المطلوب مشروع أوروبي لسلام عادل في الشرق الأوسط

تاريخ الإضافة الإثنين 27 كانون الأول 2010 - 10:30 ص    عدد الزيارات 752    التعليقات 0

        

المطلوب مشروع أوروبي لسلام عادل في الشرق الأوسط

 المحامي / لؤي زهيرالمدهون*

Loayzohir@gmail.com

        بعد فشل الإدارة الأمريكية في الضغط على حكومة نتنياهو بضرورة تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتعثرة منذ سنوات؛ وإبلاغها القيادة الفلسطينية بهذا الفشل، وتحميل المجتمع الدولي الحكومة الإسرائيلية المسئولية كاملة عن فشل الخطة الأمريكية، تكون الإدارة الأمريكية قد تخلت تماما عن وساطتها لتحقيق سلام عادل وشامل في منطقة الشرق الأوسط برمته، وخاصة وأن النزاع في المنطقة لم يقتصر على كونه نزاع إسرائيلي فلسطيني فقط بل امتد ليشمل اغلب الدول المحيطة بإٍسرائيل ودولا أخرى كإيران وأخيرا تركيا عقب مجزرة سفينة مرمره التضامنية مع غزة، وتعديل الوثيقة الأهم بتركيا المسمى بالكتاب الأحمر التي أشارت بصيغتها الجديدة بعد التعديل إلى السلاح النووي الإسرائيلي بوصفه تهديدا حقيقيا للأمن القومي التركي وللمنطقة بأٍسرها؛ وإخراجها كلا من روسيا وسوريا وإيران واليونان والعراق من خانة العدو ووضع روسيا وسوريا في مرتبة الدول التي تجمعها بتركيا تعاون وثيق.

        لم يأتي إعلان الإدارة الأمريكية بفشلها في الضغط على الحكومة الإسرائيلية بغتة، ودونما حسابات سياسية ، كما يعتقد البعض، فهذا الإعلان جاء بفعل التقاء عدة عوامل رئيسية ، تنحصر في مطابقة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مع السياسة الإسرائيلية وتوافقها؛ وتزايد نفوذ اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأمريكي، وعجز الدبلوماسية العربية، فإذا نظرنا للعامل الأول وهو مطابقة السياسة الأمريكية مع السياسة الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط لوجدنا آليات ووسائل الإرضاء الأمريكي للوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الوعودات السخية للحكومة الإسرائيلية من خلال تقديم كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي لها ، حيث التطابق في وجهات النظر لم تعد مستترة عن الأعين وخاصة وان الإدارة الامريكة لم تتوانى في توفير الدعم العسكري لدولة الاحتلال مقابل تجميد الاستيطان لشهر أو شهرين، واستجابتها لدولة الاحتلال في نوعية الأسلحة المصدرة للملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية بأن تكون أسلحة غير متطورة وتعمل وفق الأنظمة القديمة.

        إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتلاقى بل تتطابق مع السياسة الإسرائيلية لدرجة لم تعد هناك إمكانية للتفريق بين مطالب واشنطن ومطالب تل أبيب من العرب والفلسطينيين وقد تفاقم هذا التطابق كما لم يحصل في أي وقت مضى؛ فالإدارة الأمريكية في إعلانها عن فشلها تكون قد منحت ترخيصا وشرعية جديدة ومتجددة لنتنياهو وحكومته بمواصلة الهجوم الاستيطاني ألتهويدي الكاسح على الضفة الغربية ومدينة القدس من اجل إقامة المزيد من حقائق الأمر الواقع على الأرض حتى تغدوا مسألة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مستحيلة، وعلينا ألا ننسى بأن هذه الإدارة بزعامة بوش الابن كانت قد صادقت على قرار الكونغرس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ متجاهلة دورها كوسيط وراعي للسلام في منطقة الشرق الأوسط متنكرة لكافة قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي،  وفي تناقض كبير فيما تطرحه هذه الإدارة بأن السلام لن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية وهنا أتساءل على أي أساس وأي حدود تريدها هذه الإدارة للدولة الفلسطينية هل هي حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية؛ أو الحدود التي رسمتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمتمثلة بحدود الجدار العازل ووفقا لما حملته رسالة ضمانات بوش الابن لشارون ؟!! .

        إن تأثير اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية لم يعد يقتصر على وسائل الإعلام، والاقتصاد وتأثيره على السياسات الأمريكية بحسب؛ بل امتد تأثيره ليطول أهم سلطة في الولايات المتحدة الأمريكية والمتمثلة بالكونغرس؛ وذلك بفعل تسخيره لكل الإمكانيات والسلطات التي هيمن عليها بالمال والنفوذ مستغلا سلطته على وسائل الإعلام والمال في الولايات المتحدة الأمريكية وتجنيدها وتسخيرها في شراء الذمم، إضافة إلى تسخيره لمراكز الدراسات والبحوث المختصة بالشرق الأوسط والصراع القائم والمضللة بنتائجها من خلال استطلاعات الرأي المزورة والمسوقة لخدمة المشروع الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط.

