أرودغان إلى ولاية ثالثة يرسي أسس تركيا جديدة

تاريخ الإضافة الأحد 12 حزيران 2011 - 9:20 ص    عدد الزيارات 634    التعليقات 0

        

أرودغان إلى ولاية ثالثة يرسي أسس تركيا جديدة
دستور يختبر  ديموقراطيته و"الربيع العربي" تحدٍّ لدوره الإقليمي

تركيا عاصمة العالم. أنا الحزب والحزب أنا... بمنطق كهذا، يستعد رجب طيب أردوغان لولاية ثالثة في انتخابات لا جدل حول هوية الفائز فيها، الا أنها تكتسب أهمية خاصة لكونها تؤسس لدستور جديد وتمهد للانتقال الى نظام رئاسي، ربما برئاسة أردوغان أيضاً.

في عددها الصادر في الثاني من حزيران ، حضت مجلة "الايكونوميست" البريطانية الناخبين الاتراك علناً على التصويت لحزب الشعب الجمهوري المعارض، بحجة أن إعادة انتخاب حزب العدالة والتنمية "مثير للقلق... لا لأسباب دينية، وإنما ديموقراطية". ولفتت الى أنه منذ انتصار رجب طيب أردوغان  في  معركته ضد الجنرالات والقضاء،  لم يواجه أية محاسبة، وهو ما أتاح له إطلاق العنان لطبيعته "غير المتسامحة حيال النقد وتغذية غرائزه الاستبدادية".
الواقع ان أردوغان يخوض منذ مدة مواجهة مع مجموعة من المثقفين الليبراليين الذين وقفوا إلى جانبه مدى سنوات باسم الديموقراطية والانفتاح والحريات، قبل أن ينقلب بعضهم عليه، منتقداً مواقفه الأخيرة في موضوع  إزالة هيكل عملاق نصب في مدينة قرص على الحدود التركية - الأرمينية بعدما وصفه بالأعجوبة، وادخال حكومته تعديلات قانونية جديدة على مسائل بيع الكحول وتناولها والدعاية لها.
أما فتيل هذه المواجهة الداخلية،  فكان مقالاً شديد اللهجة كتبه رئيس تحرير جريدة "طرف" الليبرالية أحمد التان   وانتقد فيه أردوغان الذي بات "قوميا متشدداً أكثر من حزب الحركة القومية"، وهو ما رد عليه رئيس الوزراء باقامة دعوى على الصحافي بتهمة القدح والتشهير، طالباً تعويضات مادية ومعنوية.
وخلال الحملة الانتخابية التي كان يفترض أن تكون هادئة، وسط اقتناع شبه عام بأن حزب أردوغان في طريقه الى الفوز بما بين 42 في المئة و48 في المئة من الاصوات، كثرت  الاخبار عن عنف ومواجهات بين الشرطة ومتظاهرين مناهضين لرئيس الوزراء التركي.
وإذ يبدو واضحاً أنه في ذروة  شعبيته، يتحول أردوغان احدى الشخصيات الاكثر اثارة للانقسام في تاريخ تركيا. متعجرف وشعبوي لخصومه، كاريزماتي وكثير الرؤى لمناصريه، يدخل اليوم ولايته الثالثة زعيماً لبلاد ساهم في تحولها وغيَّر وجهها على نحو لا ينافسه فيها أي من معاصريه، مضفياً انتخابات عامة محسومة النتائج تقريباً أبعاداً إقليمية ودولية.
فبعد سنوات من الظل السياسي للعسكر، نجح أردوغان في تنشيط أوراق الاعتماد الديموقراطية لتركيا، مقلصاً دور الجيش في السياسة، ومعيداً اياه  الى ثكنه. وعلى أيامه، شهدت تركيا الحديثة للمرة الاولى سجن جنرالات متهمين بالتخطيط لانقلاب.
وفي السياسة الخارجية، نجح في تحقيق حلم بتنفيذه شروط  بدء مفاوضات الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، وإن تكن هذه تراوح مكانها منذ فترة.
وفي الوقت عينه، انعطف ببلاده شرقاً. وفي اشراف وزير الخارجية أحمد داود أوغلو صاحب نظرية "تصفير المشاكل" مع دول الجوار، أقام  لتركيا علاقات أشد وثوقاً مع دول القوقاز (وإن تكن الحدود مع أرمينيا لا تزال مقفلة)، وأرسى لها دوراً قيادياً في الشرق الاوسط، بتقاربها مع ايران والعراق وسوريا ودول أخرى في المنطقة على حساب علاقات مع اسرائيل، دونما اعتبار أحياناً لحسابات واشنطن، العراب القديم لأنقرة.

