عصام العريان

تاريخ الإضافة السبت 23 أيار 2009 - 6:47 ص    عدد الزيارات 748    التعليقات 0

        

قد يكون من المبكر الحديث عن آثار نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية الأخيرة (16/5/2009) إلا أن الإعلام ركّز على أمور عدة نُفضل الحديث عنها سريعاً على أمل العودة إليها بمزيد من الدراسات المتعمقة.

أهم هذه النتائج هي:

أولاً: تراجع الإسلاميين عموماً إذ حصلوا على 11 مقعداً عوضاً عن 21 كانوا يشغلونها في المجلس السابق، وتراجعت الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) التي تعبر عن فكر ومدرسة «الإخوان المسلمين» من ثلاثة مقاعد إلى مقعد واحد فاز به النائب جمعان الحربش، وامتنع ناصر الصانع عن خوض الانتخابات هو الذي ظل يشغل مقعده النيابي لثلاث دورات تقريباً، وبذلك يستمر تراجع «حدس» من ستة مقاعد إلى ثلاثة مقاعد إلى مقعد واحد خلال ثلاث دورات أو انتخابات.

وكذلك التيار السلفي المنظم تراجعت مقاعده من أربعة إلى مقعدين اثنين يشغل أحدهما وليد الطبطبائي.

وكان التراجع الأبرز للإسلاميين المستقلين الذين فقدوا نصف مقاعدهم، وهنا يجدر التنويه بعدم دخول نواب جدد من «حدس» و «التجمع السلفي» بينما حدث تبديل وتغيير في مقاعد المستقلين.

ثانياً: الفوز الكبير في المحاولة الثالثة لأربع نساء مرة واحدة وفي مواقع متقدمة، وهذا يعكس تغيراً كبيراً في المزاج الانتخابي العام لمجتمع محافظ ويحمل رسالة قوية إلى الأطراف المعنية بتمكين المرأة من المؤيدين وكذلك المعارضين أهمها:

رسالة إلى المترددين من الإسلاميين بالنسبة إلى الحقوق السياسية الكاملة للمرأة والتي طالما أعلن بعض الإسلاميين المجتهدين والمجددين أن حقوق المرأة لا يوجد نص شرعي قاطع يقلصها أو يمنعها، ولكن توجد اجتهادات فقهية محل حوار وجدل علمي، وهي نابعة من ظروف المجتمعات وتطورها الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ثالثاً: التقدم الكبير للشيعة، وإن كنت لا أحب التصنيف الطائفي أو المذهبي في بلد لا يخضع لنظام طائفي مثل لبنان أو إيران مثلاً.

حقق الشيعة تسعة مقاعد بزيادة أربعة عن البرلمان السابق الذي شغلوا فيه خمسة مقاعد. ولا يخفى أن ذلك جاء بعد شحن مذهبي وإعلامي خلال الفترة السابقة على الانتخابات إثر قضيتين شهيرتين شغلتا الرأي العام، بالتحقيق مع نائبين حضرا حفلة تأبين للشهيد عماد مغنية القائد العسكري لحزب الله في لبنان ومهندس عمليات الحزب العسكرية في تحرير الجنوب عام 2000 ثم حرب الـ 33 يوماً في 2006، وكان سبق اتهامه بخطف طائرة في الكويت واتهم بانتهاك الأمن القومي الكويتي.

والثانية شهدت استجواباً مثيراً لأحد الوزراء بسبب السماح لرجل دين شيعي إيراني بالدخول إلى الكويت وإلقاء محاضرات في منتديات شيعية وهو متهم بسب الصحابة، ما أزّم الموقف بين الحكومة والمجلس في إطار استجوابات التأزيم التي انتهت بحل المجلس قبل انتهاء مدته الدستورية بعد عام واحد من انتخابه. ويذكر أن من يعرفون بـ «نواب التأزيم» نجحوا جميعاً.

هل هذا التقدم الكبير في حصة المقاعد الشيعية كان رد فعل لإحساس الكويتيين من الشيعة أنهم باتوا يعاملون كطائفة وليس كمواطنين فتكتلوا خلف مرشحين من المذهب للرد على الشحن المذهبي الذي واكب القضيتين؟

وهل يدرك الإسلاميون الذين أسهموا في تأجيج المسألة من دون تبصر بعواقب الأمور خطورة الفرز بين المواطنين على أساس مذهبي أو ديني، خصوصاً في الأمور السياسية التي تتعلق بالمصالح والمفاسد وليس بالكفر والإيمان أو الحلال والحرام؟

على الجميع أن يدرك طبيعة المجال السياسي أياً كانت أدواته: سلمية أم عنيفة، ليتعلم أين يضع أقدامه: هل على أرض ثابتة أم على رمال متحركة؟

رابعاً: لاحظت تقارير إعلامية تقدم الليبراليين، وليست هناك تفاصيل يمكن الركون إليها للبحث في دلالات وآثار ذلك التقدم.

