9 كانون الثاني 2011: السودان يطوي صفحة الخرائط القديمة

تاريخ الإضافة الإثنين 10 كانون الثاني 2011 - 6:10 ص    عدد الزيارات 589    التعليقات 0

        

استفتاء الجنوب يقرّر مصير شماليين لم يشاركوا فيه... وقد يجعل دارفور جوبا جديدة
9 كانون الثاني 2011: السودان يطوي صفحة الخرائط القديمة

لطالما ردد الزعيم التاريخي للحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق قبل رحيله المثير للجدل في حادث سقوط طائرته عند الحدود الاوغندية: "قبل أي شيء علينا أن نفكر في أننا سودانيون في سودان واحد". لكن السودان الواحد الموحد الذي حلم به قرنق وتمسك به سودانيون كثر يغيب اليوم ويندثر. فالحركة الشعبية الذي أصر قرنق على ان اسمها وهدفها ووظيفتها "تحرير السودان" وليس "جنوب السودان"، تحتفل اليوم بوضع لبنة الدولة المستقلة في جنوب السودان والانسلاخ عن الشمال، بعدما تبخرت شعاراتها عن تحقيق العدالة والمساواة لأهل الشمال كما لأهل الجنوب، وبناء الدولة الموحدة على أساس ديموقراطي يضمن التنوع الثقافي والاتني والديني، مع العلم أن سجل انتهاك حقوق الانسان لهذه الحركة في الجنوب نفسه لايقل سوءاً عن سجل بعض الحكومات الشمالية التي كانت تقاتلها. كما لم يعرف عن هذه الحركة ممارستها أي شكل من أشكال الديموقراطية في معاقلها السابقة أو الحالية.     
رحل قرنق عن الوجود بعد أشهر من توقيع حكومة الخرطوم ممثلة بالمؤتمر الوطني الحاكم والجنوب ممثلاً بالحركة الشعبية اتفاق السلام في نيفاشا مطلع عام 2005 لانهاء أطول حرب أهلية في أفريقيا، وانقطعت برحيله آخر الخيوط الرفيعة للوحدة السودانية. فالسلام الهش الذي جاءت به نيفاشا لم ينجح في بعث مشروع وطني سوداني من شأنه أن ينزع فتيل ازمة الهوية المتجذرة ويحضن التنوع الثقافي والاتني ويعزز التنمية المتوازنة، لا بل بالعكس عمَّق الشرخ وزاد التهميش وشرع الابواب لأبشع أنواع التدخل الخارجي وأكثرها خبثاً، فحتى الشمال الذي كرس مشروعه الاسلامي العربي بموجب الاتفاق لم يرضِ المسلمين في دارفور وبلاد النوبة والنيل الازرق وقد يدفعهم الى التحول الى جنوب جديد. وفي الجنوب، اسالت عائدات النفط لعاب اللاهثين وراء الثروة والتخلص من الفقر والحرمان، فمن كان ضد الانفصال صار معه، ومن كان مقاتلاً من أجل الوحدة جعله التمييز العنصري والتفرقة الثقافية والشعور الدائم بالتهميش في وطنه داعية استقلال. باختصار، كان الوضع السوداني نموذجياً لفتح أبواب البلد الغني بالموارد والذي يعادل حجمه حجم قارة، لكل أنواع التدخلات الاجنبية التي بلغت حداً لا مثيل لوقاحته في الزمن المعاصر.  
اليوم 9 كانون الثاني 2011 يصير السودان سودانين، ولا حاجة الى انتظار فرز أصوات المستفتين على الانفصال ومعرفة اتجاه التصويت، فالنتيجة محسومة سلفاً ولن تكون سوى تأكيد المؤكد بفصل الجنوب عن الشمال واقامة الدولة الجنوبية المستقلة التي نالت اعتراف المجتمع الدولي والدول الكبرى قبل الاستفتاء نفسه، ولم يعد سوى انتظار موعد رفع علم الدولة الى 193 على منصة الامم المتحدة.
اليوم تطوى صفحة الخرائط القديمة التي خلفها الاستعمار القديم وتفتح صفحة جديدة ليس فقط في تاريخ وادي النيل، بل في التاريخ العربي المعاصر، ذلك اننا سنشهد اندثار أولى الدول العربية المستقلة وربما كان ذلك حجر الدومينو الاول في لعبة يجري الحديث عنها من زمان، إذ ان الخرطوم منذ لحظة صدور نتيجة الاستفتاء المحسومة سلفاً لن تخسر جزءاً من اراضيها الشاسعة يعادل حجمه مساحة فرنسا فحسب، بل ستتحول عاصمة لدولة مختلفة كل الاختلاف عن السودان السابق.
ومن المفارقات المُرًة للسودانيين ان موعد الاستفتاء اليوم يأتي بعد تسعة أيام فقط من موعد إحياء الذكرى الخامسة والخمسين لاستقلال السودان وإعلان قيام الدولة السودانية المستقلة، التي صارت فوراً عضواً في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
بسحر ساحر سقطت كل العقبات التي كانت تعوق رحلة الجنوب الى الدولة المستقلة: الكلام عن ارجاء الاستفتاء تبخر، دورة العملية اللوجستية عادت الى الدوران بسرعة بعد توقف، الملفات المستعصية على الحل رحّلت الى أوقات أفضل، وبات التقسيم واقعاً عندما أسقط آخر رئيس لكل السودان عمر حسن أحمد  البشير آخر تحفظاته وقام بحجة الوداع لجوبا مانحاً إياها مباركته لرحيلها على رغم إبدائه "حزنه" على "الفراق". ولم يعطِ البشير بركته  لرحيل جوبا منفرداً اذ ذهب الى العاصمة المقبلة للجارة الجديدة مدثراً بعباءة عربية فضفاضة وفّرتها له مصر، الجارة الكبرى والمعنية الاولى بالشأن السوداني، وكذلك ليبيا الجارة الثانية. فقد مهد الرئيس حسني مبارك والزعيم الليبي معمر القذافي طريق الجنوب الى الدولة المستقلة بتعهدهما الرسمي والمكتوب لاحترام نتائج الاستفتاء أياً تكن، في حضور الرئيس البشير ونظيره المقبل الجنوبي سالفا كير ميارديت.
 