 

"الربيع العربي"

وفي ظل الدور المتزايد لتركيا في المنطقة، اتجهت اليها الانظار في غمرة " الربيع العربي"،  نموذجاً ناجحاً لديموقراطية مسلمة مع اقتصاد مزدهر جداً باتت على رغم عيوبها "مصدر إلهام" للعالم العربي.
لكن الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر وسوريا غافلت تركيا كما دولاً كثيرة، وشكلت تحدياً لسياستها  الخارجية التي تفاوت ردها على ما يحصل، بين دولة وأخرى. فلئن كان أردوغان من أوائل الزعماء الذين وقفوا في صف "المطالب الديموقراطية للشعب المصري"، داعيا الرئيس حسني مبارك الى اعلان خطة انتقال للسلطة، تردد في دعم عمليات حلف شمال الاطلسي في ليبيا حيث خسرت بلاده استثمارات بـ15 مليار دولار نتيجة الحرب، وعرض "خريطة طريق" للخروج من الازمة لا تشمل تنحي العقيد معمر القذافي.
أما في ما يخص سوريا، الاختبار الاهم للدور الاقليمي لتركيا، فاكتفى حتى الان بدعوة بشار الاسد الى الاصلاح، ولم يذهب الى حد مطالبته بالتنحي، مع انه وصف الجمعة القمع الذي يتعرض له المتظاهرون بأنه "عمل غير إنساني ووحشي"، في أقوى الانتقادات التركية للنظام السوري حتى الان.  
وفي موازاة ذلك، تحركت تركيا السنية، تدريجا لدعم المعارضين، بتسهيلها أولاً في نيسان مؤتمراً صحافياً للمعارضة السورية في اسطنبول انتقد فيه زعماء "الاخوان المسلمين" نظام الاسد، ثم مؤتمر المعارضة السورية في انطاليا في الاول من حزيران والذي انعقد في حماية الدولة التركية، واعتبر المحاولة الاكثر جدية لايجاد بديل من حكم الاسد.
 بالطبع، ليست الضيافة التركية عملاً خيرياً، ولا شك في أن أردوغان الذي يستعد لولاية ثالثة يدرك تماماً الاثر الكبير الذي ستتركه السياسة التركية حيال الانتفاضات العربية عموماً والسورية خصوصاً، على الموقع  الاقليمي والدولي لأنقرة في السنوات المقبلة. فكيف تتعامل حكومة أردوغان الثالثة مع الانظمة التي ربطتها علاقات وثيقة بحكومتيه الاولى والثانية؟

 

قصة نجاح

وتزامن الدور الاقليمي لتركيا مع صعود اقتصادي قوي لبلاد   صارت احدى قصص النجاح اللافتة التي شهدها العقد الماضي. فمع أردوغان، تجاوزت تركيا ماضياً قاتماً اذ كانت دولة مفلسة احتاجت مرات الى انقاذ من صندوق النقد الدولي، وتحولت العام الماضي ثاني أكبر الاقتصادات الاسرع نمواً بعد الصين، وزاد نصيب الفرد من الدخل القومي ثلاثة  أضعاف. ومع احتلالها المرتبة الـ17 بين اقتصادات العالم، باتت عضواً بارزاً في مجموعة العشرين، وتفتخر بأكبر جيش بعد الولايات المتحدة، بين دول حلف شمال الاطلسي. وذهب طموح اردوغان به الى التباهي بأن بلاده ستصير سنة 2050 ثاني اكبر اقتصاد في أوروبا بعد المانيا.

 

