القذافي من باب العزيزية إلى أين؟

تاريخ الإضافة الأحد 28 آب 2011 - 4:23 ص    عدد الزيارات 501    التعليقات 0

        

القذافي من باب العزيزية إلى أين؟
بقلم سليم نصار – لندن

جاء الى الحكم بقرار اميركي. واستمر في الحكم بقرار سوفياتي. وطرد من الحكم بقرار ليبي – أوروبي – أميركي!  بهذه العبارات يمكن اختصار الحياة السياسية التي عاشها العقيد الليبي معمر القذافي، بدءاً من انقلابه ضد الملك ادريس السنوسي... وانتهاء بهربه من قصر باب العزيزية في طرابلس.

وصف المؤرخون وضع ليبيا الداخلي عقب هزيمة 1967، بالوضع المضطرب المفتوح على كل الاحتمالات بسبب ملك مسن ضعيف يقضي معظم اوقاته في مصر... وتزاحم الدول الكبرى على الفوز بصفقات النفط. وبسبب تأثر الضباط الليبيين بثورة جمال عبد الناصر التي الغت الملكية في مصر، وكذلك نشطت في السر مجموعة ضباط ليبيين اطلقت على نفسها لقب "الضباط الوحدويين الاحرار".
وفي الاول من ايلول عام 1969، اطاحت هذه المجموعة الملك ادريس السنوسي واعلنت قيام النظام الجمهوري.
وبما ان اميركا وبريطانيا كانتا داعمتين لاسرائيل في حرب 1967،  استهل القذافي عهده بطلب ازالة كل القواعد الاجنبية، وخصوصا القواعد العسكرية الاميركية والبريطانية. ولسبب مجهول سارعت واشنطن الى تفكيك قاعدة "هويلس"، اكبر قواعدها خارج البلاد. وقيل في حينه ان الادارة الاميركية كانت متواطئة مع الانقلابيين بهدف ابعاد نفوذ بريطانيا التي احتضنت انصار الملكية وسعت الى انجاح تيارهم السياسي. وكان من الطبيعي ان يوظـــــــف معمـــــر القـــــــذافي الانسحــاب العسكــري الاميـــــركي لكســــــب المزيد من التأييد الشعبي. وكان عبد الناصر اول المعجبين بأدائه، الأمر الذي دفعه الى الترحيب به في القاهرة وتشجيعه بالقول: يا معمر... اني أرى فيك شبابي!
ومثل هذا الإطراء الآتي على لسان مثله الاعلى عبد الناصر، أشعر القذافي بغرور التفوق وانانية التسلط. وقد مارس عنجهيته خلال المرحلة الاولى من الحكم، باقصاء كل الرفاق الذين يعرفون خلفيته الاجتماعية الوضيعة. أي خلفية التلميذ الفقير القادم من منطقة سرت والمدرج على قائمة طلاب مدرسة سبهاـ اكثر بلدات جنوب ليبيا فقراً وتخلفاً. وفي تلك المدرسة سمع التلميذ الخجول الكثير من الحكايات عن البطل الاسطوري عمر المختار، الذي اعدمه الطليان بسبب صلابة مواقفه الوطنية ودعوته الى طردهم. وقد حرص القذافي على تجسيد هذه الاسطورة في الفيلم الذي أخرجه المرحوم مصطفى العقاد. وفي آخر زياراته الرسمية لروما، اصطحب معه حفيد عمر المختار كشهادة على تبرئة ايطاليا من مرحلة الاستعمار.
بعد تثبيت دعائم حكمه الداخلي، زار معمر القذافي باريس بصفة خاصة تلبية لدعوة وجهها اليه بعض الكتاب والسياسيين المتقاعدين من امثال منديس فرانس. واختار الرئيس الليبي في حينه، كاتبا في صحيفة "الموند" يتقن اللغة العربية بسبب نشأته في مصر، وعهد اليه بمهمة علاقاته العامة. وكانت تجربة موفقة بكل المقاييس، لأن الصحافي لقن القذافي كل الاجوبة المحتملة. وهكذا خرج الحضور من قاعة المحاضرات بانطباع مدهش خلاصته ان الزائر القادم من الصحراء سيكون نجم الدول العربية بعد افول نجم عبد الناصر. وهكذا كانت اطلالته على اوروبا بمثابة فتح اعلامي ناجح زادته آبار النفط بريقاً ولمعاناً.
