من استفاد من اغتيال رفيق الحريري؟

تاريخ الإضافة الأحد 10 تموز 2011 - 7:08 ص    عدد الزيارات 580    التعليقات 0

        

من استفاد من اغتيال رفيق الحريري؟
بقلم سليم نصار

بسبب تنوّع الادوار التي كان يؤديها رفيق الحريري انطلق البحث عن القاتل الحقيقي عبر السؤال عن المستفيد الاول. وهذا ما كانت محكمة الجنايات في عهد الامبراطورية الرومانية تعتمده مبدأ لاصدار الحكم النهائي.

لعبت عمليات الاغتيال السياسي دوراً كبيراً في تاريخ الامم، بحيث ان واحدة منها فجّرت حرباً عالمية كالحرب العالمية الاولى. ففي 28 حزيران 1914، كان ولي عهد الامبراطورية النمسوية الارشيدوق فرانز فرديناند يزور مدينة سراييفو مع زوجته عندما تصدى لهما طالب صربي يدعى غفريلو برنسيب واغتالهما معاً.
وهكذا تكون الرصاصتان اللتان اطلقهما شاب معارض، قد اشعلتا اشرس حرب عرفتها القارة الاوروبية. وربما كانت عملية اغتيال بطرس غالي باشا – 20 شباط 1910 – اول جريمة سياسية في مصر عبّدت الطريق لحدوث سلسلة محاولات دموية حصدت عدداً كبيراً من الزعماء السياسيين.
وفي 19 تشرين الثاني 1924، اغتال خمسة اشخاص السير لي ستاك، سردار الجيش المصري في عهد الانتداب البريطاني. وقوبل ذلك الحادث في حينه بإعدام سبعة مصريين شاركوا في التخطيط والتنفيذ. وأدت تلك العملية الى سقوط وزارة سعد زغلول وتعطيل دستور 1923.
وفي 25 شباط 1945، اطلق النار احد الشبان على رئيس وزراء مصر احمد ماهر باشا، فأرداه قتيلاً. وكان من الطبيعي ان تثير تلك الحادثة عاصفة لدى النواب لأن عملية الاغتيال تمّت تحت قبة البرلمان.
وبعد مرور سنة تقريباً، اي في الخامس من كانون الثاني 1946، قام شاب يدعى حسين توفيق، باغتيال وزير المال في مصر امين عثمان. وقد اتهم في حينه انور السادات بأنه كان في عداد المحرّضين على عملية القتل.
عقب هزيمة 1948 وصدور قرار تقسيم فلسطين، نشطت جماعة "الاخوان المسلمين" في مصر كرد فعل على تخاذل القوات المسلحة. واضطر رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي الى حلها ومصادرة اموالها.
وانتقمت منه قيادة الاخوان، وأرسلت له عنصراً يدعى عبد المجيد حسن لم يلبث ان اغتاله امام مبنى وزارة الداخلية في القاهرة. وأحدثت تلك الواقعة سلسلة اضطرابات فرضت على رئيس الوزراء الجديد ابرهيم باشا عبد الهادي، اعلان حالة الطوارىء وتطبيق الأحكام العرفية. واستغلت جماعة "الاخوان المسلمين" تلك الاجواء القاتمة لزيادة نشاطها الحزبي، بتوجيه من المرشد الاعلى الشيخ حسن البنا. وجاء في المؤلف الذي صدر في بيروت عن "دار الكتاب العربي"، ان الملك فاروق اوصى حرسه الخاص بتنفيذ عملية اغتيال الشيخ حسن البنا في (10 شباط – 1949).
ولم يسلم ضباط ثورة 1952 من حملات الانتقام وعمليات الاغتيال بحيث تعرّض جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال سنة 1954، الامر الذي ساعده على تثبيت نفوذه وابعاد محمد نجيب. علماً بأن عبد الناصر انتقد بقسوة اسلوب الاغتيالات لأنه في رأيه، يزيد من تشدد الاتباع والمتعاطفين. والحل، حسب تصوره في "فلسفة الثورة" يكمن في خلق تيارات سياسية وطنية اكثر وعياً وتحرراً.
ولكن هذا الحل النظري لم يوقف موجة الاغتيالات حتى في عهد انور السادات الذي شهد مقتل وزير الاوقاف الدكتور حسين الذهبي. وقد اجتاحت تلك الموجة الرئيس السادات نفسه يوم اغتاله خالد الاسلامبولي وهو يستعرض القوات المسلحة في احتفالات 6 تشرين الأول 1981.
يقول المفكرون الفرنسيون من امثال روسو وفولتير، ان المظالم التي تبقى بدون عقاب تغذي الحقد، وتقوّي نزعة الارهاب المضاد الذي يستخدمه الضعيف سلاحاً بعد استنفاد جميع الوسائل القانونية في الدفاع عن حقه المشروع.
ومع ان سلاح الاغتيال لم يكن منتشراً في لبنان قبل حرب 1975، الا انه اتسع منذ ذلك الحين بحيث تحوّل الى مؤسسة انتقام لعمليات متواصلة.
وتبين من مراجعة سجل الاغتيالات السياسية في لبنان، ان محمد العبود كان اول ضحية من ضحايا هذه الارتكابات. وقد اظهرت التحقيقات يومها ان القاتل كان ينتمي الى انصار الزعيم العكاري سليمان العلي، وانه اقدم على فعلته بدافع من اخلاصه وولائه. وكان الثري محمد العبود يشغل في ذلك الوقت منصب وزير المال في حكومة رياض الصلح الرابعة. وفي سنة 1951 اغتيل الزعيم رياض الصلح في الاردن.
