أي قـانــون لأيــة أحــزاب ســوريــة؟

تاريخ الإضافة الأحد 15 أيار 2011 - 6:19 ص    عدد الزيارات 566    التعليقات 0

        

 
غدي فرنسيس
تمشي. تسأل. تحاور. تسمع. تغضب. تخبط الطاولة. يحمر وجهك. تبتعد ثم تعود. تحكي وتناقش وتنفعل ثم تهدأ. أنت أيّها السوري اليوم بين مقاهيك ومطاعمك ومكاتبك. من سائق أجرتك، إلى رجل أعمالك، إلى قياداتك، إلى ضباط أمنك، والأولوية إلى وزيرك. أنت أيها السوري الحزبي واللاحزبي، الخائف والمحتقن، المتلقي والمندفع، تسمع وتطالب بقانون للأحزاب. أتسأل نفسك في السر وفي اللقاءات السياسية الكثيرة غير المعلنة: ما هو الحزب؟ أين هو الحزب؟ ماذا يعني الحزب؟ أي قانون لأية أحزاب؟
شارع لا يملك حزبا، ولا أي نوع لائق علمي من التحزّب والعمل السياسي. ما يتوفر للسوري هو أن يكتب طلب انتساب لحزب البعث وهو تلميذ مدرسة. أن يكبر من «الطلائع» إلى «الشبيبة» إلى الحزب. وهو واحد، قائد للدولة والمجتمع وللأحزاب الأخرى عبر «جبهته الوطنية التقدمية». وهو الوحيد المرتفع إسماً للجامعة وفرعاً في الشارع وتعاونية في الدولة وقيادتها. حروف ثلاثة ارتبطت بكل شيء منذ فجر ثورة الثامن من آذار حتى يومنا هذا: «بعث» ...عربي اشتراكي.
ثم حلت «الانتفاضة السورية»، التي يقول البعض إنّها فوضوية، عشوائية وغير حزبية، والتي قادت إلى شكل ما من «الفتنة» التي لم يعد يختلف اثنان على مخاطرها وتربّصها بسوريا شعباً وجيشاً ودولة... ودماء. لكن هذه الصرخة، الانتفاضة، أدخلت مصطلحاً جديداً إلى كلّ الجلسات السياسية أين ما كانت، اليوم مسموح أن تناقش فكرة «الأحزاب الجديدة»، أن تنتقد «الجبهة الوطنية»، وحتى أن تعلن رغبة في «تطهير» البعث نفسه. في المقابل يقول رأس الإصلاح معنوناً: أنا سأعطيكم قانوناً عصرياً للأحزاب وبشكل سريع.
ولكن مهلاً: هل نعرف ماذا نريد؟ في أي إطار سنكون؟ على أي أساس سنتحزّب؟ ما هو دور الجبهة؟ إلى متى تستمر؟ عن أية أحزاب نتكلّم؟ هل يكون اجتهاداً يشبه اجتهاد «الجبهة» في السبعينيات؟ هل ستسمح لي ان أكون بعثياً باسم آخر؟ هل سترفع فوقي سقفك؟ أم انك ستسمح لي بأن أجعل السماء سقفا لي؟ «البعثي»«البعثي» في نادل المطعم وسائق الأجرة وطبيب الأسنان وتلميذ الجامعة ورئيس اتحاد الصحافيين ورئيس تحرير الجريدة وعميد الجيش وعماده ولواء أمنه وضباطه. كما قد تجده في تظاهرة ضد النظام يوم الجمعة. فلم يكن الانتساب إلى حزب البعث خياراً للمواطن السوري بل أشبه بالقدر. كان أمراً واقعاً لتلميذ الصف السابع أساسي، من أين ما أتى، وأين ما هو ذاهب في المستقبل.
الحزبي البعثي الرسمي هو من يحضر الاجتماعات. ذاك هو الذي يمتلك فرصة للوصول إلى سدة القرار، من المدرسة إلى الجامعة إلى المحافظة ومنها إلى الوطن. البعث هو باب السلطة. بموجب دستور البلاد ومادته الثامنة، إن البعثي هو قائد الدولة والمجتمع. وبموجب «الجبهة التقدمية الوطنية»، الأحزاب الأخرى المسموحة هي عمليا تابعة للبعث، في القرار والسلطة كما في الخطاب والتصريح والرأي، وإن اختلف الشكل. إذاً فرصة الوصول إلى العمل السياسي الحقيقي لا تكون إلا تحت جناح البعث. «التطرّف على الطرفين»في نهر التطرّف، لا تنام الفتنة المذهبية على ضفة واحدة. المسيرة المؤيدة التي تحمل صليباً مع صورة الرئيس في دمشق، لا تختلف في العقلية عن الإمارة الإسلامية المسلحة في بانياس، وإن اختلف خطرها باختلاف تسلّحها ومشروعها. في الشعب كما في الدولة هناك من يخوّن كل من ينتقد النظام ويدافع عن الخطأ. لهجة التبرير هذه، والدفاع لا تخدم النظام، بل تعكس مفارق الترهّل الذي فيه: إلغاء الآخر، والفوقية، والخطاب التقليدي، والتعصّب للنظام مهما فعل عوضاً عن التعصّب لمصلحة الشعب والأرض والوطن. وهذا التطرّف الموالي سيقف عقبة بوجه الإصلاح الحقيقي لأنه لم يعترف حتى الآن بالخطأ. كيف يمكن، في ظل تطرف كهذا، أن يخرج قانون للأحزاب؟!. «المعارضات أنواع»كما أي نظام حاكم في العالم، تبلورت في وجه الحكم في دمشق نزعات معارضة، متنوعة الأسباب والأهداف، بينها السياسي البحت وبينها الطائفي، والمناطقي أو العشائري أو الفردي. بينها ما يتمتع بتمثيل شعبي وبينها ما يدعي التمثيل، ولا يتمتع به. بينها الوطني وبينها الحاقد، بينها العاقل وبينها المتهور. بينها الإسلامي، أو السلفي أو المتطرف بتدينه، وبينها العلماني المعتدل والمتطرف. بينها السلمي، وبينها أيضاً من رفع السلاح بوجه الدولة.
