بين النيابة والوجاهة.. إلى الوراء دُر

تاريخ الإضافة الأربعاء 8 نيسان 2009 - 2:53 م    عدد الزيارات 809    التعليقات 0

        

محسن الأمين - استاذ جامعي
في ظل قانون انتخابي، عاد بنا خمسين سنة، أي مسافة جيلين، وفي ظل غياب البرامج السياسية والإنمائية، إلا من شراء الذمم والمحسوبية، بدأنا نتساءل عن مفهوم النيابة باعتبارها دستوريا، تمثــيلا ديموقراطيا، وتكليفا شعبيا، قبل ان تكون تشريفا، فهل أصبحت النيابة منـصبا وجاهــيا؟ وهل تحولت الديموقراطية إلى تنافس بين أبناء العائلات في ابتعاد متدرج عن الصراع السياسي، كما يحصل عند كل موسم انتخابي؟ وهل يستدعي هذا الانكفاء الحاد لأصحاب المفاهيم المرتكزة على الشمولية الوطنية في إطار تنافس القوى السياسية وبرامجها الواضحة إلى الانعزال؟
أسئلة لا بد منها، عندما نرى مشاهد متنوعة لوجاهات مرتقبة، إذ اختلطت المفاهيم... وأصبحت النيابة والوجاهة، وجهين لعملة واحدة، لارتباطهما بالمصالح العائلية وبالنزاعات القروية والبلدية، فعندما تكون الوجاهة أداة تتجاذبها الميول المحلية والعشائرية، تصبح مصدرا لعصبية لا تميز بين المصلحة الخاصة والعامة، ولا تدرك الحاجة إلى التواصل مع الآخرين، سعيا للتماسك الاجتماعي، كما كان سائدا، حيث كانت الوجاهة مرجعية محلية يلجأ إليها كل صاحب حاجة، وسلطة محلية تطبق قوانينها الاجتماعية والأخلاقية، وتدافع عن مصالح الجميع ضمن الإطار المجتمعي بقوانينه وبعاداته وتقاليده بعيدا عن الخصوصية وكسب المال، كما هو حاصل الآن عند أصحاب الوجاهة المستجدة، بسبب دخولهم عالم السياسة من بابها الضيق، لتكون استزلاما وجزءا من الاغراءات، بهدف زيادة نفوذها داخل مجتمعها المحلي... باعتبارها مفتاحا انتخابيا تخدم وتنفذ مصالح بعيدة عن مجتمعهم وحاجاته ومشاكله وهمومه الاقتصادية والوطنية، كل ذلك طمعا بمنصب ما أو نيابة مرتقبة... لهذا بدأنا نشهد عددا كبيرا من الصراعات العائلية والانقسامات داخل القرى والمدن تبعا لتضارب المصالح وإغراءات الأموال المتدفقة.... فهل عاد الواقع السياسي إلى تلك الحقبة التاريخية، حيث الانتماء عائلي، ووراثي ومذهبي، والولاء تحول إلى ولاءات، مناطقية ومحلية، والديموقراطية صندوق عبور لا سلطة لها، والانتخابات عنوانها الوحيد الوصول إلى الوجاهة؟
لقد حاولت القوى الديموقراطية تغيير المعادلة باتجاه توسيع الدائرة الانتخابية وإيجاد قانون انتخابي يرتكز على التمثيل الفعلي للخيارات السياسية وليس الطائفية، تمهيدا لإلغاء الطائفية السياسية وتحقيقا للامركزية الإدارية ولسياسة الإنماء المتوازن، طبقا لاتفاق الطائف، بحيث يصبح الانصهار الوطني مرتكزا على المواطنة وصولا إلى مبدأ الديموقراطية بمفهومها المرتكز على حرية الاختيار ومبدأ المشاركة، خاصة بعد دخول المفاهيم الحديثة والمتعلقة بحوار الثقافات وبناء مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والمؤثرة في مجتمعاتها، إضافة إلى تأثيرات الأيديولوجيات التي تتبنى عولمة الاقتصاد والسياسة، وفي ظل تنامي هيمنة الرأسمال العالمي وتأثيراته المباشرة. لكن تراجع القوى السياسية الحية للمجتمع اللبناني أمام التغيير المرتقب في النظام السياسي وسلطاته التشريعية والتنفيذية وصـولا الى ارتفاع درجة الوعي في حرية اختيار ممثلي الأمة على أسس ومبادئ سياسية واضحة، أدى إلى خيبة أمل لما كانت تحلم به شرائح واسعة من مجتمعنا المدني، وهذا يعود إلى أسباب عديدة أهمها:
ـ السبب الأول، التراجع القسري عن المحاولات الحثيثة لوجود قانون وطني للانتخابات وقانون حديث للأحزاب، يؤدي إلى انخفاض الولاء المذهبي والطائفي وارتفاع درجة الولاء الوطني، بسبب الظروف الداخلية والاقليمية الضاغطة.
ـ والثاني، واقع مؤسسات المجتمع المدني التي تعيش حالة ضعف شديد لم تستطع الخروج من أزمتها كي تشكل حالة ضاغطة.
