5 حزيران 1967: عودة إلى الأيام التي غيّرت الشرق الأوسط

تاريخ الإضافة الأحد 5 حزيران 2011 - 6:03 ص    عدد الزيارات 568    التعليقات 0

        


 

5 حزيران 1967: عودة إلى الأيام التي غيّرت الشرق الأوسط
بقلم سليم نصار

الزمان: الساعة السابعة و45 دقيقة صباحا من يوم الخامس من حزيران 1967.
المكان: مركز قيادة الطيران الحربي في إسرائيل.
كان رئيس الوزراء ليفي اشكول قد سلم وزير الدفاع موشيه دايان، نص القرار السياسي الذي اتخذته الحكومة بضرورة تسليم العسكريين مهمة الهجوم على القوات المصرية في كل مكان.

اختار دايان لتلك الحرب رمزاً مشفراً إختصره باسم "ناهشونيم" وهو اسم زعيم قبيلة "يهودا" التي تعتبرها الاساطير التلمودية، أول قبيلة نجحت في تحقيق الرحيل الجماعي "اكسودس" من مصر بقيادة "ناهشونيم".
والمؤكد أن القيادة العسكرية الإسرائيلية كانت تسعى من وراء هذا الربط الرمزي، الى اقناع المقاتلين بأهمية دورهم في حرب تحرير الدولة العبرية من وطأة حصار التهديد العربي. ويدعي المدير السابق للاستخبارات العسكرية حاييم هرتزوغ، أن هذا الحافز المعنوي شجعهم على اداء دورهم بمهارة. اضافة الى الدعم العملي الذي وفره الرئيس الاميركي ليندون جونسون عندما وافق على ارسال ذخيرة وقطع غيار نقلت جواً الى إسرائيل بقيمة 70 مليار دولار. علاوة عن المساعات الميدانية التي امنتها طائرات الاستطلاع وأقمار التجسس.
ويشدد الكاتب دونالد ناف، في مؤلفه الشهير "6 أيام غيرت الشرق الأوسط" على الدور العاطفي الذي لعبته ماتيلدا كريم مع عاشقها المتيم ليندون جونسون. ذلك أنه كان يستضيفها مع زوجها أثناء إندلاع الحرب. وأكد ناف في كتابه على أن الرئيس عرّج على غرفتها ليبلغها الخبر اليقين. ثم إعتذر عن عدم تمكنه من مشاركتها وجبة الإفطار، لأن وزير الدفاع روبرت ماكنمارا ووزير الخارجية دين راسك، ينتظرانه في المكتب البيضوي.
ثم تبين بعد حين أن اللوبي اليهودي دفع ماتيلدا لمواصلة عملية اغواء الرئيس العاشق بهدف استخدامه للحصول على كل مساندة ومساعدة تحتاجها إسرائيل قبل الحرب.
ولدت ماتيلدا غالن في ايطاليا سنة 1928 لابوين سويسريين.
ولما إنتهت الحرب العالمية الثانية، كرست الصبية الشقراء معظم اوقاتها لمتابعة أخبار اليهود الذين تعرضوا للابادة الجماعية خلال الحكم النازي. وقد أصيبت في حينه بمرض الاكتئاب والإنزواء الى أن وجدت الخلاص بين يدي طالب يهودي بلغاري يدعى ديفيد دانون. ويبدو أن هذا الطالب خدم في عصابة مناحيم بيغن في فلسطين قبل أن تطرده قوات الإنتداب البريطاني الى سويسرا.
وبدلا من أن يهتم ديفيد بتحصيل العلم في جامعة جنيف، فقد كرس وقته مع زوجته ماتيلدا، للقيام بعمليات ارهابية لمصلحة عصابة "ارغون" في ايطاليا وفرنسا.
وكان من الطبيعي أن تعتنق هذه الفتاة المتحمسة لقضية إسرائيل، اليهودية كدين قرّبها من زوجها ومن الذين تخدمهم بطاعة عمياء. سنة 1953 إنتقلت الحسناء الشقراء مع زوجها ديفيد، من جنيف الى تل ابيب حيث التحقت بمؤسسة وايزمان كباحثة في مختبر للأمراض المستعصية. وبعد ولادة ابنتهما، إنفصلا حبياً ليتفرغا لامور مختلفة.
خلال هذه الفترة الرمادية التقت ماتيلدا في إسرائيل آرثر كريم. وقد أقنعها بأهمية العيش معه في الولايات المتحدة. ومن مؤسسة وايزمان في تل ابيب إنتقلت الى نيويورك لتعمل في مؤسسة زوجها الثاني كريم، صاحب "مركز سلون – كاترينغ للامراض السرطانية".
وبما أن الجالية اليهودية في نيويورك كانت تعتبر كريم من اكرم المتبرعين لمشاريعها، لذلك أولته إهتماماً خاصاً وقدمته للرئيس جونسون كنصير لإسرائيل.
وكما تفانت ماتيلدا في خدمة الدولة العبرية أيام كانت زوجة ديفيد دانون، هكذا قامت بالدور ذاته يوم أصبحت زوجة آرثر كريم. وربما ساعدها على النجاح في الولايات المتحدة، عشق الرئيس جونسون الذي بهره جمالها وسحرته قصة حياتها. لذلك وصفتها الصحف الاميركية بأنها "النسخة الثانية عن مارلن مونرو". وجاء هذا الوصف في معرض المقارنة بين عشيقة الرئيس جون كينيدي وعشيقة خلفه ليندون جونسون. والفرق بين المعشوقتين هو أن مونرو لم تكن تتدخل في الامور السياسية، في حين وظفت ماتيلدا غرام الرئيس لتخدم بواسطة نفوذه دولة إسرائيل.
