القدس في مهب التهويد ... والأقصى يفقد واجهته:

رام الله ـ
امجد سمحان
استغلت إسرائيل التجاهل الأميركي لقرارها إحياء خطة بناء 1600 وحدة استيطانية حي «رامات شلومو» في القدس الشرقية الأسبوع الماضي، فقررت المضي قدماً في سياستها الاستيطانية وحملتها التهويدية في المدينة المحتلة، حيث أصدرت، أمس، أمراً يفرض على أهالي حي البستان هدم منازلهم على نفقتهم الشخصية لإقامة مشروع استيطاني في بلدة سلوان في الشطر الشرقي من القدس، في وقت شرعت طواقمها في عمليات تجريف واسعة لإقامة حي استيطاني جديد على أراضي بلدتي شعفاط وبيت حنينا في خطة تهدف إلى بناء 600 وحدة سكنية جديدة.
في هذه الأثناء، وبعد مصادقة المحكمة العليا الإسرائيلية على قرار إبعاد أربعة نواب من حركة حماس عن مدينتهم، أعلنت أجهزة الأمن الإسرائيلية أنها اعتقلت «خلايا تخريبية» نفذت «عمليات إرهابية» ضد الجيش والمستوطنين، علماً بأنّ غالبية هؤلاء «المخرّبين» هم من الفتية الفلسطينيين الذين تقل اعمارهم عن 18 سنة الذين يتصدون لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه المستمرة على منازلهم.
وأعلنت بلدية الاحتلال في القدس البدء بتنفيذ خطة لبناء حديقة يهودية جديدة في حي البستان في بلدة سلوان في الشطر الشرقي من المدينة، وهو ما يتطلب هدم 22 منزلا عربيا. وأوضحت البلدية أنّ لجنة التخطيط والبناء التابعة لها صادقت على مشروع «غان حاميليش» (حديقة الملك)، وهو الاسم العبري لمنطقة حي البستان. وفرضت البلدية على أهالي حي البستان هدم منازلهم بأنفسهم، تحت طائلة التعرض لعقوبات تتراوح بين الغرامة والسجن.
يُذكر أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد طلب من رئيس بلدية القدس نير بركات تجميد المشروع لتجنب تأجيج التوتر بين تل أبيب وواشنطن، خاصة بعد الأزمة التي أثارها الإعلان عن بناء 1600 وحدة استيطانية في حي «رامات شلومو» في القدس الشرقية خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل. ويوم الثلاثاء الماضي قررت إسرائيل إعادة إحياء مشروع «رامات شلومو»، مستفيدة من التحسن الذي طرأ في علاقاتها مع واشنطن، والذي ترجم الى دعوة تلقاها نتنياهو للقاء الرئيس باراك أوباما في السادس من تموز المقبل.
وفي أول تعليق أميركي على خطة الهدم، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي: «نعتقد أن هذا النوع من الخطوات يقوض الثقة التي تعد أساسية في تحقيق التقدم في المحادثات غير المباشرة والمفاوضات المباشرة التي يمكن أن تجري لاحقا». وأضاف: «نحن قلقون بشأن هذا. وقد اجرينا العديد من المحادثات مع الحكومة الاسرائيلية حول ذلك».
وقال مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر لـ «السفير» إن «اللجنة اللوائية في بلدية الاحتلال في القدس لجأت إلى مادة قانونية تقضي بمحاكمة الحجارة بدلا من الإنسان في حي البستان»، معتبراً أن القرار الإسرائيلي «يسأل بيوت المقدسيين في حي سلوان لماذا أنت هنا؟ انك في المكان الخاطئ وعليك أن تزيلي نفسك، وأن تدفعي التكاليف». وأضاف ان إسرائيل بهذه الخطوة أكدت على قرار سابق يقضي بأن «الأرض التي يقع عليها حي البستان هي أراض إسرائيلية يجب إخلاؤها، ما يعني أن السكان هناك سيضطرون إلى هدم منازلهم بأيديهم وتنظيف الأرض وتسليمها للبلدية».
