سوريا تستفيد من تأخّر القرار لتنقضّ على الداخل وواشنطن تراهن مجدّداً على فكّ تحالفها مع طهران

تاريخ الإضافة الجمعة 14 كانون الثاني 2011 - 5:14 ص    عدد الزيارات 564    التعليقات 0

        

سوريا تستفيد من تأخّر القرار لتنقضّ على الداخل وواشنطن تراهن مجدّداً على فكّ تحالفها مع طهران

في النصف الثاني من العام الفائت، انتشرت موجة من التكهنات الغربية والاحاديث المنقولة عن المدعي العام الدولي دانيال بلمار بان القرار الاتهامي سيصدر قبل آخر 2010. وتعززت هذه الموجة اذ نقل عن رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي في تشرين الثاني انه يأمل في صدور القرار في شهر كانون الاول او في فترة قريبة جدا. وكانت قوى المعارضة تتوقع في الوقت نفسه ارجاء القرار الاتهامي الى ما بعد 2010، في ظل الحوار السعودي السوري، ورغبة الدول الغربية في استدراج سوريا الى تفاهم على استتباب الوضع اللبناني، قبل القرار وبعده.
وجاء اعلان بالتأجيل اولا في شكل غير متوقع على لسان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي تحدث في اعقاب عودته من لقاء ونائب الرئيس الاميركي جو بايدن عن تأجيل القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولم يكد كلام الوزير العراقي يفعل فعله في الاوساط اللبنانية، حتى جاء اعلان الادارة الاميركية الديموقراطية عشية عودة الجمهوريين الى التحكم بالغالبية في مجلس النواب، تعيين سفير اميركي في دمشق.
في وقت كانت السفيرة الاميركية مورا كونييللي تقول ان هذه التعيين لن يكون على حساب لبنان في حين برز امكان عودة الحياة الى المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل من دون تحديد هوية قناة التفاوض، والكلام عن لقاء الرئيس السوري موفدا من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقد دلت روزنامة الاحداث الاخيرة، الى ان ما كان يتوقع حصوله على خط الرياض – دمشق، تحول فجأة الى خط واشنطن – دمشق. الامر الذي اعاد رسم مشهد شبيه بمشاهد سبق للادارات الاميركية او الاسرائيلية ان قامت بها لانقاذ سوريا في اللحظات الحرجة، او على الاقل لفتح فجوة لها في الحائط المسدود. من دون ان تعرف بعد طبيعة هذا التطور الامني- الاستخباراتي او السياسي، وحجم الثمن الذي يمكن ان تكون دمشق قدمته، وفاعليته على المدى المتوسط.
وترسم مصادر سياسية مطلعة خريطة الوضع الاقليمي في الاسابيع القليلة الماضية التي رافقت هذا التحول على الشكل الآتي:
ففي ايران، انقلب الوضع الداخلي بين تغييرات يُحكم عليها لجهود الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد واهمها اقالة وزير الخارجية منوشهر متكي، والتفاعلات الاقتصادية نتيجة رفع الدعم عن اسعار المحروقات، وصولا الى تقديم ملف المفاوضات حول البرنامج النووي. والانشغال الايراني الداخلي سمح لسوريا، باستحداث هامش من الحركة، بدا لوقت انها فقدته.
فدمشق، منذ محادثات مدير المخابرات الكندية في الرياض في 20 ايلول الفائت، بدت مجددا في قفص الاتهام الدولي، بحسب ما رشح من تلك المحادثات. الامر الذي ردت عليه باصدارها مذكرات توقيف في حق شخصيات لبنانية والغاء زيارة رئيس الوزراء سعد الحريري لها ووقف الاتصالات معه. ومن ثم تلقت في الاشهر الاخيرة الماضية رسائل واضحة من باريس، اثناء زيارة الاسد واجتماعه بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وقبلها من واشنطن في اللقاء الذي جمع الاسد والسيناتور جون كيري، مفادها ان لبنان خط احمر امنيا، وان اي حديث عن صفقات انما يكون بعد القرار الاتهامي.
في وقت اعادت الدوائر الغربية تسليط الضوء، ولو بصورة اقل مباشرة عن دور "حزب الله"، على احتمال ورود اسماء مسؤولين سوريين في القرار الاتهامي، وامكان تشعب المحاكمات لاحقا نحو فتح ملفات لها صلة بالحرب اللبنانية.
