صراع إيراني - تركي على مستقبل سوريا والعراق

تاريخ الإضافة الأحد 21 آب 2011 - 5:21 ص    عدد الزيارات 619    التعليقات 0

        


 

صراع إيراني - تركي على مستقبل سوريا والعراق
بقلم سليم نصار – لندن

فيما يمر العراق في أخطر أزماته، ويرى المراقبون ان ايران قد أحكمت سيطرتها على هذا البلد، دخلت تركيا في منافسة اقتصادية مع النفوذ الايراني لعل هذه الخطوة تحد من التمدد الفارسي.

بعد فترة هدوء استمرت سنة تقريباً، انفجر الوضع الأمني في العراق فجأة عبر سلسلة هجمات انتحارية وسيارات ملغومة راح ضحيتها أكثر من سبعين شخصاً وأصيب عشرات آخرون.
وكان من السهل القاء المسؤولية على تنظيم "القاعدة" الذي هدد باعادة "الايام الزرقاوية"، في اشارة الى العمليات التي قام بها أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في ديالى سنة 2006.
ولكن هذا التفسير لم يقنع السياسيين الذين اتهموا رئيس الحكومة نوري المالكي بتشجيع المشاغبين على نشر الفوضى وخلق الظروف المواتية لتمديد الوجود العسكري الاميركي الى ما بعد 2011.
وكانت واشنطن قد اتفقت مع بغداد في 2008 على انهاء مهمة القوات الاميركية في 2011، عقب استكمال بناء جيش وطني يحل محل القوات الاجنبية.
السبب الاول الذي دفع السياسيين الى اتهام المالكي بإهمال الوضع الأمني، تردده المتواصل في ملء المناصب الوزارية الشاغرة، وبينها الدفاع والداخلية. علماً بأنه وافق منذ تشكيل الحكومة في كانون الاول على تعيين هذين الوزيرين.
وفي كل مرة كان منافسه الابرز اياد علاوي يذكره بتنفيذ تعهده، كان المالكي يختلق الاعذار لابقاء حقيبتي الدفاع والداخلية في عهدته بالوكالة. ويبدو ان استئناف عمليات التفجيرات اضطره الى تكليف وزير الثقافة الحالي سعدون الدليمي بشغل منصب وزارة الدفاع بالوكالة ايضاً. أي انه لم يختره وزيراً أصيلاً كونه ينتمي الى كتلة تحالف الوسط النيابية. بينما كلفه بهذه المهمة سابقاً الدكتور ابرهيم الجعفري عندما شكل حكومته في 2005.
الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، هدد باللجوء الى القوة في حال تأخرت القوات الاميركية عن الانسحاب في موعد اقصاه 31 كانون الاول 2011. وهو الموعد الذي تنص عليه الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن 2008.
وزعمت واشنطن ان بغداد طلبت بقاء عشرين الف جندي اميركي بهدف استكمال التدريبات للقوات المحلية، شرط عدم تطبيق القوانين العراقية عليهم. ولكن هذه المعاملة الخاصة اثارت حفيظة النواب الذين تساءلوا عن سبب بناء أضخم سفارة اميركية خارج الولايات المتحدة بلغت تكاليفها أكثر من 750 مليون دولار. كما تساءلوا عن معنى تقديم القصر الملكي في بغداد الى السفير الاميركي في انتظار استكمال تشييد مبنى السفارة التي تضم حالياً 1700 موظف.
ورد رئيس لجنة الأمن والدفاع حسن السنيد، على هذه التساؤلات بالقول ان القوات الاميركية ستنسحب في موعدها، وانه باستطاعة الحكومة العراقية توقيع اتفاق جديد. وحدد السنيد شروط هذا الاتفاق باستقدام خبراء لتدريب القوات الأمنية المحلية على قيادة دبابات "أبرامز" وطائرات "اف – 16"، مشترطاً الا يزيد عددهم على الألف خبير.
وسط هذه المناقشات العلنية، أطلقت دعوات من قبل زعماء سنة طالبوا بضرورة اقامة اقليم سني مقابل اقتسام العراق بين الشيعة والاكراد. وكان التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، بمثابة قنبلة سياسية أحدثت شرخاً في جدار التوازنات القائمة. قال، وهو في واشنطن: ان هناك احباطاً سنياً في العراق. وإذا لم يعالج سريعاً، فإن السنّة قد يفكرون بالانفصال، أو على الأقل، تأسيس اقليم خاص بهم".