ويقول دونالد ناف في كتابه الموثّق، أن أشكول ودايان وايبان، كانوا ممتنين جدا للدور الذي قامت به ضيفة البيت الابيض وزوجها قبل حرب حزيران وبعدها.
والسبب أن جونسون المتيم كان يطلعها على كل البرقيات الديبلوماسية. وكانت هي تعرف من عاشقها أنه وعد الزعيم السوفياتي كوسيغين بألا يسمح لإسرائيل بشن حرب مفاجئة في إنتظار تسوية النزاع سلمياً بواسطة أمين عام الامم المتحدة يوثانت. ولكنها نقضت هذا التعهد واقنعت جونسون باعطاء اشكول الضوء الاخضر لهجوم مباغت على مصر.
والثابت أن وزير خارجية إسرائيل ابا ايبان كان هو الآخر يلعب دور المنسق بين اشكول وجونسون، خصوصاً في القضايا الخارجية التي تحتاج الى تدخل الرئيس الاميركي. ومن ابرز مظاهر ذلك التدخل الديبلوماسي السافر، قرار تأخير وقف إطلاق النار على مختلف الجبهات.
ومن المؤكد أن فترة التأخير ساعدت القوات الإسرائيلية على احتلال المزيد من الاراضي العربية. وهكذا قدرت مساحة الارض الخاضعة لادارة اسرائيل، بأربعة اضعاف ما كانت عليه قبل الخامس من حزيران 1967. اي أنه بعد ستة ايام فقط أمنت القوات الغازية في الجولان، شريطاً فاصلاً يبلغ طوله عشرين ميلا. كذلك اتسع "خصر" اسرائيل الضيق بعد احتلال الضفة الغربية، وانتشار جيش الدفاع على طول الحدود الطبيعية لنهر الاردن. كما ادى احتلال سيناء الى اخراج مصر من معادلة التوازن الاستراتيجي عام 1978. اي بعد احدى عشرة سنة.
وكان من الطبيعي أن تستغل اسرائيل انتشارها المدوي لتباشر في اعلان ضم القدس الشرقية على لسان اول من اقتحمها قائد القطاع الاوسط اوزي ناركيس. وفي اول صورة التقطت له امام حائط المبكى الى جانب موشيه دايان واسحق رابين، انشد ناركيس اغنية "العودة الى البحر الميت" التي ينشدها جيش الدفاع الاسرائيلي. وقد انضم اليهم بعد الظهر رئيس الوزراء اشكول، وهو يحمل رسالة خطتها زوجته لم يلبث ان ادخلها بين حجارة حائط المبكى. وقد كتبت فيها القسم المتداول بين يهود الدياسبورا: "ليلتصق لساني في حلقي اذا نسيتك يا اورشليم".
يعترف موشيه ديان في مذكراته انه استغل فرصة وقف القتال، ليباشر عملية نشر المستوطنات اليهودية وسط التجمعات العربية في الاراضي المحتلة.
والغاية كما حددها ارييل شارون، تكمن في خلق حقائق على الارض تحول دون قيام دولة فلسطينية موحدة، ومتماسكة في الضفة الغربية. ولما استخدم الفلسطينيون القرارين 242 و338 لمنع بناء المستوطنات، رد شارون بانتهاك القانون الدولي واستكمال بناء جدار الفصل. وعندما رفعت الشكوى الى محكمة العدل الدولية، طالب 13 قاضيا بضرورة تفكيك الجدار والتعويض على المتأثرين به. وكان وزير خارجية مصر نبيل العربي، القاضي العربي الوحيد في محكمة العدل الدولية. وقد استرشد بالمبدأ الراسخ في القانون الدولي بعدم قبول الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.
بعد الهزائم التي منيت بها الجيوش العربية في حرب حزيران، استقطبت منظمة التحرير اعداداً كبيرة من المتطوعين. ورأى ياسر عرفات ان الفصائل المرتبطة بالمنظمة اصبحت هي الامل الوحيد لاسترجاع الاراضي المغتصبة. كما رأى ان سلاح المقاومة هو السلاح الأمضى لاثبات تفوق ارادة النضال على الآلة العسكرية الاسرائيلية.
بعد مضي 43 سنة تقريباً على تلك الهزيمة، لا بد من التذكير بأن الرئيس جمال عبد الناصر، ارجأ اعلان استقالته المرفوضة شعبياً، الى حين اكتشف له "المجمع اللغوي" كلمة بديلة لـ"الهزيمة" هي كلمة "نكسة".
ولكن التخفيف من وقع تلك الهزيمة لم يمنع الشعوب العربية ولو بعد نصف قرن تقريباً، من اعلان الثورة ضد كل الانظمة التي تخاذلت في حرب حزيران 1967. وما نشهده حالياً فوق الساحات العربية من عنف وعنف مضاد، ليس اكثر من ظاهرة طبيعية افرزتها الهزائم المتواصلة امام عدو عرف كيف يسخّر الدول الكبرى لخدمة مطامعه.
في كتابه حول تاريخ الأمم، يقول المؤرخ ارنولد توينبي، ان الأمم التي تتعامل بلامبالاة في مواجهة التحديات الكبرى، تكون من الأمم الميتة. والمؤسف ان العرب، تعاملوا مع هزيمة حزيران 1967 كأنهم ينتمون الى الاموات لا الى الاحياء.


(كاتب وصحافي لبناني – لندن)      

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,651,447

عدد الزوار: 7,763,378

المتواجدون الآن: 0