، فهناك منهم من هو في وسط علمي بعيد عن بلده بسنين كثيرة فكيف له التأقلم معه في بلده وفاقد الشيء لا يعطيه·

يضاف إلى ما سبق من التسهيلات التي تقدمها دول العالم المتطور لاستقطاب هذه الأدمغة والمتمثلة في شروط الحصول على تأشيرات الدخول، أو الحصول على الجنسية، مع التحفيزات المالية والمكافآت، ووجود خطط مستمرة لدفع هؤلاد الباحثين والعلماء، وتوفير المناخ العلمي الملائم، ولذلك مالت الكفة إلى بلدان العالم المتطور في التنمية سبب للاستقطاب والجذب، وبقيت دول الوطن العربي في ركودها سبب الإهمال وعوامل الطرد، وعلى العموم، <··· هي حالة تعبّر عن موقف نفي اجتماعي وسياسي وحضاري فيه إغراء وعرض من الخارج·· وقيم أخرى ذات صلة بالمخاطرة والتضحية والاسترزاق والمنفعة الفردية، والانبهار بالغير وتقديسه والرغبة في التميّز والسطوة>·

متابعة: خالد محمد اللحام  اعتمد معد هذا المقال على دراسة في الماجستير لمحمد عويس في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية·


 

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,724,442

عدد الزوار: 7,766,072

المتواجدون الآن: 0