"القاعدة": السيرة المتعرّجة والمستقبل الغامض

تاريخ الإضافة الأحد 15 أيار 2011 - 5:58 ص    عدد الزيارات 554    التعليقات 0

        


 

"القاعدة": السيرة المتعرّجة والمستقبل الغامض
بقلم سليم نصار – لندن

من التصدي للقوة العظمى الثانية، الإتحاد السوفياتي، انتقل بن لادن للتصدي للقوة العظمى الأولى، الولايات المتحدة، مستلهماً في معركته عبدالله عزام و"الفريضة الغائبة" لسيد قطب، و"متعاملا" مع المثلث الباكستاني – الأفغاني – السعودي.

بعد موافقة موسكو في مؤتمر جنيف عام 1988، على سحب قواتها من افغانستان، عقد الجانبان الأميركي والسوفياتي مؤتمراً آخر في كانون الأول 1991، إتفقا خلاله على وقف تزويد القوات المتحاربة – افغانية كانت أم متطوعة – بالسلاح والمال.
ورأت واشنطن في إعلان توقيت الإنسحاب السوفياتي، هزيمة مدوية لموسكو، وإنتقاماً تاريخياً عزز ثقتها بدورها عقب عملية الهرب المهين من سايغون!
وتوقعت الولايات المتحدة أن يغادر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأنصارهما في "الجبهة الإسلامية العالمية"، جبال افغانستان لأن مبررات البقاء قد إنتفت مع إندحار الغزاة.
والثابت أن هزيمة السوفيات شجعت بن لادن على إعادة جمع المجاهدين الذين التحقوا بركبه، خصوصاً بعد إنتهاء الحرب وتفكيك الإدارات التي أنشئت من أجلها. وعلى أنقاض الجماعات الإسلامية المسلحة، أطلق أسامة بن لادن وأيمن الظواهري تنظيمهما الجديد تحت إسم "القاعدة" مستوحى من إرشادات عبدالله عزام، الفلسطيني الذي كان له الفضل الأكبر في توجيه أسامة بن لادن وإقناعه بأهمية الجهاد ضد السوفيات الكفار في افغانستان. وعندما قتل عزام في بيشاور بواسطة سيارة مفخخة، رثاه تلميذه بحرقة ووعد بحمل رسالته مدى العمر. وكان دائماً يعترف بتأثير تعاليمه على توجهه السياسي، وعلى بلورة أفكاره من خلال أحاديثهما عن أمجاد العرب وفتوحات الإسلام.
وهكذا ولدت فكرة "القاعدة" كنتيجة طبيعية للإحساس بالنصر وإلحاق الهزيمة بثاني أعظم قوة على الأرض، أي قوة الاتحاد السوفياتي. وإعتبر بن لادن تلك الخطوة بمثابة بعث لتاريخ الاسلام السابق الذي نجح بفضل صلابة الايمان وإندفاع المقاتلين، في دحر أعظم أمبراطوريتين في ذلك الزمان، هما الأمبراطورية الفارسية والامبراطورية البيزنطية. وبناء على تجارب التاريخ السابق، قرر أسامة بن لادن وأنصاره التصدي للقوة العظمى الأخرى – أي الولايات المتحدة – بعد التغلب على الاتحاد السوفياتي. ولم تكن "القاعدة" سوى التنظيم العالمي الذي تتشكل منه الشبكات الناشطة والخلايا السرية في الدول العربية والاسلامية والآسيوية والاوروبية وكل مكان على الارض تقريبا.
باشر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، نشاطهما عبر "القاعدة" في إستهداف الأميركيين في أي مكان. وقد إتخذا من وجود القوات الاميركية التي طردت صدام حسين من الكويت عام 1991، ذريعة لقتل أبناء العم سام، على إعتبار أنهم دنسوا الأراضي المقدسة. وقد استند في ممارسة العنف الدموي الى اجتهادات الدكتور سيد قطب الذي صدر بحقه حكم الاعدام سنة 1966 مع شلة من أتباعه.