ـ أما السبب الثالث، فهو تركيبة السلطة التي تسمح بالتدخل الخارجي والضاغط تبعا لمصالحه واستراتيجياته، بما في ذلك الوجود المؤثر والفاعل للاحتلال الاسرائيلي والدعم المطلق والمؤثر للقوى الغربية الكبرى له، ما خلط الأولويات وجعل القوى الوطنية تتأثر بهذا الصراع كي تحافظ على وجودها وفعاليتها.
وهكذا عود على بدء، ولكل تلك الأسباب، نشهد تراجعا كبيرا للمفاهيم التي تبنتها سابقا القوى السياسية والوطنية، حيث جذوة التنافس معدومة الخيارات السياسية الواضحة، وان كانت ظاهريا مفرزة طائفيا ومذهبيا، لكنها في العمق متشابهة وحتى متطابقة بشعاراتها الكبيرة، الفارغة المضمون، نتيجة تحول الصراع السياسي الى قروي وعائلي وحتى وراثي أيضا. فالنيابة تعني تفويضا من الشعب وتكليفا منه لأشخاص ينوبون عنه في السلطة ويدافعون عن مصالحه ويعملون لتحقيق سياسات تنموية واجتماعية لمناطقهم. ومن الطبيعي ان تكون المعرفة في دراسة القوانين والتشريعات التي تهدف الى تنظيم المجتمع وتطويره هي الأساس الذي تُبنى عليها المبادئ الأساسية لمفهوم النيابة كي تكون فاعلة ومؤثرة. وهذا يتطلب عملا وجهدا يعطي للنيابة أهدافا سياسية واضحة تنطلق من طموحات المجتمع ومصالحه القومية والوطنية. هنا تصبح النيابة تكليفا وليست تشريفا، تنطلق من قوة المفهوم وتتحرك باتجاه المصلحة العامة والأهداف الوطنية. أما إذا أصبحت النيابة تشريفا فوقيا كأنها فرمان ينعتق من عقاله ليتجه نحو الماضي، كما هو حاصل الآن، في قانوننا الانتخابي الذي أعطى لصاحب المال وابن العائلة، بقوة العادات والمصالح، نائبا، وجيها، معينا أو مكلفا بحصوله على شرف مرسوم النيابة... فهل أصبحت الديموقراطية أشبه بوعاء مليء بالفراغ السياسي والثقافي والمعرفي، من خلال صراع ونفوذ يبتلع المصلحة الوطنية او باسمها تتحقق الوجاهة؟
كيف لا، فالغاية تبرر الوسيلة، وعند الوصول إلى المبتغى، فلا يهم ان يفتح النائب الوجيه، بيته او بالأحرى قصره، في آخر الأسبوع وينطلق للمشاركة في مناسبات اجتماعية ويخطب بالجماهير مطلقا الوعود دون تحقيق أي منها، إلا ما هو خاص وقليل جدا، لأنه لا قدرة له على تنفيذ ما يعد به، فهو داخل الندوة البرلمانية، يكتفي برفع اليد او بالانسحاب من دون مناقشة، فهو نائب «آدمي ومطيع» يتقرب من السلطة دون مناقشة او محاولة معرفة لما يجري حوله، وهو أيضا معارض إذا طُلب منه ذلك... أما كيف، ومتى، ولماذا، فلا يهم... خاصة إذا كانت مصالحه الخاصة مزدهرة.
لذلك، فإن أهمية الاستحقاق الانتخابي، يتطلب جهدا مزدوجا لإنتاج حالة شعبية وتعبوية على قاعدة معرفة الحقوق وحرية الاختيار، باتجاه نيابة فاعلة وملتزمة بالخيارات على اختلاف أنواعها، ألا وهي الالتزام بتحقيق برامج وخطط تنموية واجتماعية واضحة وبتحقيق التغيير الفاعل نحو الديموقراطية الحقة وبناء المواطنة تحقيقا للانصهار الوطني، وإعطاء المفهوم النيابي معنى سياسيا مختلفا عن الوجاهة الممزوجة بالنيابة حاليا، وذلك في إطار تكتلات وأحزاب لها دورها الفاعل في الحياة السياسية وبمفاهيم واضحة من دون النظر إلى طموحات شخصية ومناصب متوارثة، تؤدي الى تحقيق المصالح المحلية الضيقة لا ترى أبعد من أنفها، بحـيث تهدف إلى إفراغ الحياة السياسية من مضمونها الوطني. فلا معنى للتطور والتنمية وبناء المجتمع إذا تكرّست أنماط عفا عليها الزمن في عالم مختلف يعتمد على المعرفة وإنتاجها، وعلى المشاركة وبناء مؤسسات المجتمع المدني، وعلى عدم الخلط بين الخصم والعدو، وبين الولاء السياسي والولاء العائلي، او التعصب وعدم قبول الآخر.
فإلى أحزابنا وقوانا الوطنية الفاعلة، نطلق صرختنا بضرورة التغيير وإطلاق برامج سياسية وتنموية فاعلة مستقبلا، من دون النظر إلى حيثيات الأشخاص، والعودة إلى تجارب سابقة. وأخيرا أضيف إلى قول الشاعر: « قتلتنا الردة»، العصبوية والنفاق السياسي!!!

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,967,924

عدد الزوار: 7,652,426

المتواجدون الآن: 0