ماذا تريد الولايات المتحدة من «الإخوان المسلمين»؟

تاريخ الإضافة الأحد 10 تموز 2011 - 7:03 ص    عدد الزيارات 539    التعليقات 0

        

ماذا تريد الولايات المتحدة من «الإخوان المسلمين»؟
السبت, 09 يوليو 2011
حمود حمود *

كثيراً ما وصفت علاقة واشنطن بالإخوان المسلمين، بأنها علاقة تتسم بالالتباس والغموض، وبخاصة مع عدم اتخاذ واشنطن إلى الآن موقفاً رسمياً ثابتاً بما يخص هذا التنظيم، كما هو الأمر في موقفها من تنظيمات قريبة إيديولوجياً منه وفرع عنه كحركة حماس، أو بعيدة منه سياسياً وحركياً (وليس إيديولوجياً) كتنظيم القاعدة. هذان التنظيمان ما زالا مدرجين بوصفهما منظمتين «إرهابيتين». ويعود جزء كبير من هذا الغموض إلى غموض سياسة التنظيم نفسه حيال قضايا كثيرة تبدأ بالقضية الإستراتيجية الكبرى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ولا تنتهي بقضايا حقوق الإنسان والمرأة والأقليات... الخ.

لكن الشيء الأهم أن موقف واشنطن من الإخوان تتحدد مقتضياته بما يجري على الأرض وبما يخص مصالحها استراتيجياً في المنطقة ومناطق أخرى يكون للإخوان حضور وتأثير فيها. وكثيراً ما نشر ضمن تقارير، استخباراتية وغيرها، عن اتصالات تتم بين الطرفين منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين (مثلاً عام 1953 - قبل عام من حظر عبدالناصر لنشاط الإخوان - عقد مؤتمر في جامعة برينستون الأميركية، ومقابلات ايزنهاور الرئيس الأميركي مع سعيد رمضان الذي كان يعرف حينها بأنه «وزير خارجية» التنظيم، وهذا بهدف مكافحة الشيوعية). لكن هذه الاتصالات التي كان يتم معظمها من تحت الطاولة، لم يكن لها أي طابع «رسمي»، إلى أن أعلنتها صراحة هيلاري كلينتون ورفعت تلك الاتصالات رسمياً لمستوى فوق الطاولة، معلنة أنها سـ «تستأنف» تلك الاتصالات ومدافعة في الوقت نفسه عن هذه السياسة بكونها ليست «سياسة جديدة»، بل إجراء كانت تقوم به واشنطن منذ خمس أو ست سنوات.

لكن كلينتون وعلى رغم تأكيدها أن هذه الاتصالات ستتم في شكل «محدود»، إلا أنها لم تفصح عن طبيعة تلك الاتصالات «السابقة» مع الإخوان، ما يضع إشارات استفهام جديدة حول مدى أو حجم تلك الاتصالات (ربما كانت في إطار تعاوني أمني كما تكشف الكثير من التقارير) والتي تعمقت بعد فوزهم بـ 88 مقعداً في الانتخابات البرلمانية 2005 من جهة، وإشارات استفهام على آفاق الاتصالات (السياسية) المحدودة الجديدة، التي سيكون لها انعكاسها على واقع مصر السياسي في المستقبل القريب من جهة أخرى.

ما هو الجديد إذاً في هذه الأخبار؟ الأخبار بحد ذاتها ليست جديدة؛ تكمن الجدة في إعطاء هذه الاتصالات «مظلة سياسية رسمية»، أتت بفعل ما فرضته انتفاضة مصر من آفاق سياسية جديدة، وواقع إخواني بدأ يلوح في المستقبل (انتخابات أيلول (سبتمبر) المقبلة)، إضافة إلى عدم وضوح إستراتيجية واشنطن مع هذا الواقع.

فإذا كانت واشنطن لم تقطع في يوم من الأيام علاقتها «البراغماتية» الخفية مع الإخوان، فإن إعلان كلينتون يعد بمثابة علامة على تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، وتأثيرها المحدود فيها، بعد أن فقدت حليفها الاستراتيجي، نظام مبارك. هذا فضلاً عن أنها أصبحت أمام منعطف جديد، آخذ بالتبلور على أرض الواقع، ولم تتحدد معالمه بعد.

