التفكُّك الأخلاقي للنُخبة السياسية في لبنان
إنّ العلّة ليست في شخص العماد عون، ولا في شخص الرئيس بري، بل العلّة في عقلية المخاصمة السائدة لدى الطبقة السياسية· والتي تتجاهلُ - لإثبات الوجود - الاعتبارات الوطنية والأخلاقية· فالتفكُّكُ السياسي يبقى محتملاً إن لم يعبّر في أوقات الأزمات عن تفكُّكٍ أخلاقي، لأنه في مثل هذه الحالة لا يعودُ هناك نِصابٌ يمكن اللجوء إليه أو الاعتصام به· والواقع أنّ هذه <السجايا> الحميدة لدى السياسيين اللبنانيين انفضحت من زمان، وآخِرُ بل وأكبر شواهد افتضاحها أخبار الويكيليكس على مدى ثلاث سنواتٍ وأكثر، وهي لم تُبق سياسياً إلاّ وقد تبيّن أنه صرَّح في يومٍ واحدٍ بثلاث تصريحات متناقضة الفارقُ بينها هو الفارق بين السرّ والعلانية!
وإذا كانت عقليةُ الخصومة سمة لبنانيةً شبه خالصة، وموروثة من حروبنا الأهلية وغير الأهلية، فإنّ <الإخوة> في سورية والذين سيطروا واستتبعوا على مدى ثلاثة عقودٍ، لا يشكون من شيء، واللبنانيون التابعون لهم لا يعلمون إلا في الأقلّ متى يرضون ومتى يغضبون، وأظنُّ أن <أمانتهم> لسورية وللأمة العربية، ولقضية المقاومة، والقضايا الأُخرى، لا تسمحُ لهم بالصمت لأكثر من يومين أو ثلاثة، فيحُسُّون هم بأنهم موجودون (ولو عن طريق تسمية الإرهابيين الذين تسلّلوا من لبنان إلى بانياس مَثَلاً!)· وقد يُحسُّ بعضُ أهل النظام بسورية بوجودهم وتأييدهم، إذا كانوا قد أخذوا إجازةً لساعتين من ملاحقة الإرهابيين والمتسللين!
ما عادت هذه المسألة نُكتة· ولا عُدْنا قادرين على إيجاد تعليلات معقولة أو شبه معقولة· ثم لماذا نكون نحن مكلّفين بإيجاد تبريرات لتحركشات العماد عون أو الرئيس بري أو وليد بك أو البطريرك بنا أو بالطائف أو بالدولة أو بالدستور أو بقوى الأمن الداخلي؟!
ثم إنني لا أعرفُ أخيراً لماذا نكون نحن وحدنا مسؤولين عن الدولة والدستور والمؤسسات، ويُصرُّ الآخرون على انتزاعها منا (من الدولة في الحقيقة)، ليس من أجل تحسين تسييرها، بل من أجل فكفكتها، ونكايةً بنا بالطبع!