 

مصر وأهون الشرور

وبدا واضحاً في القمة الرباعية ان مصر اتخذت قرارها بمواكبة الانفصال والحد من خسائره باعتبار ذلك أهون الشرور وأسلم السياسات، فالقاهرة تدرك ان  نظام الخرطوم المتعب لم يعد قادراً على حماية أطرافه، كما تدرك عدم قدرتها وقدرة العرب الآخرين على الوقوف في وجه الارادة الاميركية المدعومة اوروبياً والمصممة على تقسيم السودان.
واذا كان البشير يرغب في مقايضة الجنوب بتخليص دولته من براثن  اللائحة السوداء للدول الراعية للارهاب، والتخلص من ملاحقات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، وتغييب تهمة الابادة في دارفور في الادراج المنسية، فان لمصر حسابات أخرى. فهي اليوم تخوض موقعة "التوريث" الكبرى التي لواشنطن فيها الكلمة الفصل، خصوصا ان معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة هذه السنة تأتي بعد انتخابات نيابية "مخجلة" لا طاقة لها على تغطيتها. وتضاف الى ذلك القضية المتفجرة للاقباط  التي قد تقلب الاوضاع رأساً على عقب وترفع المسألة الدينية وقضايا التطرف والارهاب والحريات الى المقام الاول.        
أضف أن مسألة جنوب السودان تمس مباشرة بالقضية الحساسة لمياه النيل، فالقاهرة تخشى انضمام الدولة الجنوبية الوليدة الى دول منابع النيل التي تضغط على السودان ومصر من أجل إعادة النظر في الاتفاقات السابقة لتوزيع مياه النهر والتي تحظى مصر بموجبها بحصة الاسد على رغم انها دولة المصب. ويعتقد المصريون ان حصة دولة جنوب السودان من مياه النيل يجب ان تخرج من حصة السودان البالغة 18 مليار متر مكعب. بيد ان الجنوبيين يرون ان حصة دولتهم الجديدة يجب ان تخرج من حصتي مصر والشمال بالتساوي!
وهذا قد يفسر لفتة مصر حيال قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وفتح منابرها الاعلامية لهم للدفاع عن قضية الانفصال، وربطها خمساً من مدن الجنوب بالكهرباء وفتحها فرعاً لجامعة الاسكندرية في جوبا.
ويرجح خبراء سودانيون أن تبكر الدولة الجنوبية الجديدة في تحريك قضية المياه لحاجتها الماسة الى الصمت المصري من أجل ضمان قيامها دون مشاكل، ولوجود كميات كبيرة من المياه الراكدة في سدودها...  ولكن الى متى ستغض الدولة الناشئة والمزخمة بالمعنويات الطرف عما تعتبره مياهها وسيادتها ولا سيما في ظل التركيز الدولي الفاعل في الجنوب على وضع مصر ومواصلة اضعاف مكانتها؟

