ما هي العلاقة بين ولادة دولة مسيحية في السودان وتفجير كنيسة الأقباط في الاسكندرية ؟

تاريخ الإضافة الأحد 9 كانون الثاني 2011 - 5:23 ص    عدد الزيارات 561    التعليقات 0

        

ما هي العلاقة بين ولادة دولة مسيحية في السودان وتفجير كنيسة الأقباط في الاسكندرية ؟
بقلم سليم نصار

في كتابه "خريف الغضب" يشير محمد حسنين هيكل، الى خلاف الرئيس انور السادات مع البابا شنوده بسبب تطبيع العلاقات مع اسرائيل.
ورأى السادات في حينه، ان وثيقة الصلح مع اسرائيل، ستشجع جماهير الشعب المصري على زيارة الاماكن المقدسة. وتوقع من الاقباط ان يستأنفوا رحلاتهم للمواقع التاريخية المسيحية في فلسطين التي توقفت بعد حرب 1967. ولكنه فوجىء برفض اقتراحه من قبل البابا شنودة الذي شرح له موقفه بالقول: “انا لا ارى الوقت مناسبا لاستئناف سفر الحجاج الاقباط الى القدس. كما لا اريد ان يكون اقباط مصر هم خونة الامة العربية".
وكان من الطبيعي ان يغضب السادات من الموقف السلبي الذي واجه به البابا شنودة اقتراحه. لذلك عاقبه بالمضايقة والمقاطعة والعزل. كذلك عاقبته الصحف باعتباره اتخذ موقفا مناقضا لنهج الدولة وتوجهاتها. وقد اضطرته ضغوط الحملات الاعلامية الى الاستعانة بالماضي لتبرير تصلبه حيال المعتقدات الدينية اليهودية.
واعترض في الوقت ذاته، على محاولة تسييس موقفه لجني مكاسب داخلية تظهر السادات بمظهر الرئيس القادر على تنفيذ ما وعد به زعماء اسرائيل.
يوم السبت الماضي اعاد الاعلام الاجنبي وقائع تلك المرحلة الحرجة، مستغلا الهجوم الانتحاري الذي استهدف "كنيسة القديسين" في مدينة الاسكندرية، ليذكر العرب بالموقف الوطني المشرف الذي وقفه البابا شنودة خلال مرحلة التطبيع مع اسرائيل.
واصدر الرئيس حسني مبارك بيانا استنكر فيه الجريمة المخيفة، ووعد بالاقتصاص من الجناة الذين اعتبرهم "عناصر خارجية غريبة عن طبيعة الشعب المصري". وكان بهذا الكلام يعبر عن اقتناعه بأن المواطن المصري الذي ألف مجتمع الانصهار الوطني يرفض النيل من وحدة الاقباط والمسلمين. وقد شاركه موقف الاستنكار والادانة جميع الوزراء الذين أعلنوا رفضهم تحويل مصر الى عراق آخر. وكانوا بهذه المقارنة يشيرون الى المذبحة التي ارتكبها رجال "القاعدة" في كنيسة "سيدة النجاة" في بغداد يوم 31 تشرين الاول الماضي حيث سقط 58 قتيلا من المصلين.
عقب حدوث تلك المجزرة هرب آلاف المسيحيين في اتجاه كردستان  وسوريا والاردن في انتظار الانتقال الى اي مكان آمن يستقبلهم كلاجئين. ومع ان موجة هجرة المسيحيين العراقيين لم تبدأ بعد هذه المجزرة بالذات، الا ان عجز الدولة عن تأمين حمايتهم اجبرهم هذه المرة، على النزوح بشكل جماعي. وتقدر وكالة اغاثة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ان عدد النازحين وصل الى نصف مليون نسمة من اصل مليون مسيحي كانوا يقطنون بلاد الرافدين.
وذكرت صحيفة "صوت العراق" ان المسيحيين يتلقون رسائل تهديد عبر الهاتف او المخابرات الالكترونية تطالبهم بمغادرة البلاد. ونشرت ايضا اعترافات يروي مطلقوها ان جماعات ملثمة تدعوهم الى اعتناق الاسلام او مواجهة الموت.
