تأملات في شريط العاصفة الشعبية

تاريخ الإضافة الخميس 16 حزيران 2011 - 6:26 ص    عدد الزيارات 564    التعليقات 0

        

تأملات في شريط العاصفة الشعبية

 

القاعدة ومدنية الثورات(1)

 

د. أكرم حجازي

 

5/6/2011

 

 

ثمة من تساءل في البداية: أين القاعدة من هذه الثورات؟ وثمة من رأى بأن القاعدة ليس لها يد فيها، وآخرون تهكموا على القاعدة بالإشارة إلى أن ما فعلته الشعوب كان الرد الصحيح على ما تفعله القاعدة. بعض هؤلاء أخطؤوا القراءة وطرحوا السؤال الخطأ دون روية، وبعضهم الآخر غاب عن المشهد لعشرات السنين ثم أحضرته ثورات لا ناقة له فيها ولا جمل. والواقع أن القاعدة أيدت الثورات، وحرضت عليها حتى قبل أن تندلع. ورغم تجنب الثورات للقاعدة وحتى التنكر لها، خشية الانقضاض عليها، إلا أن القاعدة، من جهتها، تعاملت بذكاء حاد معها، فقد كان بمقدورها انتهاز الفرصة والتدخل ضد النظم، وهي الوحيدة القادرة على ذلك!! لكنها حرصت، كما حرص الثوار، على طابعها المدني.

 

هكذا فوتت الفرصة على النظم من المساس بحركة الشارع، وجنبت الثورات بطشا ما فتئت النظم تحضِّر له عبر كيل الاتهامات عن علاقة مزعومة للمتظاهرين بـ « القاعدة » ( ليبيا واليمن) أو « السلفيين » ( سوريا) أو « المندسين » ( مصر).

 

لكن بعض الذين هالهم البطش من قبل النظم العربية في التعامل الدموي مع الثورات الشعبية، تمنوا لو أن الثوار امتشقوا السلاح، إما للدفاع عن أنفسهم وأهليهم وممتلكاتهم وإما لإسقاط النظم بالقوة المسلحة. والبعض الآخر عجب من تمسك الثورات بالتعبير الشهير « سلمية » والدفاع عنه بدمائهم بينما تصر النظم على جرّ الناس إلى الخيار المسلح بكل السبل الممكنة. والمؤكد أن التعبير عن سلمية الثورات الشعبية لم يكن اعتباطيا ولا هو بصادر عن هوى في النفس بقدر ما هو واقع في صميم التكوين النفسي للبشر. بل أن كلمة « سلمية » تجد صداها العميق في العبارة البليغة التي خطها العلامة المسلم ابن خلدون في مقدمة كتابه الشهير « العبر ... » حين قال: « إن الإنسان مدني بالطبع».

 

عبارة لا تحتاج إلى تأويلات كي نكتشف فيها أن مدنية الثورات تعني أنه ليس من طبيعتها حمل السلاح ولا من اختصاصها ولا من أهدافها. وفي هذا ما يفسر إلى حد كبير رفض الثورات الشعبية أية أطروحات أيديولوجية كي لا تختزل الأهداف المرجو تحقيقها في صورة مكاسب حزبية ومصالح عارضة. فالشعوب ما كان لها أن تنزل إلى الشوارع لتنتزع حقوقها وتستعيد مدنيتها إلا بعد أن فقدت ثقتها التامة في النظم السياسية والقوى الحزبية التي فشلت، طوال عقود، في حماية نفسها حتى من الانزلاق ناهيك عن حفظ الحقوق أو استعادتها وحتى المساومة عليها.

 

لكن عبارة « إن الإنسان مدني بالطبع» تلزمنا في التفتيش عن الأهداف المدنية التي تؤرق « مدنية » الحياة الإنسانية. ولو استطلعنا كل الساحات الشعبية، الساخنة والباردة، لما وجدنا مطلبا ملحا لدى العامة من الناس، أقرب، إلى النفس، من مطلب الحرية والكرامة .. ولا شك أنها مطالب مدنية وليست مطالب سياسية أو أيديولوجية. ولأن هناك من استعبد الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، فمن صميم الطبيعة الإنسانية أيضا ألا يقبل الناس الطغيان أو يستمر إلى الأبد، وأن يتحمل المستبدون مسؤولية أفعالهم، بحيث يدركوا المعنى الدقيق للشعار الشهير: « الشعب يريد إسقاط النظام» بوصفه المسؤول الأول عن الاستعباد.

 

إذن؛ بما أن الحراك الشعبي مدني بالطبع فلا يمكن له إلا أن يستعمل وسائل وأدوات تعكس مدنية الإنسان، إلا إذا ألجأته الظروف إلى الاستعانة وسائل غير مدنية. وفي هذه اللحظة لا بد من تواري الحراك الشعبي عن واجهة الأحداث لصالح قوى منظمة ومؤهلة لخوض صراع مسلح. لكن يبقى السؤال: من هو المسؤول عن الاستبداد: النظام المحلي؟ أم النظام الدولي؟

 

تساؤل يمس جواهر الحركة الشعبية وأهدافها، لكنه ليس مطروحا بعد للتداول في الشوارع العربية، رغم أنه من سيحدد، عاجلا أم آجلا، ما إذا كانت الشعوب ستضطر إلى الانتقال من « مدنية » الشارع إلى « عسكرته»؟ إذ أن مقدار الحرية المنشودة ستحدد للشعوب ما إذا كانت قادرة، فعلا، على التحكم باختياراتها والسيطرة على مواردها أم أنها ما زالت رهينة الهيمنة الدولية.

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,672,376

عدد الزوار: 7,763,833

المتواجدون الآن: 0