ولما سئل عن الحاجة الى انفصال أهل السنّة، قال ان الاجواء الحالية تدفع هذه الفئة الى الشعور "بالدونية"، بسبب معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية: أو بسبب احساسهم بأن القوى الاخرى قد همشتهم في مختلف الميادين السياسية والادارية والعسكرية.
ومع ان النجيفي لم يحدد مواقع الخلل، إلا أنه اشار مداورة الى تركيبة الجيش الوطني الجديد وكيف طغت على عناصره الطائفة الشيعية. والسبب ان قاعدة تشكيل هذا الجيش نقلت عن القاعدة اللبنانية التي أدخلت ميليشيات حرب 1975 – 1989 في صلب تكوين الجيش الجديد. وكانت النتيجة ان ولد الجيش العراقي الجديد من رحم ميليشيات "حزب الدعوة" الذي أسسه أثناء حكم "البعث" الدكتور ابرهيم الجعفري ونوري المالكي بدعم من ايران. كذلك انضمت الى صفوف هذا الجيش عناصر تابعة للزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر، اضافة الى "فيلق بدر" بزعامة عمار الحكيم.
هذا على الصعيد العسكري الأمني. أما على الصعيد الاقتصادي – التجاري، فإن ايران قد أحكمت تسلطها على هذا البلد التابع الذي يرئس حكومته أحد أكبر مؤسسي حزب ايران في العراق، أي "حزب الدعوة". وبسبب هذا الانحياز العاطفي تم ترشيح ايران لتكون البديل من الفراغ الذي سيحدثه غياب الولايات المتحدة آخر هذه السنة. علماً بأن العراق هو ثالث شريك تجاري مع ايران بعد الصين ودولة الامارات المتحدة. وأذيع منذ مدة أن حجم التجارة بين ايران والامارات بلغ أكثر من ثمانية مليارات دولاراً.
وفي الاسبوع الماضي وقعت ايران مع سوريا على اتفاق يقضي بمد انبوب غاز يبلغ طوله الفين وخمسمئة كلم، ويمر عبر الاراضي العراقية. وقد أقدمت طهران على هذه الخطوة في سياق تحديها المتواصل لواشنطن، والتي تعمل حالياً على محاصرة سوريا وارغامها على تقديم تنازلات بسبب اعمال العنف.
ويرى المراقبون في الأمم المتحدة ان الحكومة العراقية خضعت لضغوط ايران وامتنعت عن شجب القمع العنيف للتظاهرات التي انتشرت في المدن السورية. واكتفت في هذا السياق بالتمني على الحكومة السورية بفتح حوار مع المعارضة والامتناع عن سفك الدماء.
وفي هذا الاطار ايضاً يمكن تفسير تظاهرات الشيعة العراقيين الذين استنكروا التدخل العسكري السعودي في البحرين.
تركيا من جانبها اكتشفت ان علاقات التحالف بين سوريا وايران، تمنعها من لعب دور مجد بهدف ابعاد دمشق عن طهران. لذلك دخلت في منافسة اقتصادية مع النفوذ الايراني لعل هذه الخطوة تحد من التمدد الفارسي. وبسبب المزاحمة على خطب ود العراق، فقد وقعت أنقرة الشهر الماضي مع بغداد وطهران اتفاقاً لانشاء مصرف مشترك برأسمال يبلغ مئتي مليون دولار. ثم اعلنت ايران وتركيا عن نيتهما زيادة حجم التجارة بينهما الى 30 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. علماً بأن حجم تجارة تركيا مع العراق وصل هذه السنة الى 11 مليار دولار.
يجمع المحللون على القول ان العراق يمر في أخطر مراحل أزماته منذ الغزو الاميركي لنظام صدام حسين. ذلك ان عواطف حكامه موزعة بين الولاء لايران والانسجام مع الموقف العروبي. لهذا رأى نواب السنّة في انبوب الغاز تورطاً يزيد من نفوذ ايران باعتبار انه يحتاج الى حماية دائمة. وفي حال قامت قوى سنيّة باعمال تخريب ضد هذا الانبوب، فإن طهران ستضطر الى ارسال قوات بهدف حمايته. وهكذا تصبح حماية الانبوب مبرراً لتدخل ايران العسكري. على صعيد آخر، فإن الحكومة العراقية باشرت في استقبال فلول الهاربين من سوريا، وبينهم مئات من عناصر الاقليات التي هربت من الاضطهاد.
