استحالة التفاهم بين النظام السوري و«الإخوان»

تاريخ الإضافة السبت 21 أيار 2011 - 5:53 ص    عدد الزيارات 563    التعليقات 0

        

 
استحالة التفاهم بين النظام السوري و«الإخوان»

 
سامي كليب
بدأت جماعة «الاخوان المسلمين» في سوريا تجاهر منذ فترة برغبتها في إطاحة النظام السوري، وهذا ما يعزز قناعة النظام بأن جزءاً من «المؤامرة» التي يتحدث عنها انما تحاك في الكواليس الاخوانية، ما يعني أن المواجهة السياسية المقبلة قد تكون أعنف من المواجهات الأمنية الحالية.
وكان المراقب العام لـ«الاخوان المسلمين» محمد رياض شقفة صرح في 2 نيسان الماضي من اسطنبول بان جماعته هي التي « تدير التظاهرات في سوريا وتشارك فيها بفعالية»، حتى اسقاط النظام، الأمر الذي استدعى تحذيرا سريعا من وزارة الخارجية التركية مفاده ان هذا الكلام قد «يضرّ بالإصلاحات». كان ذلك حين كانت الخطوط لا تزال سالكة بين الرئيس السوري بشار الاسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.
وبعد تصريح آخر له من قلب السعودية لوكالة «رويترز»، لم يدل رياض شقفة بتصريح مهم، الامر الذي فسره البعض بانه محاولة من قبل «الاخوان» لترتيب الاتصالات وعدم اثارة مخاوف السوريين من تكرار تجربة الثمانينيات ومن شبح الأسلمة السياسية والاجتماعية، ولكن المراقب العام السابق لـ«الاخوان المسلمين» السوريين علي صدر الدين البيانوني اكمل ما بدأه شقفة وقال قبل يومين في تصريحات متعددة لوسائل اعلام مختلفة وبينها صحيفة «الخبر» الجزائرية ان المطلوب هو ‘’تغيير النظام الديكتاتوري في سوريا وتغيير فكرة الحزب الواحد نحو نظام ديموقراطي تعددي’’.
واعتبر البيانوني «أن الحوار الوحيد المطلوب والممكن الآن هو كيف ننتقل إلى نظام ديموقراطي، وإذا كان لدى النظام استعداد لإجراء حوار وطني شامل لوضع خريطة طريق للانتقال إلى نظام ديموقراطي فنحن جاهزون».
تشبه المرحلة الحالية في سوريا ما كان عليه الوضع صيف العام 1979 حين كانت نذر المواجهة تتفاعل بين «الاخوان» والسلطة، ويذكر السوريون الخطاب الشهير للرئيس الراحل حافظ الأسد في المؤتمر القطري الثالث عشر لحزب البعث في تموز 1980 حين قال: «ان الخطة السياسة ازاء الاخوان المسلمين وأمثالهم لا يمكن ان تكون الا خطة استئصالية، أي خطة لا تكتفي بفضحهم ومحاربتهم سياسياً، فهذا النوع من الحرب لا يؤثر كثيراً في فعاليتهم ويجب ان نطبق حيالهم خطة هجومية».
ولكن الغامض في سياق المقارنة بين الثمانينيات واليوم، هو الحجم الحقيقي لـ«الاخوان المسلمين» في سوريا ودورهم الفعلي في بعض الهجمات التي تتعرض لها قوى الامن، فالمعروف ان الجماعة فقدت جلّ قواعدها بعد القبضة الامنية الدموية العنيفة التي شنها نظام الرئيس الراحل حافظ الاسد وشقيقه رفعت الاسد ضد «الاخوان»، واحال حافظ الاسد الى مجلس الشعب السوري في 21 حزيران 1980 مشروع قانون تبناه المجلس ويقول في مادته الاولى: «يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الاخوان المسلمين».
المهم في ما بين الامس واليوم، هو تكرار بعض ظواهر التاريخ، فالمراقب العام الحالي لـ«الاخوان»رياض شقفة تماماً كنائبه فاروق طيفور هما من مدينة حماه التي شهدت افظع مجزرة في تاريخ الصراع بين السلطة و«الاخوان»، وهما أيضاً من شاركا في قيادة العمل العسكري الاخواني ضد السلطة. بينما أمضى المراقب العام السابق للاخوان علي صدر الدين البيانوني ابن مدينة حلب، جل حياته ينفي ان يكون من الموقعين على البيان الشهير للعمل العسكري ضد السلطة، ما دفع البعض للحديث عن صقور وحمائم داخل الاخوان، بينما ينفي الجميع بمن فيهم البيانوني اليوم أي فروق جوهرية ويسخرون من عبارة الحمائم والصقور.