منذ حادثة "بوسطة عين الرمانة" والخلاف اللبناني – الفلسطيني، سقط لبنان في حضن سوريا بتشجيع اميركي وصمت عربي. وعلى امتداد 29 سنة، نجحت دمشق في استمالة نصف مواطنيه، واخضاع النصف الآخر للانتقام والاقصاء. ولما انطلق قطار المصالحة الوطنية في الطائف سنة 1989، كان لبنان قد فقد 210 من خيرة رجالاته من طريق الاغتيالات والتصفيات.
من وسط ركام المنازل المهدمة والاسواق المهجورة، اطل رفيق الحريري كمنقذ يمكن ان يرمم ويصلح ما افسده الاقتتال الطويل. وقبل ان يحقق المهمة التي اختير من اجلها، قامت جهة مجهولة بنسف موكبه قرب فندق "السان جورج"، منهية بذلك التفجير الرهيب، ظاهرة سياسية لم يعرفها لبنان منذ وقت طويل.
وهكذا حل يوم 14 شباط 2005، في سجلات الوقائع اللبنانية كيوم اسود، بقي الوطن الصغير اسير رعبه وغموضه.
وبسبب تنوّع الادوار التي كان يؤديها رفيق الحريري، انطلق البحث عن القاتل الحقيقي عبر السؤال عن المستفيد الاول من وراء عملية تغييبه. وهذا ما كانت محكمة الجنايات في عهد الامبراطورية الرومانية تعتمده مبدأ لاصدار الحكم النهائي. وفي ضوء النتائج المحسوبة يكون حجم القصاص.
وكان من الصعب جداً على طارحي هذا السؤال الحصول على جواب شاف بسبب كثرة المستفيدين: الولايات المتحدة تعتبر مستفيدة لأن اغتيال الحريري سيعجّل في اخراج القوات السورية (كما حصل) ويعيد للدولة قرارها المستقل في التعاون مع واشنطن. ايران تعتبر مستفيدة لأنها قضت على صاحب مشروع استعادة دور سنّة لبنان وتعميق تعاونه مع السعودية ومصر. وسوريا تعتبر مستفيدة لأن الحريري نجح بواسطة ثروته في استمالة اعمدة نظامها من السنّة، بالاضافة الى غازي كنعان المؤتمن على كل اسرار الدولة السورية. واسرائيل تعتبر مستفيدة لأن الحريري وظّف علاقاته القوية مع واشنطن وموسكو وباريس وسائر عواصم العالم من اجل دعم القومية العربية والدفاع عن مواقف سوريا و"حزب الله".
و"حزب الله" يعتبر مستفيداً لأنه ازال من دربه عائقاً سياسياً صلباً منعه من اخضاع السنّة لسيطرته الكاملة. كما منعه من التمدد في اتجاه المناطق المارونية المحررة. والمؤسسات المصرفية والاقتصادية تعتبر مستفيدة لأن ثروة الحريري كانت تمثل شبكة مصالح ضخمة يصعب قطع خيوطها. والمارونية السياسية تعتبر مستفيدة لأنها كانت تتهم الحريري بالعمل على "اسلمة" وطن يحتضن رعية مار مارون، ويقوم بدور الملجأ الحصين لمسيحيي الشرق.
ومع ان كل المذكورين اعربوا عن استنكارهم للجريمة المروعة، الا ان ذلك لم يمنع السلطات اللبنانية من مطالبة مجلس الامن بضرورة انشاء محكمة خاصة. والسبب ان المحاكم اللبنانية المعنية لم تصدر حكماً واحداً خلال 29 سنة ضد الذين اغتالوا 210 شخصيات سياسية ودينية وعسكرية، علماً بأن المحرضين والفاعلين كانوا معروفين من قبل الجميع. وهكذا انشئت المحكمة بناء على طلب لبنان، وبموجب قرار صادر عن مجلس الامن الدولي (القرار 1757) تحت الفصل السابع الملزم للنظر في جريمة اغتيال الحريري و22 شخصاً آخر. وبموجب الاجراءات القانونية، وضع المدعي العام دانيال بلمار قراراً ظنياً قام بتعديله مرتين قبل تسليمه الى قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين. وقد سلّم وفد من المحكمة الاسبوع الماضي، الى السلطات اللبنانية اربع مذكرات توقيف في حق لبنانيين مع نص القرار. وظهر امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، عبر قناة "المنار" ليدافع عن المتهمين الاربعة المنتمين الى الحزب، ويهاجم المحكمة كونها اداة في ايدي اسرائيل والولايات المتحدة.
واعتبر السيد نصرالله انه من الظلم تحميل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما ليس بمقدوره ان يحمله نجل المقتول سعد الحريري. وعليه رأى ان استبعاد الفتنة الطائفية يقتضي الغاء المحكمة المنحازة، واستبدالها بمحكمة وطنية.
عقب اغتيال الرئيس جون كينيدي استندت المحكمة الى عناصر مختلفة بحثاً عن الحقيقة. وذكرت ان الاتحاد السوفياتي وكوبا والمافيا ونائبه جونسون والمنفذ لي هارفي اوزوالد واسرائيل، جميعهم على قائمة المستفيدين.
وأدلت ارملته جاكلين بدلوها فكتبت رسالة سرية الى الاستخبارات المركزية، وطلبت الا تفتح قبل وفاتها، لأنها ستذكر فيها اسم القاتل الحقيقي.
ولما توفيت جاكلين، وانتظر الاميركيون اعلان السر الغامض، اطل رئيس الاستخبارات ليعتذر من الجمهور عن ابقاء السر سراً لأن ما كشفته ارملة الرئيس يدخله تحت خانة الامن القومي الاميركي. وهكذا ضاعت الحقيقة!
 


( كاتب وصحافي لبنان – لندن)      

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,732,932

عدد الزوار: 7,766,307

المتواجدون الآن: 0