ومع ان رئيس الوزراء نوري المالكي طمأن المسيحيين الى وجود حراسة مشددة حول كنائس المدن، الا ان وزير الداخلية في الوقت ذاته، طلب منهم القيام باحتفالات متواضعة اثناء الاعياد، وملازمة منازلهم اذا امكن.
منذ شهرين عرض زعيم كلداني على السلطة في بغداد، فكرة اقامة "كانتون" آمن في سهل نينوى حيث يمكن المسيحيين ممارسة حرية العبادة والعيش بأمان.
ورفضت السلطة المركزية هذا الاقتراح لأنه في نظرها، يؤسس لعملية تفكيك وحدة الدولة. كذلك رفضت حكومة كردستان تأييد هذه الدعوة، لأنها تطالب بضم منطقة نينوى – ذات الغالبية المسيحية – الى دولة الاكراد مستقبلا.
مدير "التحالف الاميركي – الاشوري" والمحاضر في جامعة شيكاغو المر آبو، يفسر اضطهاد الاقليات المسيحية من قبل مسلمين متطرفين، بأنه اعتداء على اصدقاء الغرب الذي شن حربا على العراق من دون ذنب.
وصرح ناصر شرهوم لمراسل صحيفة "نيويورك تايمز"، ان فراره مع عائلته الى مدينة اربيل الكردية، ليس بأكثر من عملية لجوء موقت في انتظار خلو العراق من كل الاقليات مثل السريان والكلدان والارمن والارثوذكس والاشوريين والصابئة واليزيديين.
ومثل هذه التوقعات المتشائمة وجدت من يرددها في الصحف والقنوات الاجنبية التي ادعت ان نظام حسني مبارك لم يعد بمنأى عما حدث في العراق وما قد يحدث في السودان.
وحول هذا الموضوع، نشر عدد من المحللين مقالات ترجح توقيت عملية كنيسة الاسكندرية بالتزامن مع احتمال قيام دولة مسيحية في جنوب السودان.
ومع ولادة واقع جديد قرب مصر، كثرت التكهنات حول اهداف الازمة التي بدأت مطلع السنة الماضية في كنيسة مدينة نجع حمادي في الصعيد. يومها اطلقت النار من سيارة مسرعة على المصلين، الامر الذي ادى الى مقتل ستة مسيحيين واصابة تسعة.
وعندما توعدت "القاعدة" بالانتقام من الاقباط في مصر، سارعت الدولة الى تشديد الاجراءات الامنية حول الكنائس واديرة الرهبان. وقبل نهاية السنة الماضية حصلت صدامات بين الشرطة والاقباط بسبب تحويل مبنى تابع للكنيسة الى كنيسة مستقلة دون الحصول على ترخيص رسمي. وأدى الخلاف الى مقتل بضعة متظاهرين واعتقال 160 متهماً باعمال شغب.
وادعى بعض مفسري الترابط الزمني بين موعد انفصال جنوب السودان وموعد تفجير كنيسة الاسكندرية، ان المخطط هو واحد. وبحسب تحليلهم فإن افتعال الحادث الدموي قد يحرض عشرة ملايين قبطي على احياء نزعة قديمة تتلخص بطلب انشاء دولة مستقلة في اسوان او اسيوط. وعلى الرغم من دحض البابا شنودة الثالث هذه المزاعم، الا ان المخططين المجهولين يتوقعون ظهور تيار الانفصال اذا عجزت الدولة عن تأمين الحماية للمواطنين الاقباط.
وخوفاً من تكرار هذا الحادث، اوصى البابا شنودة بضرورة تخفيف مظاهر احتفالات رأس السنة عند الاقباط، لان القاهرة ضبطت سلسلة اوامر مرسلة من منظمات ارهابية في العراق وافغانستان، تدعو الى ضرب الكنائس في مصر.