 

مرحلة هدوء نسبي

في أي حال، توحي زيارة البشير لجوبا والتغطية المصرية للانفصال، بان مرحلة الانفصال قد تمر في هدوء نسبي ومن غير تجدد للحرب بين الشمال والجنوب. وفي واقع الامر ان حرباً كهذه ستكون باهظة الثمن للطرفين، الأمر الذي يجعلهما يحسبان الف حساب قبل التفكير في خوضها، فالقوات الدولية منتشرة في انحاء سودانية عدة، والحدود بين البلدين الجديدين تتجاوز الالفي كيلومتر، وقوات الجنوب لم تعد ميليشيا تابعة لحركات تمرد، بل جيش منظم. كما أن الجنوب يفضل ابعاد كأس الحروب والتفرغ لإرساء البنية التحتية وتنمية المناطق المدمرة بالحروب السابقة وبالتخلف والفقر. كذلك فان خسارة الشمال جزءاً كبيراً من عائدات النفط الجنوبي بعد الانفصال، والتراجع المريع في الانتاج الزراعي، سيجعلان خزائنه شبه فارغة وغير قادرة على مواجهة أعباء الجيوش والحروب والتعبئة الدائمة.
لكن ذلك لايعني ان صفحة المشكلات بين الجانبين طويت الى الأبد، اذ لاتزال عقدة اقليم أبيي قائمة، ومثلها ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وقضية المواطنة، وتقاسم العائدات النفطية، اذ لم يقدم أي من الطرفين تنازلاً فعلياً من شأنه ان يهدىء البال. وعلى رغم ان حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال لجم التصريحات المعادية علناً للجنوبيين وحقهم في المواطنة، فان بعض النخبة الشمالية الحاكمة يستمر في استخدام المواطنة أداة سياسية في مفاوضات الوضع النهائي،  بالإصرار على حرمان الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال "الحريات الأربع"، أي الإقامة والعمل والتنقل والتملك، التي أقرتها الحكومة على سبيل المثال للمصريين المقيمين في السودان.
ومن شأن ذلك أن يلحق الضرر بالسكّان على  جهتي الحدود، نظراً إلى أن الكثير من الجنوبيين مندمجون اقتصادياً في الاقتصادات الريفية للمجتمعات الشمالية المحاذية، ولا سيما بصفة كونهم عمالاً زراعيين وحرفيين. وفي المقابل، قد تحاول الحركة الشعبية لتحرير السودان منع الهجرة الموسمية للرعاة الشماليين الذين تتوقّف أرزاقهم على تمضية جزء من السنة في الجنوب مع قطعانهم، الأمر الذي سيتسبب حكماً بكارثة. فضلاً عن أن بعض المسلمين الجنوبيين يخشون ان يكونوا ضحايا استبداد ديني أو ثقافي في جنوب اللون الواحد ومثلهم في ذلك مثل المسيحيين في الشماليين أو الجنوبيين الذين يمنعهم مصدر رزقهم من العودة الى مسقطهم. 

 

