صعود التيار الشبابي السنّي العلماني؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 20 تموز 2011 - 7:31 ص    عدد الزيارات 564    التعليقات 0

        

صعود التيار الشبابي السنّي العلماني؟
بقلم  أمين الياس

لم يعد هذا الجيل الجديد المتعلم من شباب ما بعد الثورة الديموغرافية وثورة المعرفة والاتصالات مقتنعا بالمسكّنات الدينية أو الاجتماعية أو السياسية التي يطلقها رجال السياسة أو الدين في بلاده.
ما يحصل الآن في الدول الناطقة العربية، يشكل برأينا امتداداً لعصر النهضة بما مثله من أفكار تغييرية، وللصعود الشيعي في جزء من هذه الدول. إذ يبدو أن هناك شريحة واسعة من السنة، والمتمثلة بالجيل الشاب المتعلم والمنفتح، بدأت تبلور رفضاً للنموذج السياسي والمجتمعي الذي لا يزال سائداً منذ العصور الوسطى بامتدادته الاستبدادية العربية.
لم يعد هذا الجيل الجديد المتعلم من شباب ما بعد الثورة الديموغرافية وثورة المعرفة والاتصالات مقتنعاً بالمسكنات الدينية أو الاجتماعية او السياسية التي يطلقها رجال السياسة والدين في بلاده. فلم تعد إسرائيل حجة كافية لإقناعهم بالاستبداد السياسي والتخلف الاجتماعي والفكري والاقتصادي الحال بهم. ولم تعد شعارات الاستعمار والحروب الصليبية كافية لإقناعهم بضرورة عدم الثورة على الحاكم المسلم (ولو كان ظالماً) خاصة عندما يقوم هذا الحاكم بإفقار شعبه بغية إغناء فئة محدودة من أقاربه وحاشيته كما هو حاصل في كل البلاد الناطقة العربية. إن هذه الفئة بالذات من الشباب هي التي قادت الانتفاضات في تونس وفي مصر (وإن هذه الفئة بالذات هي التي لم تتحرك حتى الآن في سوريا، وهذه ربما إشارة إلى عقم الانتفاضة الحاصلة هناك). هذا الشباب يطالب بالمساواة في الفرص وبالحق بالمشاركة في الحياة السياسية وتداول السلطة والتخلص من تحالف الدين والسياسة والمال، والتحضير لمستقبل يحفظهم ويحفظ أبناءهم في بلدانهم دون ان تكون الهجرة الحل الوحيد المتبقي امامهم.
من يراجع مسار الانتفاضات في تونس ومصر يدرك تماماً طبيعة الفئة التي قادت هذه الانتفاضات من خلال شعاراتها العلمانية بكل ما للكملة من معنى. إنها شعارات الحرية والديموقراطية وتغيير الحاكم المستبد والفاسد ومحاسبة الفساد والإثراء غير المشروع والعدالة الاجتماعية. لم تكن هذه الشعارات مرتبطة لا بالدين ولا بالتقاليد ولا بمحاربة إسرائيل ولا بالقومية العربية أو الأمة الإسلامية. إنها مطالب جيل شاب يريد العيش بكرامة في بلاده. والأهم أن هذه الشعارات استطاعت أن تجمع الشباب على اختلاف مشاربهم الاجتماعية والدينية والسياسية.
إن هذا الأمر يفسر تماماً رفض التيارات الإسلامية والسلفية والمؤسسات الدينية الرسمية في كل من تونس ومصر أن تقف إلى جانب هذه الانتفاضات في أيامها الأولى. ففي تونس مثلاً قام مفتي تونس عثمان بخيت بتحريم عملية الانتحار – المتمثلة بإحراق الذات والتي كانت قابس إشعال الانتفاضات - ، تلك الظاهرة التي أطلقها الشاب بو عزيزي تعبيراً عن رفضه لبؤس حاله. أما في مصر، فإلى جانب رفض الإخوان المسلمين المشاركة في الأيام الأولى من هذه الانتفاضة، وقيام بعض أمراء السلفية باعتبار الثورة على الحاكم حراماً، كانت لجنة الفتاوى في الأزهر على لسان رئيسها الشيخ عبد الحميد الأطرش تشدد على ان الانتحار في الإسلام ليس مبرراً، مرتكزة على المبدأ القائل "إذا كان الإمام [وهنا الحاكم] عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان الإمام جائراً فله الوزر وعليك الصبر". وبالتالي فقد كانت كل الدعوات الصادرة عن التيارات الإسلامية الإصولي منها والسلفي بالإضافة إلى الرسمي تحض الشباب المنتفض على الصبر على الحاكم المستبد. ولم تنخرط هذه التيارات في الانتفاضة إلا بعد ان صدمتها قدرة هذا الشباب على إنزال الملايين إلى الساحات للاعتراض على الحكم الاستبدادي.