وتطالب هذه المنظمات باسم "شبكة شموخ الاسلام" و"دولة العراق الاسلامية" الى تحقيق طموحات "القاعدة" حول اهمية تنظيف المنطقة من المسيحيين والاقليات. ويبدو ان كنائس فرنسا والمانيا وبريطانيا كانت مستهدفة خلال هذه الفترة بدليل ان الحكومة الفرنسية حذرت الجالية القبطية (عددها 250 الف نسمة) من مخاطر عمليات ارهابية اعتقلت قوى الامن بعض عناصرها.
في تعليقه  على حادث الكنيسة، قال جمال مبارك، ان هذه الجريمة البشعة لن تنال من وحدة المصريين. ومثل هذا الكلام المطمئن ردده مفتي مصر الدكتور علي جمعة، وشيخ الازهر الدكتور احمد الطيب الذي انتقد دعوة البابا لحماية مسيحيي الشرق، ووصفها بانها تدخل في الشؤون الداخلية!
بين الاسماء المرشحة للوقوف وراء عملية كنيسة الاسكندرية، اسم الدكتور ايمن الظواهري، الوكيل الحصري لاسامة بن لادن. وقد اتهمته بعض الصحف المصرية بانه يحرض الجيش على القيام بانقلاب عسكري يلغي استمرارية الناصرية التي توارثت الحكم منذ انقلاب 1952. ويعتقد الظواهري ان نظام مبارك لا يحتمل صدمة دموية اخرى كالتي حدثت في الاسكندرية دون ان يفسح المجال لعودة الجيش على ان يكون حكمه مباشراً وقاسياً. ومثل هذا التغيير يخلق شرخاً بين الرئيس مبارك والولايات المتحدة التي تطالبه بكثير من الديموقراطية مقابل قليل من المساعدات.
وترى القاهرة ان ايمن الظواهري لا يختلف في طموحاته عن مرشده اسامة بن لادن الذي يحلم بالعودة الى موطنه الاصلي اليمن وينتزع الرئاسة من علي عبد الله صالح. تماماً مثلما كان يخطط حليفهما ابو مصعب الزرقاوي، الذي قتل في العراق عقب سلسلة تفجيرات في الاردن كان ابشعها التفجير الذي اودى بحياة عدد من الابرياء بينهم المخرج مصطفى العقاد (11 تشرين الثاني 2005).
بقي التذكير بأن الاعلام الاجنبي تعامل مع حادثة كنيسة الاسكندرية بكثير من القسوة وحاول ان يرجعها الى خروق محلية تتعلق بقضايا التوريث والانتخابات والتمديد للرئيس مبارك.
ومن اكثر  الصور  تاثيراً في الرأي العام، كانت الصورة التي وزعتها وكالات الانباء ونشرتها كل الصحف الاميركية ومعظم الصحف الاوروبية. وهي  تمثل المسيح على الصليب، وقد شوهت وجهه وثوبه الابيض بقع الدماء التي قذفتها شظايا القنبلة.
واستخدمت نشرة كنسية هذه الصورة لتكتب تحتها طلبة يرددها الاقباط في صلواتهم: مثلما احتضنا يسوع في حال الخطر... نطلب من يسوع ان يحتضنا في ايام الخطر.
ويعود تاريخ هذه الطلبة الى حكاية لجوء يوسف ومريم الى مصر لتهريب الطفل يسوع من قرار قتل الاطفال في عهد هيرودوس الروماني. وقد صدر ذلك القرار بعدما صلى المجوس في مزود البقر، وتنبأوا بظهور ملك مخلص من خارج روما.
واليوم، يكثر اقباط مصر من ترديد هذه الطلبة، لعل البلاد التي انقذت يسوع من ظلم الامبراطور هيرودوس، تنقذهم من "الاباطرة" الجدد الذين يطالبون بحكم العالم من مغاور "تورا بورا"...
 


(كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن)   

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,362,753

عدد الزوار: 7,755,552

المتواجدون الآن: 0