بسبب شغفه بالتغيير المتواصل، حرص القذافي على تحقيق دعوته لإنشاء ما سماه "الولايات العربية المتحدة". وباءت كل محاولاته بالفشل الذريع لأن وحدته الشكلية مع مصر وسوريا وتونس، لم تشرق عليها الشمس. لهذا تحول بعد مدة طويلة الى الاتحاد الافريقي بهدف اقامة "ولايات متحدة افريقية" تكون ليبيا محورها الاساسي.
كان القذافي يدفع ثلث ميزانية الاتحاد الافريقي. وقد اعانه هذا السخاء على تأسيس الاتحاد الافريقي رسمياً، عام 1999 بموجب "اعلان سرت". أي بموجب الاعلان الذي صدر عن قمة جمعت رؤساء دول افريقية في المدينة التي ولد فيها. وجاء في الاعلان ان فكرة الاتحاد مستوحاة من رؤية القذافي لبناء افريقيا موحدة وقوية. وعلى الرغم من اعتراض رفاقه في الحكم، فان الحكومة الليبية استثمرت مليارات الدولارات في اقتصادات الصحراء. وهي تدير عبر شركات قابضة مصالح مالية في 12 دولة افريقية. ومنذ ذلك الحين، اغتبط القذافي بحمل لقب "ملك ملوك افريقيا".
اعترف القذافي امام احد الصحافيين اللبنانيين بأنه صرف ما لا يقل عن مليار دولار ذهبت لجيوب زعماء الاحزاب المتقاتلة من دون ان يستفيد منها بشيء. وكان في حسابه انه سيعزز حضوره السياسي الدائم مثلما فعلت سوريا. ولكن عملية اختفاء الامام موسى الصدر وما رافقها من اشكالات فرضت عليه تناسي البلد الذي وقع في حبه قبل زيارته الرسمية في عهد شارل حلو.
والمؤسف ان ايطاليا دفعت للقذافي ثمن المشاريع والمساعدات التي قدمها لها، من سمعة القضاء المسيّس. وقد تبلغت بيروت معلومات صادرة عن القضاء الايطالي تفيد ان الامام موسى الصدر – الذي زار ليبيا في منتصف 1978 – اختفى مع رفيقيه في روما وليس في ليبيا. واشارت التحقيقات الايطالية أيضاً الى ان الامام والشيخ يعقوب وصلا باكرا الى روما، واستأجرا غرفتين في فندق "هوليداي ان" ودفعا مقدماً الاجرة. لكنهما لم يبقيا سوى عشر دقائق وغادرا على الفور.
واللافت ان ادارة الفندق لم تذكر شيئاً عن الصحافي عباس بدر الدين. ومن المفيد التذكير بأن القذافي ظل مهووساً باحتمال الانتقام لعملية تغيب الامام موسى الصدر، الامر الذي دفعه الى الاحتماء بحارسات مدربات على القتال. لهذا السبب كان اللبناني المسافر الى ليبيا يتعرض لاستجوابات وتحقيقات، حتى لو كان مضيفه سيف الاسلام شخصياً. علماً بأن صاحب النظرية العالمثالثية التي اطلقها لتجاوز الماركسية والرأسمالية، كان يعتمد في غالبية مصادره على لبنانيين. والثابت ان "الكتاب الاخضر" ساهم في تدبيجه اكاديمي لبناني (س. و) كان يعيش في قرية هادئة تقع على الحدود السويسرية. وقد اكتشف الرئيس اللبناني امين الجميل عجز القذافي عن صوغ جملة عربية مفيدة اثناء مؤتمرات القمة التي تجمعهما تحت الترقيم الابجدي لحرف اللام.
بعد اكتشاف الاستخبارات الاميركية ان نصف اموال نفط ليبيا تهدر على 42 منظمة ارهابية في العالم، قررت ادارة الرئيس رونالد ريغان تأديب القذافي. وقد شجعته على اتخاذ هذا الموقف كل من بريطانيا وفرنسا بسبب تعرض امنهما لنزوات الرئيس الليبي. ذلك انه امر بتفجير طائرة "يو – تي – إيه" الفرنسية فوق صحراء النيجر، كما امر بتفجير مرقص "لا بيل" في المانيا. واكتشفت اجهزة الامن في بريطانيا ان تسليح فصائل الجيش الجمهوري الايرلندي كان يتم من طريق ليبيا.