وأوضح عبد القادر أنّ خطر الهدم يتهدد كل منازل الفلسطينيين في حي البستان، ولا يقتصر على 22 منزلاً كما تزعم بلدية الاحتلال. وأضاف أن 1500 فلسطيني الآن معرضون للتشريد في أي لحظة تقدم فيها إسرائيل على هدم بيوتهم. وأشار إلى أنّ «إسرائيل ستمنح أهالي المنازل المهددة فترة قد تصل إلى شهر ليقوموا بهدم منازلهم بأنفسهم، وعلى نفقتهم الشخصية، لكنهم بالطبع سيرفضون القرار، وستأتي البلدية لاحقا لهدم بيوتهم بجرافاتها قبل أن ترسل لهم فواتير التكاليف. وفي حال لم يدفعوا قيمة هذه التكاليف، فإنهم سيسجنون أو ستصادر ممتلكاتهم الأخرى بحجة أنهم مدينون للحكومة الإسرائيلية».
وبيّن المسؤول الفلسطيني أن لا حل قانونيا لمعضلة حي البستان بعدما رفضت إسرائيل كل الحلول والمخططات الهيكلية المقدمة من لجان الدفاع عن الحي، في ظل الرفض المتوقع من قبل المحكمة العليا لأي التماسات قد تقدم لوقف قرارات الهدم، مشدداً على أن الحل الوحيد لهذه القضية يأتي ضمن قرار سياسي من الولايات المتحدة.
بدوره، أوضح رئيس لجنة الدفاع عن حي البستان فخري أبو دياب لـ«السفير» أنّ «جميع منازل الحي الثمانية والثمانين بسكانها الألف والخمسمئة، مهددة، وليس فقط المنازل الاثنين والعشرين التي ستتم إزالتها في المرحلة الأولى». وأضاف أبو دياب انّ «حديقة الملك»، التي تنوي إسرائيل اقامتها على أنقاض الحي، ستكون «واجهة للهيكل الذي سيتم بناؤه على أنقاض المسجد الأقصى، وواجهة لمدينة داود التي ستقام بدلا من بلدة سلوان».
من جهته، قال خبير التخطيط الفلسطيني يوسف جبارين، وهو أحد المهندسين الذين قدموا مخططا هيكليا للبلدية الإسرائيلية في محاولة أخيرة لمنع قرار الهدم، إنّ «إسرائيل تريد أن تعيد عهد التوراة إلى القدس من خلال بناء حديقة وأنهار وقنوات مياه في المكان الذي تدعي أن الملك داود كان يأكل التين فيه قبل 3000 سنة».
600 وحدة استيطانية
في غضون ذلك، شرعت الجرافات الإسرائيلية، منذ صباح أمس، بأعمال تجريف بين مستوطنتي «بزغات زئيف» و«النبي يعقوب» في مدينة القدس تمهيدا لإقامة حي استيطاني جديد. وقال عبد القادر: «شاهدت الجرافات بأم عيني وهي تجرف مئات الدونمات الواقعة بين المستوطنتين بهدف ايجاد تواصل بينهما». وأضاف: «لقد تمت مصادرة مئات الدونمات من أراضي شعفاط وبيت حنينا لهذا المشروع الذي يهدف إلى بناء 600 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية».
«خلايا تخريبية»
من جهة ثانية، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن أجهزة الأمن التابعة للاحتلال اعتقلت خلال الشهرين الماضيين 15 من سكان شرقي القدس للاشتباه في انتمائهم إلى ثلاث خلايا وصفتها بـ«التخريبية» كانت تنشط في القدس وخاصة في سلوان، مضيفة أن الشرطة تشتبه في أن هؤلاء «ارتكبوا سلسلة عمليات إطلاق نار تخريبية واعتداءات على أفراد من الشرطة ومدنيين إسرائيليين».
وتعليقاً على هذه المعلومات، قال مدير «مركز معلومات وادي حلوة» في سلوان، جواد صيام، إن الذين تتحدث عنهم إسرائيل هم مجرد «مواطنين كانوا يتصدون لحملات الجيش والمستوطنين الأخيرة ضد المنازل والسكان في بلدة سلوان». وأضاف «هم يتحدثون عن اعتقال 15 شخصا في الفترة الأخيرة، وأنا أقول انه جرى اعتقال أكثر من 60 مواطنا مقدسيا غالبيتهم دون سن الثامنة عشرة، كانوا يتصدون لمحاولات الاعتداء المتواصلة على منازل وممتلكات المواطنين في إحياء حلوة، والثوري، والعباسية، والبستان».