اسئلة الجنوبيين

والنشوة الجنوبية بالاستقلال قد لا تطول كثيراً، والارجح ان "السكرة" ستتبخر سريعاً وستأتي "الفكرة". ذلك أن الجنوب أرض قفر مقارنة بالشمال الغني نسبياً، والخيرات الجنوبية المدفونة في ترابه تحتاج الى مليارات كثيرة من الدولارات لتظهر على وجه الارض ولتفعل فعلها المرجو. وهذه المليارات غير متوافرة حاليا وإن توافرت فهي ستذهب الى التسلح في دولة تريد تثبيت اقدامها في رمال متحركة أو ستذهب الى جيوب الفاسدين في دولة ابتليت بالفساد المريع قبل ان ترى النور. كذلك فان الشكاوى السابقة  لحركات التمرد الجنوبية  من حكومة الخرطوم تنطبق على قسم كبير من الجنوبيين الذين يشكون من حكومة الجنوب. فالحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في جوبا وعمادها البشري قبيلة الدينكا هي الوجه الآخر لحكومة الخرطوم، إذ تمارس الاكثرية هيمنتها المطلقة على الاقليات. والدينكا هي كبرى القبائل الجنوبية، لكنها لاتمثل الاكثرية في الجنوب ومع ذلك تفرض بالقوة مشيئتها على القبائل الاصغر التي شكلت فصائل مسلحة متمردة للتخلص من الهيمنة.
وثمة سؤالان يثيران القلق في الجنوب: هل تصمد وحدة الهدف الحالية بين الفصائل والقبائل المتناحرة التي ولّدها الاستفتاء بعد انتهائه؟ وكيف يحقّق الجنوب المستقل الازدهار الاقتصادي؟ الأرجح أن التشنجات الإتنية والسياسية التي لاتزال تؤجج العنف المحلي بين المكونات الاجتماعية لهذه المنطقة ستتفاقم أكثر فأكثر في الدولة الناشئة. وسيكون على قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان المهيمنة تطبيق الديموقراطية التي كانت ترفعها في وجه الشمال من غير ان تطبقها، وعليها أن تصير أكثر شمولاً واستيعاباً لمجموعات الناخبين المتنوّعين في الجنوب من أجل ضمان السلام والاستقرار.

 

الشمال بعد الانفصال

وفي المقابل، من المرجح انفصال الجنوب لن يكون هو الحل لمشكلات الشمال، كما يتصور أو يصور البعض في الخرطوم، بل ربما تفاقمت هذه المشكلات وزادت تعقيداً في أكثر من ناحية. ذلك ان انفصال الجنوب لن يلغي التعدد القائم في السودان، بل سيظل هذا التعدد قائماً بكل أشكاله السياسية والدينية والعرقية والجهوية والثقافية، وهو ما يعني على الدوام الحاجة إلى مشروع لاستيعاب هذه التناقضات، وسيظل ذلك أمراً ملحاً مثلما كان منذ فجر الاستقلال في السودان وحتى الآن. واذا  لم تعد الخرطوم النظر في تركيبة الحكم والإدارة والاقتصاد في شمال السودان، فقد تواجه دولة الشمال الجديدة مشاكل كثيرة جداً، شأن دولة الجنوب، وهذا يعني أن مخاطر الانفصال لن تكون تقتصر على الجنوب وإنما ستشمل الشمال أيضاً. 
ومن النقاط المهمة التي ستبقى مثار جدل في الشمال، تطبيق الشريعة في الشمال الذي تمسك به النظام الحاكم عند توقيعه بروتوكولات ماشاكوس الشهيرة عام 2002 في مقابل حق تقرير المصير للجنوب، والذي أعاد الرئيس البشير تأكيده عشية الاستفتاء. وسيظل هذا التطبيق للشريعة موضع رفض آخرين آخرون في السودان الشمالي بعد الانفصال، وكذلك مسلمين لا يوافقون على النهج الذي يتبعه النظام في تطبيق الشريعة. ولعل شريط الفيديو الذي تسرب أخيراً لفتاة تجلد في الخرطوم بطريقة وحشية بأيدي رجال نظام الأمن، وما أثاره من ردود فعل غاضبة واستياء عارم في أوساط السودانيين، يبرزان هذا التباين في فهم تطبيق الشريعة في أوساط المسلمين بشمال السودان، وبينهم أئمة وعلماء دين وشيوخ طرق صوفية.
والأهم في الشمال هو إيجاد صيغة حقيقية للتوافق السياسي، ففي اعتقاد محلليين كثر، ان انفراد حزب واحد هو المؤتمر الوطني بزعامة البشير بادارة الشؤون السودانية طوال السنوات العشرين الأخيرة هو الذي أدخل السودان في النفق الضيق، بل أضرّ بالحزب نفسه. وسيظل شمال السودان في حاجة إلى توافق أكبر عجزت الانتخابات الأخيرة في نيسان  الماضي عن تحقيقه،  بعدما قاطعتها أحزاب معارضة، ومن غير هذا التوافق ستتعمق الانقسامات وتفضي إلى تقسيمات وصراعات أخرى. ولا يبدو أن أمر الوفاق الشمالي هذا مطروح في أجندة حزب المؤتمر الوطني حالياً، في غمرة لهاثه من أجل مواجهة الاستحقاقات التي يطالب بها المجتمع الدولي في كل من الجنوب ودارفور.