فجر يوم الثلثاء الموافق 15 نيسان 1986، قامت الطائرات الحربية الاميركية بضرب اهداف مدنية وعسكرية في مدينتي طرابلس وبنغازي. ولكن هذه الغارات لم تؤثر على نهج القذافي وحماسته قدر التاثير الذي تركته في نفسه عملية غزو العراق واعدام صدام حسين. ويتذكر معاونوه انه اصيب برعب حقيقي، الامر الذي دفعه الى التنازل عن ترسانته النووية وعن مواقفه المتصلبة، وعن كل ما يعرّضه للانتقاد. وظهر هذا التحول جلياً عندما وصف صدام بـ"الشهيد القديس"، وكان ذلك في ندوة احياء الذكرى الثلاثين لاعلان "سلطة الشعب" التي عقدت في مدينة سبها.
بعد مرور 42 سنة على حكم متقلب، متهور، ساهمت الولايات المتحدة ودول تابعة للاتحاد الاوروبي، في فرض حظر جوي على ليبيا. وصدر قرار مجلس الامن رقم 1973 من اجل منع قوات القذافي من اجتياح بنغازي وقتل المتمردين. ثم اتسعت رقعة الحرب طوال الاشهر الستة الماضية لتنتهي بانتصار الثوار الذين اقتحموا حصن باب العزيزية المنيع. وكان من المتوقع ان يعلن القذافي واولاده الاستسلام الكامل عقب سقوط الحصن الذي يحتمون في داخله. وبدلاً من ان يلجأ الى هذا الخيار ويقبل بالتنحي، امر فلول جيشه المشرذم بمواصلة القتال عبر جيوب متفرقة داخل العاصمة وخارجها.
والسبب، كما حدده نائب رئيس مجلس قيادة الثورة السابق عبد السلام جلود، يكمن في احراج المجلس الوطني الانتقالي. فالمبادرات التي قدمتها جنوب افريقيا والبرازيل، والتي قبل بها القذافي وانما بشروط تعجيزية. وكذلك مبادرة الاتحاد الافريقي التي نقلتها دولة جنوب افريقيا، تعطي حصصاً متساوية تقريباً في حكومة الوحدة الوطنية للطرفين. وكذلك تميزت مبادرة البرازيل بضرورة السماح للقذافي وزوجته واولاده، بالبقاء في طرابلس مع ضمانات امنية ومدنية تمنع عنهم المحاكمات التي تعرّض لها الرئيسان زين العابدين بن علي وحسني مبارك.
ولكن قيادة المجلس الوطني الانتقالي التي تستعد لنقل ثقلها المركزي الى طرابلس، والى قصر باب العزيزية بالذات، رفضت اعادة عقارب الساعة الى الوراء لأن المقاتلين يرفضون الاذعان لأي مطلب يدعو الى اعفاء القذافي من المحاكمة والمحاسبة.
حيال هذا المأزق، تتذكر الدول الغربية ان معمر القذافي استطاع ان يسيطر على مجتمع قبلي ممزق طوال 42 سنة... وان يبعد نفوذ "القاعدة" عن بلاده. ولكنه حالياً مضطر للتقرب من حكيم الحسيدي، زعيم "المجاهدين الليبيين" الذين حاربوا في العراق وافغانستان تحت مظلة "مجموعة القتال الليبي – الاسلامي" (آي. اف. جي). ولهذه المجموعة تاريخ طويل في النشاط المضاد للقذافي ونظامه. وهي بالتأكيد الافضل تنظيماً والأقوى تسلحاً من سائر الفرق المقاتلة. هل تكون هزيمة القذافي سبباً لانضمامها الى صفوف الرئيس السابق... وهل تسقط المحظورات التي اقامها نظام "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" امام اغراءات السلامة مع التهديد بالانفصال.
يؤكد موسى كوسا، الذي عمل رئيساً لجهاز الاستخبارات في عهد القذافي، ان تمنيات الحسيدي والقذافي، لن تتحقق لأن وزير العدل السابق مصطفى عبد الجليل هو اليوم رئيس المجلس الوطني الانتقالي.
سليم نصار في اجازة،
ويستأنف الكتابة بعد شهر.
 


(كاتب وصحافي لبناني)      

 

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,854,997

عدد الزوار: 7,770,224

المتواجدون الآن: 0