        إن فشل الدبلوماسية العربية، بالضغط على المجتمع الدولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران؛ وفشلها في وجود أيا من الخيارات الأخرى سواء كانت دبلوماسية أو اقتصادية أو عسكرية أو أيا من الخيارات التي من شأنها أن تشكل ورقة ضغط على حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية من أجل انجاز إعلان الدولة الفلسطينية بالمفاوضات وفقا لما يريده المجتمع الدولي، وافتقارها أيضا إلى العمل المنهجي والمنظم وطويل النفس؛ جعل الإدارة الأمريكية لم تعر لهم أي اهتمام، فالمنظومة العربية كانت أكثر سلبية تجاه القضية الفلسطينية، بل في أغلب الأحيان كانت بمثابة عنصر ضغط على القيادة الفلسطينية في اتجاه التفاوض مع حكومة الاحتلال وبلا مرجعيات تفاوضية، وأن موقفها المتشدد في حالة فشل المفاوضات هو التهديد باللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن من اجل انتزاع قرار أممي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، متناسية الفيتو الأمريكي على الأقل .

        إن الدبلوماسية العربية والفلسطينية لا تعيش إلا في اللحظة الراهنة أو الآنية وهي تبدو كأنها تعتقد أن مجرد تأجيل الموضوع يعتبر حلاً له أو كسباً كافياً، بانتظار أن تطرح المسألة من جديد بعد فترة قد تطول أو تقصر، فهي ترتكز على التأجيل في ردها على إجراءات وخطط الحكومة الإسرائيلية بالبناء في الأراضي الفلسطينية، وليس الوقف التام للإجراءات والأفعال بالاستناد إلى أن هذه هي أراض فلسطينية وأن المفاوضات تجري حول انسحاب الاحتلال من هذه الأراضي تمهيدا للإعلان عن الدولة الفلسطينية، في حين أن الجانب الإسرائيلي يطالب ويتمادى في مطالبه الغير قانونية بتجميده الاستيطان لمدة ثلاث أشهر مقابل دعم أمريكي سخي ومطالبته المجتمع الدولي الضغط على الجانب الفلسطيني بأن يعترف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وربط هذا الاعتراف بقضية اللاجئين، مما يعني أنه يريد أن يتنازل الفلسطينيون عن حق عودة اللاجئين أيضا مقابل تجميد الاستيطان، وللأسف نرى بأن الدبلوماسية العربية انجرت وراء هذا الحديث المسخ ودخلت في الموضوع كعنصر ضاغط على القيادة الفلسطينية للقبول بذلك استجابة للمطالب الأمريكية الإسرائيلية .

        إن بقاء الدبلوماسية العربية مكبلة خلال السنين الطويلة الماضية وعدم محاولتها ولو للحظة واحدة تجاوز تشتتها وضياع رؤيتها وانقسامها من أجل التفاهم حول إستراتيجية طويلة المدى للتأثير على الكونغرس والرأي العام الأمريكي ، واكتفاؤها فقط برد الفعل الوقتي واللفظي على الهجمات الدبلوماسية القوية والمركزة للوبي الإسرائيلي في الكونغرس وخارجه من الأروقة الأمريكية والدولية، لهو سبب رئيس لان تتجرأ الإدارة الأمريكية في أن تعلن فشلها في الضغط على الحكومة الإسرائيلية في تجميد الاستيطان؛ في خطوة كثير داعمة للرؤى الإسرائيلية بإخراج موضوع الاستيطان من أي مرحلة من مراحل التفاوض، وصد كافة الذرائع الفلسطينية بعدم استئناف المفاوضات في حالة ما استمر الاستيطان.

        بعد إعلان الإدارة الأمريكية لفشلها وانتهاجها نهجا يتوافق مع ما تطرحه حكومة الاحتلال ووفقا لرؤيتها، هل ستبقى الدول العظمى تتعامل مع حالة النزاع العربي الإسرائيلي بازدواجية المعايير والكيل بمكيالين؟.

