«الجدّ الأكبر» لحركات الإسلام السياسي أمام منعطف تاريخي

تاريخ الإضافة الأربعاء 24 آب 2011 - 6:02 ص    عدد الزيارات 514    التعليقات 0

        

«الجدّ الأكبر» لحركات الإسلام السياسي أمام منعطف تاريخي
الثلاثاء, 23 أغسطس 2011
حمود حمود *

إذا كانت حركات الانتفاضة التي ما زال يشهدها أكثر من بلد عربي قد أظهرت بوضوح الأحجام الحقيقية لحركات الإسلام السياسي، إلا أنها في الوقت ذاته لم تُضعف مراكز حضورهم وقوتهم، هذا إن لم نقل إنها فتحت آفاقاً جديدة لهم من الصعب الآن حصرها بدقة، فضلاً عن استشراف آفاقها. لكن الشيء الأهم أن حركات الانتفاضة بدأت بإنهاء حقبة إسلام سياسي «تقليدي» لم يستطع على مدى ثمانية عقود إنجاز ما أنجزه أي شارع عربي.

مشهد حركات الإسلام السياسي الآن، وبخاصة في مصر، أنهم ليسوا بالقوة بحيث يستطيع أي فصيل منهم أن يشكل بديلاً سياسياً حقيقياً، وفي المقابل ليسوا في حالة من الضعف بحيث يتم تجاهلهم على الأرض (وهذا ما استطاعت إدارة واشنطن قراءته جيداً). لكن قوة حضورهم (وهم الآن على محك تجربة تاريخية أخرى) لا تترجمهم كقوى سياسية فاعلة، بقدر ما تترجم حالة الارتباك، وإلى حد ما الفوضى التي تسود صفوفهم؛ وهذه النقطة بالضبط لن تشكل حالة قلق على المدى البعيد، إلا أنها من الممكن أن تعرقل أو تؤخر عملية التغيير الديموقراطي.

يتوازى هذا مع توقع كثير من الخبراء، بالنظر إلى التغييرات المحتملة في إعادة رسم حدود القوى الإستراتيجية في المنطقة (وفي شكل محدد نتيجة ما ستسفر عنه الأحداث السورية)، إعادة تموضع للقوى الإسلامية الفاعلة فيها، وهو ما سيشهد بالتالي، وباستلهام من الإسلام التركي السياسي خصوصاً، صعود مرحلة «ما بعد الإسلام السياسي» التقليدي بالتزامن مع «تآكل» قوى إسلامية أخرى:

«حماس» و «حزب الله» تحديداً، كحركتي إسلام سياسي «راديكالي» تتكئان على السلاح، لن تكونا في منأى عن هذا التآكل؛ وإذا كانت «حماس» قد بدأت بالتقاط النبض الجديد الذي بدأت تتحرك به دماء المنطقة، إلا أن «حزب الله» لا يزال مستمراً على نهجه، وهو يوماً بعد يوم يخسر من رصيده الشعبي كما نلاحظ: للمرة الأولى مثلاً نشاهد من شعب دعم المقاومة كما يقال، إحراق صور الزعيم «المقاوم» والأعلام الصفراء.

ولأن المثال الإسلامي الإيراني «الثوري» بقي وسيبقى آخر تجربة تشهدها المنطقة كثورة إسلامية، فإن ما حدث في تونس ومصر، لم يعزز فقط استحالة قيام نموذج إسلامي (أياً كانت مرجعيته)، بل قطع الطريق نهائياً أمام أي محاولة من نوع كهذا: ما حدث وما يحدث الآن من تحركات شعبية «مدنية» أزاح أركان هذه الصورة، وتحطمت في البلاد العربية للمرة الأولى إمكانية من يسعى لقيام دولة دينية. هذه من إحدى هدايا الانتفاضات العربية.

لكن ما أسس تالياً لشبه مفارقة، أن هذه الحركات بدت وكأنها الأقوى من بين من يحاول اقتطاف ثمرة الاحتجاجات (هذا الأمر الذي برر لمراقبين القول إن «الإخوان المسلمين» قد تحولوا من جماعة «محظورة» إلى جماعة «محظوظة»)؛ ومن ثم لتأتي واشنطن وتكمل دراماتيكية هذه المشاهد فتعلن أنها ستدخل في حوار مع الإخوان، الأمر الذي أثار قلقاً وشكّل في الوقت نفسه صفعة أخرى للحركات الديموقراطية والليبرالية؛ فبدلاً من إرساء واشنطن وتقوية الأحزاب والحركات المدنية هذه، فتحت للإسلاميين نوافذ أخرى، ومنحتهم ربما مساحة أكبر من حجمهم. هذه الصورة وإن بدت مخيّبة للآمال، لا تتيح الحكم في شكل نهائي بأن المستقبل الذي ترجوه هذه الحركات قد ابتسم في وجهها إلى الأبد.

من المحتمل أنّ بعضاً من حركات الإسلام السياسي قد بدأ بقراءة ظهور واقع عربي آخذ بالتبلور من جديد، وبالتالي يتحتم عليهم أولاً وقبل كل شيء (كما تنادي بعض الأصوات المنشقة عنهم أو بعض الأصوات الوليدة حديثاً)، إعادة إنتاج لذواتهم (أيديولوجياً، سلوكياً، تنظيمياً...) بما يتناسب والوضع المستجد للمنطقة.