الحوار لا يكون ممكنا، ولا الخروج من الأزمة، إذا لم يتكلّم هؤلاء بآلية ما للعلن. بيانات الفنانين لم تكف الشارع، انقسام المثقفين السوريين عكس انقسام الشارع عوضاً عن لعب الدور التنويري المنتظر منهم. ألم المعارضة الوطنية الأكبر هو انها لم تترك لتعمل على تحسين دولتها لمدة خمسين عاماً، فوصلت إلى يوم أصبح فيه المعارض الذي يصرخ في الشارع هو الجهادي المذهبي ومن لا يملك أفقا سياسيا. تلوم النظام هذه الألسنة، تحمّله مسؤولية تفشي التطرف بأشكاله، تصف «علمانية» النظام بأنها علمانية كاذبة لأن رداء النظام العلماني هو الذي كبّر تحته هذا التمذهب. المعارضات انواع تختلف بالمنطقة والطائفة والأفكار. إبن «السكنتوري» الذي صرخ في اللاذقية يختلف كثيراً عن تاجر «بابا عمر» الذي يصرخ في حمص، وإبن دوما مختلف عن الإثنين. علاقة المواطن بالدولة تختلف من محافظة إلى أخرى، كما يختلف مفهوم «النظام» بين منطقة ومنطقة لأنه يتخذ خصوصية المناطق. هنا تلعب المعارضة الوطنية المتمثلة بمفكرين وكتّاب محاولة نضالية كبيرة، ان تقف فوق العشائرية والطائفية لتحاور النظام، في لحظة امنية حرجة.«الاعتدال» تحت قصف الجميعالمعارضة تحقد على عدم صراخه بعد، وتتهمه انه «شبّيح». الموالاة تتهمه «بالخيانة» أو «الانتهازية» أو «العمالة». هو المعتدل المضطهد في جامعته لأنه لم يتحرك لا تأييداً ولا تهليلاً. هو ابن درعا الذي تألم مع دماء أهله لكنّه لم يعارض الحل الأمني. هو الذي ينتقد كل الأطراف بل كل التطرف أين ما وجد. تجده في طالب هندسة في حمص، يعارض والده البعثي. تجده في عميد في الجيش، يدافع عن حقوق بديهية لأهل المعضميّة ودرعا. تجده القائد العسكري الذي يمشي بلباس مدني بين أزقة المدينة ليتفحّص نبض شارعها وأهلها ومقاهيها. تجده في العماد الذي صرخ في وجه تظاهرة التأييد: أنزلوا الصليب. تجده في «القومي» الذي عارض تريّث حزبه وطلب الدخول إلى صلب الصراع. تجده في الصحافي الشاب الذي يكره الإعلام الرسمي الذي يعمل فيه. تجد الاعتدال هذا يطالب بصوت مرتفع: غيّر لي دولتي لأحارب التطرف أين ما وجد.صراع الكواليسالضغط الحقيقي هو اللامع في عيون القيادات التي تجري الحوار مع الأرض. هو الهاتف الذي لا يكف والمواعيد التي لا تنقطع: مع شيوخ العشائر والمناطق والمعارضين وصولاً إلى ميشيل كيلو. هو من يبحث حقاً في الحل، ويستمع لمطلب الأرض. وهذا الذي يعيش الصراع الحقيقي بين ما يجب أن يكون الحل، والأدوات المتوفرة. حوله يكثر الصراخ، جهة، تريد دولة مدنية، وجهة تصر على حصة أكبر للطائفة. معارضة تطلب أحزاباً، وأحزاب تطلب استمرار «الجبهة» لحماية المصالح. تعارض الضغط واتساع مروحة المطالب، هو الصراع اليوم. سوريا بعيونهم جميعا تعيش مخاضاً، وتحمل أكثر من جنين. وعليها تسمية الجنين قبل أن يولد على يد قانون الأحزاب.أي قانون لأية أحزابأعلنت سوريا رسمياً أنها ستبحث في قانون الأحزاب. وفيما تتخبط الطاولات، تتخبط أيضاً الأحزاب. وتتعارض الرؤى والمطالب. البعض يقترح محاورة الإسلاميين والعشائر والأرض كما هي، فيعارضهم بعض آخر يصرخ للدولة المدنية، والأحزاب الوطنية فقط. إنّها الفرصة الأكبر لاقتناص التغيير نحو ما ينصف الشعب والمجتمع ويحفظ الثوابت. يحكى عن تأطير الجبهة التقدمية الوطنية من دون خوض تفاصيل مستقبلها. تصرخ الأرض: إلغاء الجبهة لإنعاش أحزابنا. ترتعد القيادات المستفيدة خوفاً على مصالحها. وفي الحوار، لا تزال الأسماء مقتصرة على أصابع اليد، أبرزها ميشيل كيلو. هل يصنع ميشيل كيلو قانون الأحزاب وحده؟ أين الحزبيون من الحوار؟ وأين المعارضون؟ قانون أحزاب يغيّر أنظمة، والسؤال الأبرز على طاولات سوريا اليوم: أيّ قانون لأيّة أحزاب؟

 

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,591,204

عدد الزوار: 7,762,336

المتواجدون الآن: 0