وبسبب خوفها من تسلل الاضطرابات السورية الى أرضها، أمر المالكي بحفر قناة دفاعية بطول 45 كلم وعمق 3 امتار، بغرض منع السيارات والاشخاص من التسلل.
وتقول جهات عراقية مسؤولة ان هذا القرار قد اتخذ في ضوء المخاوف من انهيار السلطة المركزية في دمشق. أي السلطة التي تنشر حالياً 7500 جندي لحماية 1100كلم، هي طول الحدود بين الدولتين. يفاخر الرئيس أحمدي نجاد بأن ايران هي القوة الوحيدة الداعمة للنظام السوري. لذلك أعرب عن معارضته لأي تدخل أجنبي في القضايا الداخلية السورية، معتبراً ان التدخل يعقد الامور ويزيد من حدة التوتر القائم.
وحول هذه المسألة وصف آية الله علي خامنئي، "الربيع العربي" بأنه صحوة اسلامية لتحرير النظم الاستبدادية من الغرب واسرائيل. ولكنه أحجم عن اطلاق هذا الوصف على التظاهرات في سوريا، معتبراً ان نظام الدولة الحليفة يتعرض لهجمات الذئب الاميركي الذي قاد الحلف الاطلسي الى ضرب ليبيا وزعزعة استقرارها.
وفي ضوء هذه المعطيات، تبدو دعوة رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي، كحركة جدية تسعى الى اقامة "دويلة" سنيّة في حال تمت هيمنة ايران على الاقليم الجنوبي. علماً بأن زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، يتصرف كرئيس مستقل "لدويلة" مستقلة داخل الحكومة الاتحادية العراقية. والدلالة على ذلك ان قائد "البيشمركية" انتقد حكومة المالكي لأنها أرسلت قوات الى محافظات الموصل وكركوك وديالى التي تعتبر من المناطق المتنازع عليها. وادعى ان مثل هذا القرار يحتاج الى الحصول على موافقة الاطراف الاخرى. وهذا معناه ان الحكومة المركزية الاتحادية لا تتمتع بالسلطة التي تخولها حق التدخل في كل المناطق العراقية.
والحديث عن معارضة ايران لأي تدخل في شؤون العراق وسوريا، يقود الى الحديث عن معارضتها لأي تدخل في شؤون لبنان الداخلية. والسبب ان النظام في طهران يعتبر لبنان جزءاً مكملاً لنفوذه السياسي والأمني المجسد بـ"حزب الله". كما يعتبر الصواريخ التي أمنت سوريا وصولها الى الجنوب، جزءاً من ترسانتها المعدة لمحاربة اسرائيل. ومن أجل تحقيق هذه الاهداف، قرر النظام الايراني ازالة العوائق الخارجية التي وضعت في لبنان أثناء مرحلة المعافاة. وهذا ما دفعه الى نسف مقر المارينز الاميركي والسفارة الاميركية في بيروت، ومقر قيادة الوحدة الفرنسية، الامر الذي حقق له ولحليفته سوريا، الهدف الاستراتيجي المثالث القائم على قضم النظام اللبناني المتآكل. وقد حاول رفيق الحريري أثناء وجوده في الحكم، حلحلة هذه الارتباطات، واقامة علاقات ندية مع الدولة اللبنانية. وسافر من أجل هذا الغرض مرتين الى طهران، التي وجدت في مطلبه عائقاً جديداً يستحق الرفض المطلق.
بالمقارنة مع اغتيال الحريري، يذكر التاريخ واقعة رمزية خلاصتها ان نابليون ارسل من يخطف كونت بوربوني الذي كان يعارضه من النمسا، وأمر بقطع رأسه.
ولما دخل عليه تاليران ليستوضح منه حقيقة الخبر، قال له نابليون غاضباً: وأنت ايضاً تعتقد بأنني ارتكبت جريمة؟
وأجابه الداهية تاليران على الفور: يا ليت الامبراطور ارتكب جريمة... لقد اقترف ما هو أعظم. اقترف خطأ سياسياً يصعب محوه!


(كاتب وصحافي لبناني)      

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,843,916

عدد الزوار: 7,769,745

المتواجدون الآن: 0