إنّ كلاً من واشنطن والإخوان أمام اختبار هذا النوع من الاتصالات. فمن جهة تحاول الولايات المتحدة استعادة ما فقدته في المنطقة في إطار إعادة صوغ لاستراتيجياتها بعد فقدان أو تخلخل حلفائها الاستراتيجيين فيها، وتركيا «العدالة والتنمية» تبرز وكأنها مفتاح لها لقوى المنطقة ومن بينها الإخوان؛ ومن جهة ثانية، تضع هذه الاتصالات الإخوان أمام خيارات صعبة من شأنها وضع الإخوان في مواجهة المجتمع الدولي (إذا كان لهم نصيب كبير في انتخابات أيلول المقبلة) وتوضيح موقفهم في شكل واضح وصريح في خصوص إسرائيل وقضية الصراع الفلسطيني معها والسلام...، ومواجهة أيضاً مع أحزاب ليبرالية مصرية، والتي يشكك بعضها في الأصل بسلوكية الإخوان السياسية وانتهازيتهم «الوصولية»، هذا فضلاً عن أنه يحتّم على الإخوان التخلي عن أجندتهم السرية المشهورين بها، ليتم العمل ضمن بيئة سياسية منفتحة، وإشهار مواقفهم في شكل واضح من مسائل لم يجدوا إلى الآن حلاً لها بعد، مثل قضايا الأقليات، وموقفهم من تولي الأقباط الحكم أو المرأة... الخ.

لكن وعلى رغم الإعلان عن رفع الاتصالات إلى مستوى «رسمي»، يبقى الغموض يلف طبيعة هذا الإعلان عن استئناف «اتصالات محدودة» والأفق السياسي والأمني الذي تتحمله. هذا الغموض الأميركي قابلته أيضاً نبرة سياسية من طرف الإخوان، معبرة عن ترحيب حذر، لا بل غامض. سابقاً استفاد كل من الطرفين الأميركي والإخواني، من سياسة الغموض التي كانت تلف اتصالاتهما ببعضهما بعضاً، بغض النظر عما كان يصدر على السطح بكيل الاتهامات كل منهما ضد الآخر. حتى تصريح كلينتون الأخير، جاء ضمن هذا الإطار بنحو غير واضح من حيث طبيعة أو مستوى الاتصالات التي أُعلن عنها مع الإخوان. وربما كان السبب وراء هذا هو الانقسامات داخل الإدارة الأميركية في شأن التعامل مع الإسلام السياسي.

إلى الآن، يبدو أنه ما زالت الانقسامات داخل الإدارة الأميركية – على مستوى المسؤولين والخبراء - في شأن التعامل مع حدث الربيع العربي في شكل عام والبروز القوي للإسلام الإخواني في شكل خاص: فإذا كان ثمة من هو مصرّ في واشنطن على أن حركة الإخوان هي حركة راديكالية وهي شقيقة منظمات إرهابية أخرى ولا يمكن التحاور معها، فإن هذه الاتصالات (جواباً على من يرفضون هذه الاتصالات) التي أعلنت عنها كلينتون هي مجرد «اتصالات محدودة» واستجابة للواقع المصري، ذلك أنه لا يمكن تجاهل طيف اجتماعي إسلامي واسع يقبض عليه الإخوان، وبالتالي فإن أي خطوة تتجاوز هذا الطيف يمكن أن تضر بالمصالح الإستراتيجية لأميركا داخل مصر ومحيطها. وهذا التيار الأميركي في الواقع، الذي يعبر عن ضرورة التعامل مع الإسلام المعتدل (لا ينتهج العنف) بدأ يتبلور ليس الآن، وإنما في ولاية بوش الثانية (في 2007)، كضرورة إستراتيجية وأمنية لمواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة.

لكن هذا لا يمنع من أن هناك شكوكاً قائمة حتى داخل هذا التيار الأميركي الذي يفضل التعامل مع هذا النوع من الإسلام السياسي، وبخاصة في شأن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وقضايا مصيرية أخرى، ما زالت مواقف الإخوان غامضة حولها. هذا على رغم أن العريان (القيادي البارز في الإخوان) كان في 2007 قد طمأن الغرب وإسرائيل الى أن: «حزب الإخوان سيتعامل مع إسرائيل عبر واقعية سياسية تتسق مع الواقع القائم الذي يرى أن إسرائيل دولة قائمة ولها وجود على أرض الواقع، وبالتالي سيتعامل مع الواقع السياسي الذي تفرضه هذه الظروف»، إضافة إلى اعترافه بالاتفاقات الدولية ومن ضمنها كامب ديفيد.

علاقة واشنطن بالإخوان لن تقتصر من الآن فصاعداً على مساعدات استخباراتية يسديها الإخوان للأميركيين كما هو الأمر في السابق (استخدامهم في محاربة الشيوعيين والحركات اليسارية والقومية، وفي مواجهة السوفيات في أفغانستان...)، ولا على محاولة واشنطن من خلال الإخوان التقرب من مسلمي أوروبا وتبييض صورتها لهم.

هذا كان في السابق قبل الربيع العربي؛ أما الآن وبمحاولتهم التربع على منجزات الثورة المصرية وما أفرزته من فسيفساء في مشهدها السياسي، فستكون هذه الاتصالات سياسية «ندية» إذا تصدّروا المشهد السياسي، وهو ما يسعى إليه الإخوان بكامل إرادتهم، ليس فقط حواراً مع الولايات المتحدة، بل كما شدد رشاد البيومي، نائب مرشد الإخوان على: «ضرورة أن يكون الحوار ندّياً».

* كاتب سوري

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,732,826

عدد الزوار: 7,766,304

المتواجدون الآن: 0