انتعاش الفاشية الأوروبية في ظل "الربيع العربي"

تاريخ الإضافة الأحد 31 تموز 2011 - 7:09 ص    عدد الزيارات 535    التعليقات 0

        


 

انتعاش الفاشية الأوروبية في ظل "الربيع العربي"
بقلم سليم نصار – لندن

مع إحالة قضية سفاح اوسلو الى محكمة الجنايات يتوقع زعماء الدول الاوروبية ان تكون هجرة الهاربين من "الربيع العربي" أكبر بكثير من هجرة ابناء دول اوروبا الشرقية عقب انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي.

بعد تنفيذ انصار اسامة بن لادن اعتداءات 11 أيلول 2001، ازداد انتشار الاحزاب الاصولية المسيحية في الدول الاوروبية، بشكل غير مألوف.
وقد انتعشت خلال السنوات العشر الاخيرة، الحركات السياسية الرافضة للمهاجرين المسلمين، خصوصاً بعد اتهامات بريطانيا رعايا من اصول باكستانية، بأنهم نفذوا عملية التفجيرات في 7-7-2005.
عام 2008 نشطت في الجمهورية التشيكية جماعات "حزب العمال" اليميني، وراحت تهاجم مستوطنات الغجر شمال براغ. وجندت الدولة في حينه اكثر من الف شرطي من أجل وقف الصدامات المسلحة التي حصدت عشرات الضحايا.
وفي عام 2009 بلغ تيار مناهضة المهاجرين ذروته في اوروبا، بحيث ازداد عدد اعضاء الاحزاب اليمينية في بريطانيا وفنلندا والمجر واليونان وايطاليا ولاتفيا ورومانيا وسلوفاكيا. وجاءت حصيلة الانتخابات في هذه البلدان لتثبت ان الأزمات الاقتصادية الخانقة كانت الدافع الاساسي لنمو مشاعر الكراهية ضد المهاجرين.
وفي المملكة المتحدة التي اعتادت على استقبال رعايا مستعمراتها، ظهرت حركة جديدة باسم "الحزب الوطني البريطاني" بزعامة نك غريفين. ومع انه ادعى في بياناته، الحرص على حماية أهل البلاد الاصليين، الا ان نزعته العدائية للمسلمين والسود، اكسبته صفة الفاشي الجديد.
وذكرت الصحف ان شعارات "الحزب الوطني البريطاني"، لا تختلف كثيراً عن شعارات اوزولد موزلي، الشاب الاريستوقراطي الذي تأثر بحركة بينيتو موسوليني عام 1922.
وقد تخلى عن منصب الوزارة سنة 1930 بسبب الانهيار الاقتصادي الذي شهدته أوروبا. وادعى انه وجد الحل بعد زيارة موسيفين عام 1932، وعاد من ايطاليا ليعلن تأسيس "حزب اتحاد الفاشيين".
وحرص موزلي على تحدي معارضيه بقيادة تظاهرات ضخمة وسط شوارع لندن. وفي زيارة أخرى لألمانيا النازية التقى الشاب المتحمس ادولف هتلر، الذي أعجب بزوجته الجميلة.
وعندما دخلت بريطانيا الحرب ضد النازيين والفاشيين، امر تشرشل بحل "حزب القمصان الرمادية" ووضع موزلي تحت الاقامة الجبرية. وهكذا اختفت من المملكة المتحدة تلك التظاهرة السياسية، لتعود وتتجدد عام 1995 باطلالة نك غريفين على رأس "الحزب الوطني البريطاني".
وعلى غرار هذا الحزب المتطرف، ظهر في فرنسا جان – ماري لوبن، ليؤسس حركة عنصرية يخوض باسمها انتخابات الرئاسة سنة 2002. واليوم تقود هذه الحركة كريمته مارين (40 سنة) داعية الى بناء حكم مقتدر يمنع الغرباء من فرض ثقافتهم وسلوكياتهم على المجتمع الفرنسي.
بيد ان حركات العداء للمهاجرين لم تبلغ درجة العنف الدموي الذي مارسه اندرس بريفيك النروجي ضد ابناء بلده. ذلك ان العمل الاجرامي الذي نفّذه فوق جزيرة "اوتويا"، صنفه في طليعة السفاحين المازوشيين الساديين الذين يتلذذون بانزال العذاب بالآخرين أو بأنفسهم.