لكن ما هو حظ «الجد الأكبر» لكل حركات الإسلام السياسي في البلاد العربية، أي «الإخوان المسلمين»، من هذا؟ إن حضور الإخوان في ميدان التحرير مع «الأشقاء في الأيديولوجيا»، أي السلفيين (جمعة 29 تموز/يوليو)، وتشديد الأخيرين على إسلامية الشعارات ورفض الدولة المدنية والإصرار على إسلاميتها، يترجم بعضاً من الإجابة.

من الجدير ذكره، أنّ إعادة إنتاج الإسلام السياسي لذاته ستُختبر نجاعتها ومدى تأقلمها مع الواقع الجديد، إذا ما حدث انقلاب جذري ونهائي للأبد على «الأرثوذوكسية» القروسطية التي حالت بين معظم حركات الإسلام السياسي والدخول في عجلة التاريخ. وهذا يمثل أكبر تحدٍّ للإخوان المسلمين على صعيد «الإيديولوجيا العليا» التي تحركهم في العمق من أجل بلوغ ما يصبون إليه: هل في إمكانهم مثلاً الانقلاب على العقائدية «الإحيائية» للبناء والقطع نهائياً مع هيكليته الأيديولوجية والاندماج بالتالي في استحقاقات ما يتطلبه التقدم التاريخي والسياسي، وبخاصة في ظل ما تشهده الآن المجتمعات العربية؟ (دعك من الكلام الإعلامي والشعاراتي المفرغ من مضمونه حول المزج بين الإسلام السياسي والفكر الديموقراطي وحقوق الإنسان والأقليات... الخ). لا أعتقد أن «الإخوان المسلمين» سينجحون في هذا الانقلاب.

بالعكس! بدلاً من أن يستغل الإخوان فرصة ما حققته شعوبهم في مراجعة سلوكياتهم وأيديولوجياتهم، راحوا يؤكدون أنّ الإخوان هم الإخوان، ولن يتغيروا: تحالف مع «الوفد» المصري من أجل خوض الانتخابات المقبلة، تحالفات ضمنية مع الحركات السلفية (كعقل لوجستي مدبر لهم)، ارتباك واضح في خصوص الحضور في الشارع المصري وبخاصة ذاك الذي عاود الانتفاض لاستكمال تحقيق مطالب الثورة، مماحكات مع الليبراليين والعلمانيين في شأن الدستور... الخ. هذه الفوضى بحضور الإسلام السياسي في الشارع المصري في مرحلة ما بعد نجاح الانتفاضة، لا تبشر بأن الإخوان هم في صدد إعادة إنتاج أيديولوجياتهم، هذا فضلاً عن أن نوعاً من هذه المراجعة سيضعهم في صدام مباشر مع الشارع الملتف حولهم من جهة، واستمرار سيطرة الذهنية «الوصولية» على سلوكهم السياسي من جهة أخرى.

فإذا كان الإخوان هم المستفيدين الأوفر حظاً مما أنجزه الشارع المصري من بين كل الأطياف السياسية الأخرى - وهم لم يكونوا وقوداً لإنجاز الشارع -، فإنّ هذا سيضعهم أمام مرحلة اختبار تاريخي لهم؛ كما أن فرص نجاحهم أو عدمها في هذه المرحلة «الدقيقة» هي التي ستحدد ما إذا كان الإخوان قد فهموا حقيقة «الاستحقاق التاريخي» الذي تمر به المنطقة. لكن ما هو واضح إلى الآن، أن هذا الاستحقاق التاريخي لم يُفهم إلا بكونه فرصة «وصولية» أخرى وضعت أمامهم بعد تزعزع خصومهم؛ هذا إضافة الى أنه على رغم حضورهم البارز ومحاولتهم التسلق على منجزات ما حققه الشارع، إلا أن حالة من الفوضى والارتباك تسودهم من حيث الحضور، السلوك، والمواقف؛ ومثال الحالة المصرية لا يزال ماثلاً أمام الأعين.

ربما أثبت الإخوان على مدار تاريخهم أنهم الأقوى من بين كل حركات المعارضة التي شهدها أي بلد عربي، لكنهم وعلى رغم هذا لم يثبتوا أبداً أنهم قد انتصروا، ولو لمرة واحدة، على إرادة التاريخ في التقدم. في كل مرة أو في أي فرصة تلوح في الأفق أمامهم، يثبتون أنّ ما يريدونه لواقعهم، يقف على النقيض من منطق هذا الواقع، يبرهنون بسلوكياتهم وأيديولوجياتهم غير ما تريده إرادة التاريخ. ربما يستطيع الإخوان الانتصار على خصم هنا وحكومة هناك، أو يشكلون تحالفاً مع عسكر هنا وانقلابيين هناك، ربما يستطيعون ملء فراغ سياسي موقت، إلا أنهم لم ولن يستطيعوا الانتصار على التاريخ، إلا في حال واحدة: إذا انتموا إلى هذا التاريخ وشكّلوا جزءاً منه في السير نحو التقدم.

* كاتب سوري

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,849,701

عدد الزوار: 7,769,952

المتواجدون الآن: 0