لا ضرورة للعودة الى مرحلة الثمانينيات وما تخللها من عنف ودماء من الطرفين فهي معروفة، ذلك ان بطش السلطة آنذاك اشتد بعد ان نفذت «الطليعة المقاتلة» عمليات دموية كثيرة بينها الهجوم على ثكنة المدفعية وقتل الضباط العلويين فيها، ومحاولة اغتيال حافظ الاسد نفسه، لا بل ثمة من يكاد يؤكد ان زمام الامور كاد يفلت من السلطة في المحافظات الشمالية.
ولا يزال كل طرف حتى اليوم يقرأ التاريخ من وجهة نظره، فالجماعة نفت مراراً علاقتها بـ«الطليعة المقاتلة»، وغالباً ما كانت تصدر تعميمات تنفي أي صلة لها بهذا الفريق العسكري الذي كان مروان حديد صاحب فكرة تأسيسه، وتقول إنها كادت تقطع شوطاً لا بأس به بالحوار مع السلطة لولا دخول اطراف من النظام لتعطيل الحوار، والسلطة تقول ان «الاخوان» لم يكونوا جادين بالحوار وانما ارادوا الاستيلاء على السلطة.
وبعد مرور أكثر من 30 عاماً على مرحلة العنف الدموي بين الطرفين، يشعر «الاخوان المسلمون» اليوم بأن الفرصة قد حانت فعلاً لتغيير النظام، وهم لذلك يحاولون لعب أوراق متعددة منها ما هو داخلي عبر إنعاش بعض ادواتهم ومناصريهم، وكثيرها خارجي من خلال اقناع الدول المؤثرة في الوضع السوري بأن وصول «الاخوان» الى السلطة سيكون مفيداً للجميع .
والاهتمام الاخواني ينصب اليوم على 5 محاور، اولها خليجي وثانيها تركي وثالثها مصري ورابعها قطري وخامسها لبناني. فقد أوفدت جماعة «الاخوان» نائب مراقبها العام فاروق طيفور الى القاهرة في 9 أيار الحالي وعقد اجتماعاً مع الدكتور محمد بديع المرشد العام لـ«الاخوان المسلمين» في مصر بغية حث الجماعة في مصر على رفع مستوى دعمها لنظرائهم السوريين والتأثير على القرار الرسمي المصري حيال سوريا.
معروف ان جماعة «الاخوان» في مصر بدأت تعزز حضورها ليس في بلادها فقط وانما على مستوى العالم العربي، ويكفي ان نشير الى الزيارة الهامة التي قام بها محمد بديع إلى شمال لبنان قبل أيام قليلة.
صحيح ان الزيارة جاءت لمناسبة العزاء بالشيخ فيصل المولوي الامين العام للجماعة الاسلامية في لبنان، لكن هذه الزيارة للمرشد المصري على رأس وفد كبير ومهم للجماعة كانت الاولى له خارج بلاده منذ الثورة، وقيل الكثير عن الحوارات التي تخللتها والتي طالت الاوضاع في سوريا. فشمال لبنان نافذة مهمة جداً للإطلاع على اوضاع «الاخوان المسلمين» وغيرهم في سوريا والتأثير عليها. وقد كان الشيخ يوسف القرضاوي سباقاً الى ذلك ويلاقي كل يوم ما يلاقيه من شجب وتكفير عبر الفضائيات والإعلام في سوريا بسبب موقفه المؤيد لقلب النظام السوري.
وثمة من يعتقد بأن «الاخوان المسلمين» في مصر قد يكثفون دعمهم لاخوانهم السوريين وفق تطور الاوضاع في سوريا، كما ان موقفهم سيزداد دعماً بعد الانتخابات المقبلة في مصر والتي يرجح ان يكون لهم فيها نصيب كبير، ويحكى عن اتصالات سورية مصرية رسمية بعيدة عن الاضواء للحدّ من هذا التأثير المحتمل.
ويكفي ان يقرأ المرء حديث الدكتور كمال الهلبواي، المتحدث السابق باسم جماعة «الاخوان المسلمين» في الغرب، لصحيفة «الشرق الاوسط» قبل يومين ليفهم ان ثمة رغبة اخوانية مصرية جدية في التأسيس لـ«تنظيم عالمي قوي للاخوان المسلمين يشبه الاشتراكية الدولية او الحركة الصهيونية»، وبهذا الصدد يشير الى الروابط الضرورية بين كل اخوان المنطقة حتى ولو ترك لكل منها حرية الحوار او عدمه مع الانظمة القائمة وكيفية التعامل معها.