السفاح النروجي بريفيك لم ينكر انه قتل تسعين شخصاً، وان تنفيذ حكمه كان يستغرق دقيقة واحدة فقط، ما بين اطلاق الرصاصة الاولى واطلاق "رصاصة الرحمة" مرة ثانية.
ومع انه اعترف بعمله، الا ان القضاء في النروج لا يوجه قرار الاتهام قبل نهاية التحقيق. المدعي العام يعتزم الاستناد الى مادة جديدة في قانون العقوبات تنص على ملاحقة اندرس بارتكاب "جرائم ضد الانسانية". وقد ادرجت هذه المادة التي تنص على عقوبة السجن 30 سنة كحد اقصى، عام 2008 وهي تحمل الرقم 102 من القانون.
وتطرّقت الشرطة الى المادة 147 التي تعاقب على اعمال الارهاب وتصل عقوبتها الى السجن 21 سنة كحد اقصى. كما سيحاكم المتهم على "زعزعة الوظائف الاساسية للمجتمع بصورة خطيرة". وهذا يشير الى عملية تفجير قنبلة قوية في وسط اوسلو قرب المباني الرسمية.
اعترف بريفيك في بيانه الرسمي (مانيفستو) انه خطط لهذه العملية منذ خريف 2009. وادعى في الوثيقة التي نشرها على الانترنت (1500 صفحة) ان تزايد النفوذ الاسلامي في بلاده، اضافة الى اتساع سلطة الماركسية الثقافية، شجعتاه على ركوب هذا المركب الخشن.
وقال في بيانه ان قائد فرسان العدالة اندرو بيرويك، استخدم الارهاب وسيلة لايقاظ الجماهير. ومع ان المجتمع سيعامله كأكبر وحش منذ الحرب العالمية الثانية، الا انه يتوقع حكماً مخففاً لأنه يخوض حرباً معلنة... ولأن الجندي لا يحاكم على اعماله خلال الحرب! في هذه الحال، يختلف محللو علم النفس على تفسير النوازع العميقة التي دفعت هذا الشاب النروجي الى قتل ابرياء بهدف نشر افكاره الخطرة.
بعضهم يقول ان اندرس هو نتاج طبيعي للمناخ السياسي السائد في اوروبا باعتباره رد فعل على اعمال "القاعدة"، وما قدمه اسامة بن لادن من تفسير لتبرير قتل ثلاثة آلاف شخص بريء.
وقد اختصر بن لادن مجزرة نيويورك بعبارة قصيرة مفادها: “ان زعزعة استقرار الغرب لم يكلف سوى خمسة عشر رجلاً".
وعليه يرى السفاح الشاب، ان مقتل تسعين شخصاً يعتبر امرا بسيطاً اذا ما قيس بنتائج ايقاظ الغرب ولجم تمدد الاسلام الاصولي في اوروبا.
البعض الآخر من المحللين يرى في عملية ايقاظ المجتمع من طريق سفك دماء الابرياء، مرضا نفسانياً يمثل اقصى درجات الانحراف. والثابت من مراجعة تكوين طبيعته الشخصية، انه يعاني من فقدان السيطرة على نزعاته التدميرية. صحيح ان الانسان يتميز عن الحيوان، بقدرته على الاختيار بين لجم نزعاته الشريرة او الامتثال الى دوافع الخير... ولكن المجرمين ينتشون بارتكاب الفظاعات.
وكيل اندرس المحامي ليبستاد طلب عرض المتهم على لجنة اطباء لاعتقاده بأن موكله يعترف باقتراف المجزرة، ولكنه لا يعترف بأنه كان على خطأ. كما يرى ان التخلص من سياسة "حزب العمل" الحاكم، يمكن ان تقود الى مزيد من التشدد بالنسبة الى موجات الهجرة التي تصدى لها المحافظون.
والثابت ان الاحزاب الاوروبية المحافظة هي اشرس مناهضي الهجرة من البلدان الاسلامية، ولكنها في الوقت ذاته، تؤجج التطرف الديني، عندما تستثني هجرة الاقليات المسيحية من بولندا ورومانيا ولاتفيا واوكرانيا وجورجيا. ومع ان بعض الدول الاوروبية كانت متسامحة مع المهاجرين مثل الدنمارك وهولندا، الا انها انقلبت بعد اعتداءات "القاعدة"، الى قوى يمينية متطرفة مثل "الجبهة الوطنية" في فرنسا و"الحزب الوطني البريطاني" الفاشي الجديد. وهكذا ازدهرت من جديد سياسة معاداة الاجانب.