والمعروف ان أنصار هذا التيار تعرضوا للرئيس جمال عبد الناصر اثناء زيارته للاسكندرية عام 1954. ومع ان بعض المراقبين في حينه اتهم النظام الناصري بتدبير تلك العملية الفاشلة بهدف زيادة شعبية عبد الناصر مقابل شعبية محمد نجيب، إلا ذلك لم يمنع السلطة من التنكيل بـ"الاخوان المسلمين" على نحو غير مسبوق.
ومن أبرز الانجازات الفكرية التي قدمها سيد قطب، كان كتابه "الفريضة الغائبة". أي الكتاب الذي إستحق عليه لقب "منظر المسلمين". وفيه يضيف الى الفرائض الخمس التي يؤديها المسلم، فريضة سادسة هي الجهاد في سبيل الله. وتتلخص نظريته في الدعوة الى استخدام العنف والاغتيال والقوة المسلحة، وسائل شرعية لترويع المعارضين وإسقاط النظام القائم وبناء نظام جديد في مصر والبلدان الاسلامية يستوحي احكامه من القرآن الكريم.
وبما ان اسامة بن لادن كان شغوفا بقراءة كتاب "الفريضة الغائبة"، فقد عكف على تصوير صفحاته وتوزيعه سرا على اصدقائه في جدة كما اعتبر ان تطبيق نصوصه يحقق للمجتمع الاسلامي الدولة المثالية. وهكذا ولدت فكرة العنف الدموي من رحم كتاب سيد قطب. وكان من المنطقي ان تؤسس تلك الافكار لبناء اقتناعات جديدة لدى عشرات الشبان المهمشين والطامحين الى استعادة الأمجاد الغابرة.
في كتاب "البروج المشيدة" الذي أصدره لورانس رايت عقب تنفيذ عملية تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك وضرب مبنى البنتاغون في واشنطن (11 ايلول 2001) سلسلة من الوقائع المذهلة التي جرى التحضير لها في مواقع مختلفة. وقد إختار المؤلف عنوان كتابه من "سورة النساء" التي تقول: "اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة".
والثابت من مراجعة تسجيل فيديو عثرت عليه السلطات الالمانية في شقة محمد عطا في مدينة هامبورغ، ان اسامة بن لادن ردد هذه الآية ثلاث مرات بهدف اقناع رمزي بن الشيبة وزياد الجراح ومروان الشاهي ومحمد عطا، بأن عملهم سيكون تنفيذاً لمشيئة إلهية. ومع أن الأربعة قضوا مع 15 آخرين دون ان يعلموا بضحاياهم الثلاثة آلاف، إلا أن اندفاعهم الأعمى كان بتخطيط وتشجيع من أسامة بن لادن.
عقب تدشين نشاطات "القاعدة" بإستهداف سلسلة مواقع في نيويورك (1993) قرر الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة، الانتقال الى كابول للإجتماع بالملا محمد عمر وإقناعه بضرورة عودة أسامة بن لادن الى المملكة لأن الحرب في افغانستان قد إنتهت. ورحب الملا عمر بالفكرة بعدما شكر السعودية على دورها الرائد في دعم المجاهدين. وقرر الاثنان إنشاء لجنة تحقيق ومتابعة تتولى مراجعة المرحلة السابقة والإتفاق على تأسيس مرحلة جديدة تستفيد منها "طالبان".
والثابت ان الرئيس الملا عمر بدأ يتضايق من ممارسات "القاعدة" في الخارج، خصوصا بعدما فرضت الامم المتحدة على "طالبان" عقوبات شديدة بسبب ايوائها بن لادن. وكان ذلك عقب انفجار سيارتين مفخختين في نيروبي ودار السلام أسفرتا عن مقتل 224 شخصا بينهم 12 اميركيا ومئات الجرحى.