إن الخلاصات التي يمكن لنا أن نستخلصها من الانتفاضات الجارية حالياً هي التالية: إن الفئة التي قادت الانتفاضات هي الفئة الشبابية المتعلمة والمنفتحة على العالم بأسره، والتي باتت تعد بالملايين في بلادها؛ إن هذه الفئة – والتي يشكل الشباب السني فيها الجزء الأكبر – تثور على ماضٍ متراكم منذ القرون الوسطى والذي كانت آخر تجلياته الأنظمة العربية الاستبدادية والمتخلفة المتحالفة مع طبقة العلماء والمعممين المسلمين ورأس المال والسياسة البراغماتية الأميركية والأوروبية؛ إن الأفكار التي تحرك هذا الشباب ناجمة عن ثورة المعرفة والاتصالات التي شهدها العالم منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، وهي الأفكار نفسها التي نادى بها رواد النهضة العربية والآتية بمجملها من الغرب؛ تترافق ظاهرة هذه الفئة الشبابية مع وجود طبقة من المفكرين الناطقين باللغة العربية من فلاسفة ومؤرخين ومفكرين إسلاميين ليبراليين ورجال قانون نذكر منهم ناصيف نصار ومحمد سعيد العشماوي وجمال البنا ومحمد أركون والعشرات غيرهم ممن كتبوا في سبيل إحداث التغيير في منظومة المعرفة في العالم الناطق باللغة العربية.
إن ما تشهده حالياً الدول الناطقة العربية هو برأينا الصدمة الثالثة من المسار التاريخي التغييري الطويل الذي بدأ أواسط القرن التاسع عشر بما عرف بالنهضة. فبعد أن ثار المسيحيون فكرياً وثقافياً على هذا التراكم الفكري الإسلامي وخاصة السني الأكثري المتجمد منذ القرن الحادي عشر، وبعد ان أعلن الشيعة رفضهم لأن يظلوا "فرق رافضة" مضطهدة من الحكم السني الرسمي، مطالبين بالمساواة الكاملة والمشاركة في الحكم السياسي، جاء دور الفئة الشبابية السنية لتنتفض على هذا الإرث القروسطي والذي لا تزال المؤسسات الدينية السنية تحاول جاهدة الدفاع عنه بإسم الإسلام.
ويقيننا أن القرن الحالي سيكون قرناً حافلاً بالصراعات وإنما أيضاً بالأمل. ففي البلاد ذات الغالبية السنية، الصراع سيكون، من جهة، بين هذه الفئة الشبابية الصاعدة والمتعلمة والمنفتحة على العالم والراغبة بالتغيير، والتي سوف تتكتل في تيارات وأحزاب مدنية – علمانية، ترفدها الأقليات من مسيحية وشيعية وملحدة، كما يحصل حالياً في مصر وتونس والمغرب، من أجل بناء الدولة المدنية العصرية حيث تسود مبادئ المواطنة والمساواة؛ وسيقابلها في الجهة الأخرى التيارات الأصولية والسلفية والمؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية بالإضافة إلى بقايا الأنظمة الاستبدادية وأصحاب المصالح متكلين على الطبقات التقليدية من المجتمع ومتسلحين بشعارات كالدفاع عن الإسلام وإحياء الامة الإسلامية والخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة. وهنا علينا أن نعي تماماً أن التيار الشبابي التغييري على اهميته العددية وبالرغم من قدرته على قلب الطاولة فإنه لا يزال تياراً أقلوياً يحتاج إلى الكثير من الوقت ليصبح أكثرية شعبية قادرة على إحداث التغيير الجذري، وما نشهده حالياً ليس سوى ولادة لهذا التيار الذي يحمل في طياته كل بذور الأمل. في حين أن التيار الإسلامي التقليدي متكلاً كما قلنا على الطبقات الشعبية التقليدية فإنه سيبدو في الوهلة الأولى وكأنه المنتصر، غير ان حقيقة الأمور ستدل على أنه لن يستطيع أن يقف مقابل الموجة التغييرية المتطورة مع الوقت. فإما أنه سيضطر إلى تغيير سياسته وشعاراته والتحول بدوره إلى تيار شبه مدني وعلماني، وإما أنه سيخرج يوماً ما من الحكم ويبدو أن هذا اليوم ليس ببعيد.
أما في البلاد المتعددة طائفياً فهنا تبدو الأمور أكثر تعقيداً، ذلك أن الاختلافات الدينية ستطغى على السطح، وسيتحول الصراع من أجل الحرية والتغيير إلى صراع ما بين الطوائف. كما حصل في لبنان بعد ثورة العام 2005 أو في سوريا أو في البحرين والكويت والمملكة السعودية والعراق. غير أن الأمل يبقى في تحالف ثلاثي "عابر للطوائف" – والتعبير للبروفيسور أنطوان مسرة – يجمع إلى الأقليات المسيحية والشيعية فئة شبابية سنية تغييرية مطالبة بالإصلاح. وهذا الأمر ليس صعب التحقيق شرط العمل له من خلال التيارات المدنية والعلمانية.
قرن صراعات بالتأكيد. غير انه يبدو واعداً. إنه مرحلة ضرورية من أجل التطور والتغيير في اتجاه مستقبل أفضل. فإن فشلت فئات الإصلاح والحداثة في نضالها، فإن بلادنا ستبقى عالة على العالم كما هو حاصل اليوم. وعلى الجميع ان يعي أن أول ضحايا علتنا لن تكون لا أميركا ولا أوروبا رغم كل موجات الهجرة إليهما. فهذه الضحية لن تكون سوى الإنسان في مجتمعاتنا. فطالما أن هذه المجتمعات لا تقدم للإنسان ما يؤهله للتسامي فإنه سيبقى عبداً لتحالف الغريزة والدين.
 


(جامعة "لو مان" الفرنسية)      

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,747,868

عدد الزوار: 7,766,612

المتواجدون الآن: 0