وعندما استقبل محافظ لندن السابق ليفيغستون الشيخ يوسف القرضاوي، اتهمته الصحف اليمينية بالاساءة الى الديموقراطية. ورد على هذا الاتهام بالقول ان الديموقراطية ملزمة باحترام التعددية الثقافية، بما فيها كل المهاجرين المسلمين وحرية اعتقادهم. وقال ان الاختلافات الثقافية تغني البلد المضيف، وان التضييق على الجماعات الدينية ومنعها من ممارسة شعائرها هو انتهاك لحقوق مواطني البلدان الديموقراطية.
ملك نروج هارالد الخامس استغرب ان يفرز المجتمع الهادىء المسالم، سفاحا مثل اندرس بريفيك، خصوصا ان البلاد التي توارث حكمها منذ اعلنت ملكية دستورية سنة 1814، هي الاكثر تقدماً بين الدول الاسكندينافية.
وتتألف نروج من 160 الف جزيرة صغيرة وكبيرة، يعيش فوقها اربعة ملايين ونصف المليون. وهي غنية بالمعادن كالألومينيوم وخلافه، اضافة الى انتاج الغاز المكتشف عام 1975.
في بداية الحرب العالمية الثانية اعلنت نروج عن حيادها التام بين المتنازعين، ولكن هتلر امر بغزوها دون النظر الى التقيد بشروط السلام. لذلك لجأ ملكها الى لندن التي وفرت له الحماية والعناية طوال ست سنوات.
مع احالة قضية سفاح اوسلو الى محكمة الجنايات، يتوقع زعماء الدول الاوروبية، ان تكون هجرة الهاربين من "الربيع العربي" اكثر بكثير من هجرة ابناء دول اوروبا الشرقية عقب انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي. وتقدر الارقام التي ظهرت في مؤتمرات بروكسل وجنيف ان الدول العربية المتاخمة لأوروبا مهيأة لنزوح عشرة ملايين شخص ما بين 2011 و2013 والسبب ان الحلول المتوقعة لتونس وليبيا والجزائر والمغرب والسودان، لن تكون مرضية او مقنعة للمتمردين والمطالبين بالتغيير. وعليه تجزم الأمم المتحدة بأن هذه الدول معرضة لأزمات اقتصادية خانقة تدفع شبانها الى الهجرة القسرية. كما تدفع شبان اليمن وسوريا ومصر ولبنان للانتقال الى بلدان آمنة يتوافر فيها العمل وسرعة الاندماج داخل المجتمعات الغربية.
وبما ان موجات المهاجرين العرب قد تعكر صفاء الاستقرار الاوروبي، فان الدول المضيفة مرشحة لأن تفرز ألوف النماذج على طراز بريفيك. وقد ظهرت الشهر الماضي دراسات معمقة حول عمليات التطهير العرقي في العراق وفلسطين ومصر وسوريا في حال طالت معارك التغيير الداخلي وانقلبت حروباً اهلية مدمرة.
بقي ان نذكر ان الحزب التقدمي الاشتراكي كان ممثلا في ندوات جزيرة "يوتويا" حيث اصطاد اندرس ضحاياه، وان مبعوث وليد جنبلاط باسم العود نجا بنفسه عملاً بسياسة التوازن التي احترفها "ابن عمود السما" بعد احداث 7 ايار.
وينتقد خصوم جنبلاط التزامه التركة الثقيلة التي اورثه اياها المرحوم والده، والتي حافظ عليها بالرغم من تفكك المنظومات الاشتراكية في العالم، واستغلالها من قبل البعض لإحياء صيغة دفنت مع كارل ماركس ورفاقه.
والكل يذكر كيف جاء شمعون بيريس الى المختارة ليسأل عن احوال الرفيق وليد بك عقب اجتياح الجبل بواسطة دبابات شارون... وكيف هرب جنبلاط من الباب الخلفي لأن ما تجمعه الاشتراكية الدولية تفرقه الاشتراكية الوطنية!


(كاتب وصحافي لبناني)      

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,799,273

عدد الزوار: 7,767,596

المتواجدون الآن: 0