انتقادات

ولكن على رغم رصيده الاقتصادي وحراكه الدولي، بدأت الثقة المفرطة لاردوغان وسياسته القائمة على مبدأ "إما معنا وإما ضدنا"، تثير انتقادات واسعة. وفيما تظهر استطلاعات الرأي أن نصف الاصوات المؤيدة للحزب، موجهة اليه شخصياً، يتصرف "بابا طيب" كأنه الحزب والحزب هو.
المشكلة المستجدة لرئيس الوزراء الاسلامي الجذور، ليست مع العلمانيين الذين عارضوه دوماً، وإنما  مع عدد متزايد من الليبراليين المثقفين الذين كانوا من أبرز مؤيديه وباتوا يعتبرونه متعجرفاً، ميالاً الى الاستبداد، مع جدول أعمال ينفر كثيرين ممن ينتمون الى الطبقات الوسطى العلمانية ذات التوجهات الاوروبية. فهو يرى أن على المرأة أن تنجب ثلاثة أولاد، وأن "الفايسبوك" "تكنولوجيا قبيحة" ويمكن ايراد أي شيء "لاأخلاقي" في صفحات هذا الموقع. وفي عهد حكوماته، صارت الضرائب على الكحول في تركيا من الاعلى في أوروبا، وحاولت السلطات حظر ارتياد الشباب دون الرابعة والعشرين الاماكن التي تباع فيها الكحول. وبعدما حظرت آلاف المواقع على الانترنت، ثمة قانون جديد مثير للجدل يفرض على الاتراك استخدام واحد من أربعة فيلترات لدخول الشبكة.
عموماً، ثمة قلق متزايد من اللهجة القومية الحادة التي اعتمدها أردوغان والتي تجاري نزعته السلطوية وعدم تساهله حيال الانتقادات. وازداد التضييق على وسائل الاعلام، ويشير مركز الاصلاح الاوروبي الى ما بين 50 و60 صحافياً مسجونين في تركيا حالياً، غالبيتهم متهمون بالتآمر لاطاحة الحكومة، ويحصي ما يقارب عشرة آلاف دعوى معلقة ضد كتاب وأصحاب إذاعات وتلفزيونات. واستناداً الى منظمة صحافيين بلا حدود، صارت تركيا في المرتبة الـ 138 من حيث الحريات الاعلامية، وراء العراق، وقبل روسيا تماماً.

 

الغالبية

في ظل هذه الاجواء، تكتسب الانتخابات أهمية استثنائية مع وعود أردوغان بأن يكون أول عمل يقوم به مجلس النواب الجديد وضع دستور جديد يحل محل الدستور العسكري لعام 1982. وثمة اجماع في تركيا على حاجة البلاد الى دستور جديد يحل محل النص الحالي الذي وضع في إشراف جنرالات بعد انقلاب 1980، وهو ما يثير تفاؤلاً وإن محدوداً بامكان تسوية مشكلتين ملحتين، هما عدم التوازن بين الدولة والمجتمع والمسألة الكردية.
فطوال سنوات، أنكرت أنقرة حقوق الاكراد وحظرت لغتهم. وبعدما حمل "حزب العمال الكردستاني" عام 1984 السلاح وبدأ معركة مفتوحة من أجل الاستقلال قتل فيها 45 الف شخص تقريباً، تعهد اردوغان السعي الى حل سياسي للنزاع، معلناً في خطاب تاريخي أن"المشكلة الكردية هي مشكلتي"، قبل أن يضطر الى التخلي عن مبادرته بضغط قوي من القوميين، فتعثرت الاصلاحات المتعلقة باللغة الكردية وتجددت المواجهات بين السلطات والمتمردين الاكراد في جنوب شرق تركيا.
وفي ظل الاستعدادات لدستور جديد، يتجدد الامل في حقوق ديموقراطية وحريات أكبر للاكراد، وخصوصاً في ظل الضغط الذي يشكله "الربيع العربي" من أجل السعي الى ايجاد حل لمسألة الاكراد البالغ عددهم 14 مليوناً، وخصوصاً مع وصول الانتفاضات الشعبية الى سوريا.
ولكن مسألة الاكراد، كما غيرها من الاصلاحات الموعودة، تبقى رهناً بالحسابات الدقيقة والارقام النهائية التي ستنتهي اليها انتخابات اليوم، وإن تكن الاحصاءات تشير الى امكان تحسن أداء الحزب الوحيد المؤيد للاكراد داخل مجلس النواب التركي.
عموماً، اذا حصل أردوغان على غالبية الثلثين (أكثر من 330 من المقاعد الـ550) سيتمكن من صوغ دستور بناء على رؤيته الخاصة دونما حاجة الى تسويات، علماً انه لم يخف خططه لتحويل تركيا من نظام برلماني الى نظام رئاسي على النسق الفرنسي او الروسي، الامر الذي يتيح له السعي الى ولايتين اخريين في الحكم، بعد 2015، عندما يكون محظوراً عليه الترشح لرئاسة الوزراء مجدداً.
وفي مقابل الاجماع الذي تحظى به فكرة دستور جديد، يسود انقسام واسع، حتى في صفوف حزب العدالة والتنمية، حيال تحول دراماتيكي كهذه في النظام السياسي التركي، وتتفاوت الأسباب بين مخاوف من التلاعب بنظام يحظى بتأييد شعبي، وصولا الى تسييس الرئاسة، مرورا بتركيز السلطة في يد شخص واحد.
في أي حال، ثمة  ثلاثة سيناريوات لنتائج انتخابات الأحد 12 حزيران، الأول ان يحصل حزب العدالة والتنمية على 367 مقعداً أي أن يتجاوز غالبية الثلثين بما يمكنه من تغيير الدستور من دون اللجوء الى استفتاء، والثاني ان يحصل حزب العدالة والتنمية على 330 مقعداً على الاقل ولكن أقل من 367، فيكون عليه تنظيم استفتاء. أما السيناريو الثالث، فهو أن يحصل على أقل من 330 نائباً، ويحتاج إذذاك الى مساعدة أحزاب أخرى أو يختار التخلي عن مشروعه.
كيليجدار أوغلو
ليس أردوغان بطبعه رجلاً توافقياً، الا أنه بات أخيراً يواجه تحدياً جدياً يتمثل في كمال كيليجدار أوغلو، البيروقراطي السابق  ذي السجل القوي في مجال مكافحة الفساد والذي تمكن من اعادة تنشيط أكبر أحزاب المعارضة المؤيد للعلمانية، حزب الشعب الجمهوري، وجعله أكثر انفتاحاً على الاقليات، على غرار الاكراد.  
وفيما تظهر استطلاعات الرأي أن الحزب سيحصل على ما بين 25 في المئة و30 في المئة،  ( في مقابل21 في المئة عام  2007)، يبقى التساؤل عما اذا كانت انتخابات اليوم قادرة على ارغام الرجلين على العمل معاً.