 

دارفور جنوب آخر

وعندما يرحل جنوب السودان الحالي ويستقل بدولته، سيكون لشمال السودان جنوب آخر في منطقتي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، ولهاتين المنطقتين مشاكلهما، وكثير من كوادر الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب كانوا منهما، والحدود المفتوحة التي لم ترسّم حتى الآن، قد تثير شهية كثيرين في هذه المناطق أو غيرها لإلحاقها بالجنوب. كما قد تنشط بعض الجماعات في مناطق متوترة أخرى لتطالب بتقرير المصير أو الانفصال عن الخرطوم كما فعل الجنوب. وأكثر ما يهدد بقاء دولة الشمال على حالها بعد الانفصال،هو ما يمكن أن ينشأ عن مشكلة دارفور، ذلك ان الدارفوريين لا يطالبون بدولة مستقلة في الوسط فحسب، بل إن أحلامهم تتجاوز الخريطة الحالية باختصار حدود دولة الشمال في رقعة ضيقة في العمق حتى الحدود المصرية.
 ويقول الزعيم السوداني المعارض الشيخ الدكتور حسن الترابي الذي كان عراب الانقلاب الذي اوصل البشير الى السلطة قبل ان يزج به الاخير في السجن: مرارا وتكراراً "انفصال الجنوب قد يتبعه انفصال آخر في الشرق، أو الغرب، إلى ضياع عائدات البترول وارتفاع الضرائب وخفض قيمة الجنيه السوداني مما سيؤثر على حياة المواطنين". ويضيف:  "الحكومة الأميركية مهتمة بالجنوب ويريدون أن يفرغوا من الجنوب حتى يتفرغوا لدارفور التي هناك قطاع كبير من الحزب الديموقراطي الأميركي من أصول إفريقية غربية يجمع التبرعات ويمارس الضغوط السياسة لمصلحة دارفور". ويبدي أسفه لعدم اعتبار الحكومة مما حدث في الجنوب في معالجتها لازمة دارفور، قائلا: "دارفور كانت دولة مستقلة لمئات السنين والقوة لن تجدي معها والكره لا يجمع، بل يفرق، وقد يسكت أهلها قليلاً، لكنهم مقاتلون أشداء ودارفور أكثر أهمية للسودان من الجنوب وإستراتيجية الحكومة تدبر عن التفاوض وتعتمد على الضبط والربط وأدبروا عن اتفاقاتهم السابقة مع (حركة) العدل والمساواة" كبرى حركات التمرد الدارفورية.  
أما على المستوى الاقتصادي، فإن موارد دولة الشمال قد تضعف، على الأقل في المدى القصير، نظراً الى اعتماد الاقتصاد السوداني في السنين العشر الاخيرة على النفط الذي ينتج في الجنوب بنسبة كبيرة جداً، اذ شكل 92 في المئة من عائد الصادرات الإجمالية، في مقابل تراجع الصادرات الزراعية وعائداتها بالعملات الصعبة إلى أقل من أربعة في المئة بعدما كانت تمثل أكثر من 80 في المئة من الصادرات. وربما عوض الخرطوم هذا النقص إلى حدٍ ما من بدل نقل نفط الجنوب وتصفيته عبر أنبوب الشمال وصافيه إذا جاء الانفصال وديا، ولكن لن يستمر ذلك طويلاً، لأن حكومة الجنوب في صدد تشييد خط للسكة الحديد من الجنوب إلى ميناء مومباسا الكيني وتنوي بناء مصفاة لتكرير النفط خاصة بها في الجنوب كي لا تعتمد على الشمال غير المؤتمن في نظرها.
ولا شك في أن أوضاع الشمال ستعتمد في حال انفصال الجنوب الى حد كبير على أمرين، أولهما هو علاقته بالدولة الوليدة في الجنوب تعاوناً أو صراعاً، وسيكون لأي من هذين الخيارين تأثيراته في الداخل الشمالي، والأمر الآخر هو موقف المجتمع الدولي وتداعيات قضية المحكمة الجنائية الدولية.
والمؤكد أن الأمر في شمال السودان يحتاج إلى مراجعات كثيرة لا يبدو أنها تتم، واستعدادات كبيرة لا يبدو أنها أنجزت لمواجهة القابل من الأيام، فاستفتاء تقرير المصير المقرر في جنوب السودان لا يحدد فقط مصير الجنوبيين وحدهم، وإنما أيضاً مصير آخرين في شمال السودان لم يشاركوا فيه. 
 

أمين قمورية     

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,362,629

عدد الزوار: 7,755,550

المتواجدون الآن: 0