وقد اعترف الامير تركي الفيصل أثناء الحوار الذي اجراه معه الزميل جمال خاشقجي على شاشة التلفزيون، بأن الزيارة الثانية كانت سيئة جدا. ذلك ان الملا عمر بدا متعاطفا مع ضيفه بن لادن، ومؤيداً لكل العمليات التي قام بها ضد المصالح الاميركية وسواها من الدول. ثم أنهى حديثه الجاف برفض كل تعاون يؤدي الى السماح بعودة أسامة بن لادن الى المملكة.
وفي تفسير قدمه في حينه مراقب ديبلوماسي باكستاني رافق تلك المرحلة، إختصر دوافع التغيير الذي أظهره الملا عمر بسببين: الاول شخصي، على اعتبار ان بن لادن وعد الرئيس عمر باغتيال منافسه على الرئاسة القائد الشمالي احمد شاه مسعود وبالفعل نفد وعده بارسال انتحاريين قتلوه قبل يومين من تفجيرات برجي نيويورك كأنه بذلك يدفع رشوة لمضيفه وحاميه.
السبب الثاني، كما أورده الديبلوماسي، يشير الى دور الاستخبارات الباكستانية في اقناع الملا عمر بأهمية استبقاء أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأنصارهما في افغانستان. وتذكر ملفات المعتقلين في غوانتنامو ان بن لادن إنسحب مع المقاتلين العرب من شمال كابول في اتجاه الشرق بمساعدة باكستاني يدعى محمد نور مولوي. واللافت ان هذا القائد قدم للمنسحبين خمسين جندياً تولوا عملية تسهيل ترحيلهم الى مغاور تورا – بورا.
وقد جرب الرئيس السابق برويز مشرف وقف الدعم العسكري الذي يقدمه لـ"طالبان" جهاز المخابرات الباكستاني (اي اس اي) فلم يفلح. خصوصا بعدما أطلعه ديك تشيني على صور التقطتها الأقمار الاصطناعية تظهر فيها مواقع التدريب لجماعة بن لادن غرب باكستان.
بعد اعتراف الزوجة الاخيرة لبن لادن انها امضت في المجمع الذي قتل فيه، نحوا من خمس سنوات، وجدت الاستخبارات الباكستانية انها في ورطة حقيقية. وكان من الطبيعي ان تكبر هذه الورطة لأن جهاز الامن وفر الملاذ الامن لزعيم "القاعدة" على مقربة من اكاديمية عسكرية بهدف ابعاد الشكوك. والنتيجة ان واشنطن ستوقف دعمها الاقتصادي ومخصصاتها المقدرة بعشرين مليار دولارا، لدولة تبين انها تخفي أخطر رجل في العالم.
السؤال المطروح بعد اغتيال أسامة بن لادن، يتعلق بمستقبل "القاعدة"، وما اذا كانت ستستمر من بعده كتنظيم مسلح يطارد اميركا وحلفاءها، أم أنها ستنتهي بموت زعيمها؟!
اكد زعيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" اليمني ناصر الوحيشي، في رسالة بثها على شبكة "الانترنت"، ان قتل بن لادن لا يعني قتل منهجه ودعوته. وتوعد الاميركيين بأيام مظلمة يترحمون فيها على بن لادن.
هذا بينما قال سفير الولايات المتحدة في لندن لويس سوسمان، ان مهمة بلاده في افغانستان تهدف الى تدمير "القاعدة" وتفكيك بنيتها التحتية. وقد ظهرت هذه الاولوية في الاجتماع الطارىء الذي دعت اليه الحكومة البريطانية وحضرة 120 سفيرا وسفيرة. ويتلخص الموضوع الطاغي على الاجتماع، في البحث عن كيفية مواجهة الاعمال الارهابية التي ستستأنف بعد موت أسامة بن لادن؟!


(كاتب وصحافي لبناني)      

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,591,479

عدد الزوار: 7,762,347

المتواجدون الآن: 0