 

خلفية متواضعة  

...في الملصقات الانتخابية لحملة حزب العدالة والتنمية يرفع أردوغان عينيه صوب السماء والى جانبه شعار: "تركيا مستعدة. الهدف 2023"، في اشارة الى موعد الذكرى المئوية للجمهورية التركية بعد عقد تقريباً.
لا يختلف هذا الشعار عن الثقة المفرطة التي بدأت تزعج حلفاء قدامى لاردوغان والتي تتناقض تماماً مع جذوره المتواضعة.
ولد اردوغان لأب من منطقة البحر الأسود يعمل ربان زورق، وهاجر صغيراً الى اسطنبول. ويقول كتاب إنه كان يبيع الخبز وعصير الليمون ليتمكن من دفع تكاليف مدرسته الدينية في ثانوية اسلامية حيث شعر للمرة الاولى بانجذابه الى السياسة بعد انتخابه رئيساً للشبيبة في حزب الانقاذ الوطني الذي كان يتزعمه بطله نجم الدين أربكان.
والى السياسة، مال الى كرة القدم ولعب حتى الثمانينات من القرن الماضي في فريق هيئة النقل التركية في اسطنبول. وقد عرض عليه الانضمام الى فريق  فنربخشه الذي كان يتابعه منذ صغره، الا أنه، إذعاناً لرغبة والده، رفض العرض ومع ذلك استمر رئيس الوزراء من المتحمسين جداً للفريق، وعندما فاز  ببطولة دوري الدرجة الاولى هذه السنة، اتهمه مناصرو الفريق الخصم بأنه استغل سلطته لضمان فوز ناديه.
وبعد انقلاب 1980، انضم أردوغان الى حزب الرفاه الاسلامي وانتخب نائباً عنه عام 1991، الا أنه منع من تولي منصبه. وبعد ذلك بثلاث سنوات، انتخب رئيسا لبلدية اسطنبول حيث تحدى العلمانيين النافذين بقراره حظر الكحول في مقاهي المدينة. وعام 1997، خاض مواجهة أخرى مع السلطات العلمانية وهذه المرة بتلاوته قصيدة مفعمة بالمشاعر الاسلامية، وهو ما كلفه عشرة أشهر في السجن.
يأخذ خصوم أردوغان سجله هذا دليلاً على أنه يخفي خطة سرية لتحويل تركيا دولة اسلامية. ويزيدون عليه جهوده لحظر الدعارة ومحاولاته لاستحداث مناطق "خالية من الكحول".
وفي المقابل، يصر أردوغان على أنه ملتزم العلمانية، مجادلاً بأنها منعت فترة طويلة الاتراك من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية.

 

موناليزا فريحة     

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,684,105

عدد الزوار: 7,764,784

المتواجدون الآن: 0