إلا أنه يمكن الربط بين فوز المرأة الكبير والتقدم الليبرالي، وأن ذلك يدل على تغير في المزاج الانتخابي للمواطن الكويتي وإحساسه بعجز الإسلاميين عن ممارسة سياسية ناضجة في برلمان كانت لهم فيه أغلبية مريحة ومع ذلك شهد تأزماً واضحاً في العلاقة مع الحكومة ولم يعمر إلا سنة واحدة، وشهد مساجلات بعيدة من اهتمام المواطن العادي، وفي ظل الخلافات والمساجلات تأخرت التنمية الاقتصادية والاجتماعية بل توقفت رغم الأزمة الاقتصادية الحادة والاحتقان الشديد الذي تشهده منطقة الخليج التي تعاني من أزمة مكتومة بين إيران وأميركا، وأخرى في العراق بعد إعادة انتشار القوات المحتلة، وثالثة في فلسطين ورابعة في اليمن.. الخ.

هل تقدم الليبراليون والمرأة جاء على حساب الإسلاميين؟

إذا كان ذلك صحيحاً علمياً فإنه يعطي ضمانة قوية لكل من يتساءل عن مدى التزام الإسلاميين العملية الديموقراطية، ويتساءل ويشكك في إمكان إزاحة الإسلاميين من البرلمان أو الحكومة إذا حازوا أغلبية كبيرة أو ساحقة، وهل يمكن لهم الانقلاب على الديموقراطية.

الضمانة هنا هي نضج الشعب السياسي والفكري، ووجود آليات ديموقراطية حقيقية أهمها انتخابات دورية نزيهة وحرة، ووجود دستور توافقي مستقر ومحترم من الأطياف السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة. وكذلك وجود مؤسسات دستورية أخرى توازن البرلمان مثل هيئة قضائية مستقلة وقوية، وجيش قوي وطني، ومجتمع أهلي ومدني حيّ وفعّال، ورجال اقتصاد وأعمال لهم مصالح متوازنة، ومفكرون أحرار من الاتجاهات كافة، وأعلام حر ونزيه... الخ.

السؤال الذي يجب البحث فيه بين الإسلاميين بالذات هو:

لماذا تراجع الإسلاميون من الاتجاهات كافة؟ ولماذا ازداد تراجع الإسلاميين المنتظمين في تجمعات مُسيّسة؟ ولماذا تراجع «الإخوان المسلمون» إلى الحد الذي فقدوا فيه خمسة مقاعد خلال سنوات قليلة؟

الإجابات كثيرة ومتعددة، والنظريات كثيرة ومتعددة:

قد يكون ذلك لعدم إحساس الإسلاميين بجدوى المشاركة السياسية في نظم لا تسمح بالوصول إلى الحد الأقصى في المشاركة وهو إدارة الحكم وفق برامج سياسية. وعدم وضوح الهدف من المشاركة السياسية في ظل تلك الظروف المقيدة للحريات والتي تضع سقفاً محدوداً للمشاركة وغالباً ما تصل إلى طريق مسدود.

وقد يكون ذلك بسبب ارتباك في صفوف الإسلاميين حول استراتيجية العمل البرلماني وأولوياته، في ظل غياب استراتيجية أشمل للعمل السياسي تتضمن خريطة طريق واضحة للإصلاح التدريجي، وصولاً إلى التغيير الواسع، أملاً في بناء نهضة إسلامية وطنية شاملة تخرج البلاد العربية والإسلامية من مأزقها الحضاري وتعيد استمرار العطاء الإنساني للمسلمين في العالم كله.

وقد يكون في استخدام خطاب إرشادي وعظي في المكان الخطأ الذي ليس معداً لذلك بل يحتاج إلى خطاب مختلف، وقد يكون السبب هو سوء اختيار للمرشحين لموقع النيابة عن الأمة، وإعطاء عوامل ترجيحية درجات أعلى من قيمتها مثل الشعبية أو المكانة الاجتماعية أو القبلية أو المال... الخ

وقد يكون في عدم تبني هموم المواطن العادية والاستمرار في سقف المطالبة العالية، من دون النظر إلى أهمية الإنجازات البسيطة القصيرة المدى التي تحقق للنائب مزيداً من التفاف الناس حوله، خصوصاً في دائرته الانتخابية.

وقد يكون في الجمود على آراء فقهية كانت نتيجة وإفرازاً لزمان صدورها، وعدم القدرة على التجديد والاجتهاد لمواجهة مطالب المرحلة الحالية، وعدم التمييز بين ما هو ثوابت الشريعة القطعية التي لا يمكن تغييرها وبين ما هو من الأمور الظنية الاجتهادية التي تتغير الفتوى فيها بتغير الزمان والمكان، وبذلك تتغير المواقف السياسية بناءً على المصالح المعتبرة والمصالح المرسلة وسد الذرائع ومنع المفاسد واحتمال الضرر الأصغر درءاً لضرر أكبر وارتكاب أخف الضررين... الخ من القواعد الفقهية الكلية التي درسناها في كلية الشريعة في الأزهر ولكنها لا تجد مجالاً للتطبيق في الحياة العامة.

* قيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» – مصر.

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,997,823

عدد الزوار: 7,654,721

المتواجدون الآن: 0