وبدت سوريا في فترة حرجة، متريثة في الذهاب بعيدا نحو رسم استراتيجة مستقبلية، مما دفع الاسد الى تكرار اعلان تمسكه بالادلة الواضحة كاساس للقرار الاتهامي.
وفيما توقف المسار السعودي السوري بسبب مرض الملك عبدالله وانتقاله الى الولايات المتحدة، حدث تطور مفاجئ على الخط الاميركي السوري، في غمرة غرق طهران في معالجة اوضاعها الداخلية، والبطء الجزئي في المفاوضات تحت الطاولة مع واشنطن.
ولاحظت السعودية بعض اشارات هذه الحلحلة التي تعبر عن غير طريقها. فردت بدعوة الحريري بعدة عودته الى بيروت من جولة خارجية ودعمه وفريقه الى رفع سقف المواجهة مع سوريا ورفض اي تنازلات. بدورها ردت ايران عبر كلام مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي، برفضها اي قرار يمكن ان يصدر عن المحكمة وهو رد يطاول واشنطن كما سوريا التي تعمل على عزل نفسها عن القرار، بتعمد خامنئي اظهار الموقف خلال وجود امير قطر الشيخ حمد بن خليفة في طهران.
وتشير المصادر السياسية الى ان واشنطن لا تكاد ترى بصيص امل ولو بسيطا لفك ارتباط سوريا بايران حتى تعمد الى تقديم خطوة الى الامام في اتجاه سوريا، مرفقة اياها باشتراط الحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله. لكن التجربة السورية مع لبنان دلت على ان دمشق تلتقط دوما الفرصة، مهما كانت صغيرة، للانقضاض على الداخل اللبناني مستفيدة من الصورة الخارجية لها كداعم للاستتباب الامن فيه لتعود الى الاضطلاع بدور مؤثر في صناعة القرار اللبناني. كما تحاول الافادة من صورتها في الحفاظ على الوجود المسيحي لديها، بخلاف ما يحصل في دول المنطقة. وقد برز اخيرا دور لبعض المعارضة المسيحية في الترويج لدور سوريا كحاضن لحقوق المسيحيين حتى لدى بعض دوائر الفاتيكان وممثليه. في حين ان الحملة الدولية تركز على "حزب الله" تارة بوصفه داعما للارهاب وطورا باتهامه بالاتجار بالمخدرات او تبييض الاموال في عدد من دول اميركا اللاتينية وافريقيا.
لذا باتت سوريا تقف عند الحدود اللبنانية بالمعنيين الحقيقي والمجازي. فهي بدأت تروج لتغيير حكومي وهو امر قد لا يخدم في الضرورة مصلحة الطرف الشيعي، الذي لا ينظر بارتياح الى عودة القرار السوري الى بيروت. وباشرت حملة مركزة على التحضير لمرحلة ما بعد القرار الاتهامي ولاستعادة حلفائها الاقربين مقاليد الحكم في لبنان، وهم المرتاحون الى صدق توقعاتهم بتأجيل القرار الاتهامي، وبنجاح خريطة الطريق التي يتبعونها.
في المقابل فان عدم صدور القرار الاتهامي الى الآن، اثار مخاوف جدية من حدوث اشارات تسييس، كالتي رافقت ايضا محكمة يوغوسلافيا السابقة، ليس في المسار القضائي للمدعية العامة كارلا دل بونتي، انما في سبل تنفيذ الاجراءات. ومنها على سبيل المثال ارجاء توقيف الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش مرات عدة الى حين نضوج الظروف الاميركية لذلك.
من هنا يبدو التوقيت الذي اتخذت فيه الخطوة الاميركية في اتجاه سوريا مثيرا للتساؤلات فهل سيكون مقدمة لتسوية ما حول المحكمة، تشبه مع ما يحدث مع الرئيس السوداني عمر البشير الذي بدأ يلمح الى تأييده انفصال الجنوب قبل الاستفتاء، في ما يشبه المقايضة على عدم ملاحقته دوليا؟
وهل يمكن ايران في المقابل ان تترك سوريا تنفذ وحدها من مظلة المحكمة لتترك "حزب الله" وحيدا في مواجهة الحملة الدولية المتعددة الجانب ماليا وامنيا وسياسيا مع ان السؤال الاساسي المطروح هو الى اي مدى تكمن جدية سوريا في فك تحالفها مع ايران، كما ترغب واشنطن وباريس، ام ان ما يحدث هو جولة جديدة من رهان دمشق الدائم على الوقت؟

هيام القصيفي      
 

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,372,709

عدد الزوار: 7,755,746

المتواجدون الآن: 0