        إن الانعطاف الكبير في العلاقات الألمانية الإسرائيلية، والذي عبرت عنه رسالة المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" لرئيس الحكومة الإسرائيلية والتي  تقول فيها "إنه في حالة العجز عن التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال سنة، فإن ألمانيا وبقية دول أوروبا ستؤيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن بلا تنسيق مع إسرائيل" ، وخيبة الأمل الأوروبية الكبيرة جدا من إسرائيل بعد العجز عن التوصل لاتفاق لتجميد المستوطنات، والتي عبر عنها البيان الصادر عن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي والمرحب به فلسطينيا، والذي نرى بهم صفعة جديدة في وجه الحكومة الإسرائيلية التي أرادت تحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن فشل جهود التوصل إلى سلام شامل ودائم رغم معرفة الجميع بأن منظمة التحرير أنجزت التزاماتها الواردة وفق الاتفاقيات الموقعة؛ لهو مؤشر قوي لأن يكون للاتحاد الأوربي دورا هاما يبرز من خلال مشروع أوروبي لسلام عادل في منطقة الشرق الأوسط كبديل عن المشروع الأمريكي يحمل في طياته رؤى منصفة وعادلة بالنسبة للفلسطينيين الطرف الأضعف في محادثات السلام، يهدف إلى تهيئة الأجواء لبدء مفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يقوم على توازن القوى؛ كون أي مفاوضات يجب أن تنطلق وفق مرجعيات العملية التفاوضية وقرارات الشرعية الدولية واستنادا إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وقواعد السياسة الدولية؛ وتحقيق نوع من التوازن بين القوى المتنازعة لكي تكون النتيجة عادلة ومرضية للطرفين، وهو ما لم يحدث في أي مفاوضات جرت بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل الوساطة والرعاية الأمريكية لعملية السلام في الشرق الأوسط، وأن أفضل طريقة لضمان تحقيق التوازن هي فرض العقوبات الحقيقية على الإسرائيليين؛  ما داموا يرفضون مثل هذه الحلول الضامنة للعدل .

        اعتدنا في العرف الدولي أن تقوم الدول المتحاربة التي تجنح إلى التفاوض على حل المشاكل الإنسانية أولا، ثم الانتقال إلى حل المشاكل السياسية الأخرى، لكي تجنب المدنيين المعاناة وتخفف عنهم وطأة الحرب وأهوالها؛ إلا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وأخرها الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو لم تتحمل تبعات حربها ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، بل بالعكس فإن الأمم المتحدة والدول الأوروبية هي من تقوم نيابة عنها بإصلاح ما أفسدته.

        وهنا أتساءل ما هو الدافع إذن لإسرائيل للجلوس إلى طاولة المفاوضات وهي لا تتورع عن استخدام القوة الغير مبررة ولا تتحمل تبعات حربها ضد الفلسطينيين؟      

        أن وجود شريك أوربي قوي يعمل على تحقيق السلام العادل القائم على التوازن بين القوى المتنازعة يدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية هو الدافع الحقيقي للضغط على الحكومة الإسرائيلية لكي تجلس على طاول المفاوضات، وخاصة وان الشريك القوي سيكون قادر على على إلزام إسرائيل  بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية فيما يخص القضية الفلسطينية وحل النزاع القائم؛ والضغط عليها لدفع التعويضات اللازمة للفلسطينيين وخاصة وأن إسرائيل تفهم وتعي ذلك جيدا حيث أنها مارست هذا الحق وطبقته عمليا بتلقيها من ألمانيا مليارات الدولارات.

        بتقديري إضافة إلى توقيع العقوبات على إسرائيل كنوع من أنواع الضغط القانوني؛ أرى بأن دول الاتحاد الأوروبي قادرة في حالة انتزاعها دور الوسيط في منطقة الشرق الأوسط أن تتبنى موقفا ضاغطا على حكومة الاحتلال بدفعها تعويضا للفلسطينيين عن الاحتلال واستخدام الموارد الطبيعية الفلسطينية من المياه والأراضي والزراعة وما شابه ذلك، وذلك طبقا لما تقرره المجموعة الدولية للاقتصاديين وخاصة وأنهم بعيدين عن السيطرة الأمريكية والإسرائيلية ويتمتعون بالنزاهة التي تؤهلهم لذلك، والعمل على تشكيل لجنة اقتصادية دولية تعمل على تمويل التعويض الإسرائيلي للفلسطينيين، وذلك بوضع رسوم جمركية على البضائع الإسرائيلية المستوردة، وخاصة وأن صادرات إٍسرائيل لأوروبا تقدر بعشرات المليارات؛ هو أمر ليس بالبسيط بل من الصعب أن توافق عليه إسرائيل ولكن المطلوب هو حمل إسرائيل على الموافقة من خلال إيجاد آلية عملية وقانونية.

        هذا يجعلنا نقول عدم جدية المفاوضات في الوقت الحالي مع هذه الحكومة اليمينية المتطرفة في ظل غياب الوساطة الأوروبية ، وأرى الحل في الإبقاء على تجميد المفاوضات وعدم الانصياع للضغوطات أيا كان مصدرها إلى أن يحدث العالم نوعا من التوازن القوي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كي يحقق السلام بشكل عادل.

        إن طموحنا يرمي إلى خلق مناخ سياسي في المستوى المطلوب تحدثه المفاوضات والوساطات الدولية العادلة حلا للقضية الفلسطينية؛ وإن كان في الظرف الراهن استحالة العودة إلى طاولة المفاوضات لعكسه الفارق الكبير في القوة بين الطرفين، وإن كنا نؤكد هنا أن أي حل قائم على الضغط والقوة سيجد مقاومة ولو بعد حين وهذا ما أثبتته الخبرة الإنسانية.

عضو اللجنة الوطنية – حزب فدا

 

--

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,414,558

عدد الزوار: 7,756,531

المتواجدون الآن: 0