وأما تركيا فهي باتت ساحة تحرك كبيرة لـ«الاخوان المسلمين» السوريين، ولم يعد اردوغان يتردد في التحذير من التقاتل المذهبي في سوريا، وكأنه بذلك يريد دفع النظام السوري دفعاً للحوار مع «الاخوان المسلمين»، وهذه وجهة نظر تتبناها بعض دول الخليج او بعض الاطراف الفاعلة فيها. وليس موقف النواب السنة الكويتيين الداعي الى طرد السفير السوري من الكويت وقطع العلاقات مع دمشق سوى التعبير الأكثر فجاجة في هذا السياق.
هذا الواقع الاخواني السوري الآخذ بالتوسع، ويلقى مساندة قطرية (فيما قطر تسعى في الوقت نفسه للعب دور الوساطة ايضاً بين حركة طالبان واميركا)، يصطدم في سوريا بعوامل عدة، فهو لا شك يواجهه نظام رافض الحوار بين السلطة السورية و«الاخوان» طالما ان شرط الحوار هو قلب النظام، ويواجه أحزاباً علمانية او يسارية قادرة على تفعيل كوادرها وموظفيها والمستفيدين منها لاحقاً لتأجيج الساحة السورية ضد الايديولوجية الاسلامية، ويواجه ثالثاً البرجوازية السنية المستفيدة من النظام الحالي، ولذلك فان الخطر الفعلي هو التركيز على النعرات الطائفية والمذهبية.
وهنا يطرح السؤال الفعلي حول مستقبل مدينتي حلب ودمشق، فالمدينتان اللتان لا تزالان بعيدتين نسبيا عن مجمل المواجهات في سوريا، تضمّان البرجوازية السنية السورية والنخب الثقافية والفكرية، فهل هدوءهما النسبي مرتبط فعلا بمصالح هذه البرجوازية التي انتعشت كثيراً بفضل الانفتاح الاقتصادي الذي حصل في السنوات الماضية، أم ان «الاخوان المسلمين» يسعون لضمان أوسع قاعدة للتحرك في هاتين المدينتين قبل اشعال الفتيل فيهما؟
لا شك في أن الاخوان سعوا في السنوات الماضية لفتح خطوط حوار مع السلطة، ومن يقرأ ادبياتهم يتوقف عند عدد من التصريحات التي كانت قابلة بالعودة وتشكيل حزب سياسي والتفاهم مع النظام في ظل هذه السلطة نفسها، لكنهم اليوم وعبر براغماتيتهم يعملون باتجاهين فأما إلزام النظام الحالي بمحاورتهم بشروطهم، او تكثيف الضغط الداخلي والخارجي على أمل تغيير النظام.
وثمة من يؤكد ان «اخوان» سوريا فتحوا فعلاً خطوطاً مع اطراف أميركية، وهناك من يقول انهم فتحوها اصلاً من خلال تفاهمهم الغريب سابقاً مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام برعاية سعودية آنذاك، البعض يشير الى ان جناح «الاخوان المسلمين» العراقيين ساعدهم في لحظة معينة بفتح خطوط مع واشنطن، فالدكتور كمال الهلباوي يوضح في هذا السياق العراقي مثلا ان «الاخوان» العراقيين «للاسف الشديد وضعوا ايديهم بيد بريمر وهذا لا أقبله ولا يقبله أحد».
وبعض خصوم «الاخوان المسلمين» السوريين يقولون إن بعض الرسائل التي بعث بها هؤلاء الى واشنطن تتضمن تطمينات الى اسرائيل نفسها، لا بل ان هناك من يؤكد حصول لقاءات غير مباشرة بين مبعوثين إسرائيليين وبعض المقربين من «الاخوان» السوريين، ولكن لا أحد يستطيع فعلاً تأكيد ذلك وسط نفي قاطع من «الاخوان».
ويقال ان الرسائل التي وصلت الى واشنطن وبعض دول الغرب من خلال وسطاء اتراك وخليجيين ولبنانيين (وهنا السؤال كبير حول الدور اللبناني) مفادها ان «لا تقلقوا على مرحلة ما بعد بشار الأسد، فنحن أكثر مرونة في كل شيء بما في ذلك اتفاقية سلام مع اسرائيل وضمان المصالح الأميركية».
وسط كل ما تقدم يبدو النظام السوري متوقعاً كل الاحتمالات، والأكيد انه ليس بوارد الحوار مع «الاخوان المسلمين» لا الآن ولا بعد فترة، وانما سيقصر حواره على اطراف من المعارضة لا تطالب بتغيير النظام وإنما تساهم في إصلاحه، فهل تتحرك حلب وحماه ودمشق بعد حمص بدفع من «الاخوان» لاحقاً؟

 

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,615,067

عدد الزوار: 7,762,761

المتواجدون الآن: 0