لا صفقة سعودية - سورية بشروط دمشق

تاريخ الإضافة الجمعة 14 كانون الثاني 2011 - 6:05 ص    عدد الزيارات 588    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
لا صفقة سعودية - سورية بشروط دمشق
الحريري لن يضحّي بكل شيء لإرضاء خصوم المحكمة

"مسؤول عربي بارز وثيق الإطلاع على مضمون الإتصالات السعودية - السورية - اللبنانية أوضح خلال زيارة قام بها حديثاً لباريس ان حلفاء دمشق "اخترعوا" مبادرة سعودية – سورية مختلفة جوهرياً عن المبادرة الحقيقية وسرّبوا خلال الأشهر الأخيرة معلومات خاطئة عنها تفيد أن الصفقة بين الرياض ودمشق تتركز على وقف عمل المحكمة الخاصة بلبنان ودفع رئيس الحكومة سعد الحريري الى التخلي عنها والرضوخ لمطالب نظام الرئيس بشار الأسد وحلفائه. وحين تبين لحلفاء دمشق ان جهودهم لوقف عمل المحكمة قد فشلت أعلنوا نهاية هذه المبادرة التي "اخترعوا" مضمونها وأدخلوا لبنان في أزمة حكم معقدة تهدد بالتفاعل أمنياً بشكل خطر وذلك لمحاولة تأمين الحماية لعناصر من "حزب الله" قد توجّه إليهم تهمة التورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. وأكد المسؤول العربي أن هذه الجهود الجديدة لن توقف عمل المحكمة ولن تحقق مكاسب لحلفاء دمشق، وأن القيادة السعودية لم تتعهد لنظام الأسد ان تتحرك لوقف عمل المحكمة ومنع صدور القرار الاتهامي، كما لم تتعهد أن تفرض على الحريري صيغة تسوية للأزمة تؤمن تماماً مطالب النظام السوري وحلفائه. أضف ان الحريري لم يتعهد بدوره للأسد أو لقيادة "حزب الله" أن يتخلى عن المحكمة وعن دورها ومهمتها بل انه أكد باستمرار في اتصالاته الداخلية والخارجية حرصه على التوصل الى صيغة حل للأزمة تضمن تحقيق العدالة والإستقرار معاً".
هذا ما أعلنته مصادر ديبلوماسية أوروبية وثيقة الإطلاع في باريس. ولاحظت ان حلفاء دمشق يسربون معلومات غير صحيحة وتحليلات غير دقيقة عن مضمون الإتصالات السعودية - السورية كأنهم يريدون أن يضعوا المسؤولين السعوديين والحريري والإستقلاليين أمام الأمر الواقع وأن يفرضوا عليهم الصفقة التي تتلاءم كلياً مع مطالبهم ومصالحهم أو أن يحملوهم مسؤولية فشل التسوية إذا رفضوا الإستجابة لشروطهم. وأوضحت أن المعلومات الدقيقة التي تملكها جهات دولية وعربية معنية بمصير لبنان، ومنها جهات فرنسية رسمية، عن حقائق ما جرى ويجري بين الرياض ودمشق من تبادل للأفكار والإقتراحات تظهر ان الموقف السعودي الحقيقي من المحكمة ومن الأزمة الراهنة وطريقة حلها يتضمن الأمور والعناصر الأساسية الآتية:
أولاً - ترفض السعودية أن تتحالف مع النظام السوري من أجل العمل على إسقاط المحكمة لأن ذلك يتناقض مع موقفها الداعم لها منذ إنشائها. فالسعودية على إقتناع بضرورة أن تواصل المحكمة عملها شرط أن يتم ذلك وفقاً لأعلى المعايير القانونية وبعيداً من التسييس أو الإستغلال السياسي وبحيث تستند قراراتها وأحكامها الى الأدلة والقرائن والحجج القانونية الصلبة والقوية والقاطعة وليس الى التحليلات والظنون والمعلومات الخاطئة والشهادات المضللة أو الباطلة.
ثانياً - ترفض السعودية أن تدعم الموقف السوري الرافض للمحكمة إرضاء لنظام الأسد، كما ترفض أن تتبنى أو تساند موقف الفريق اللبناني الرافض للمحكمة والمتضرر من قراراتها، وأن تقف تالياً ضد موقف الغالبية من اللبنانيين المتمسكين بالمحكمة والمطالبين بإنجاز العدالة وكشف حقائق الجرائم السياسية - الإرهابية التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة.

 

أربعة أهداف سعودية في لبنان

ثالثاً - ترفض السعودية، وكذلك سائر الدول الحريصة على مصير لبنان، الرضوخ للتهديدات والإستجابة لمطالب الذين يريدون إستخدام العنف والسلاح للرد على القرار الاتهامي لأن ذلك يهدد فعلاً الأوضاع الداخلية والسلم الأهلي في لبنان ويتناقض جذرياً مع جهود المملكة لإنقاذ هذا البلد من ورطته وإحلال الأمن والإستقرار فيه مما يتطلب مساعدة كل الأفرقاء على الخروج من المأزق وليس "إنقاذ" فريق على حساب أفرقاء يمثلون الغالبية من اللبنانيين. كما ان الرضوخ للتهديدات وللذين يطلقونها يضعف موقف السعودية في التعامل مع إيران ومع أخطار تنظيم "القاعدة" والقوى التي تدعمها طهران والتي تنشط وتتحرك في اليمن وفي منطقة الخليج العربي عموماً.
رابعاً - ترى السعودية ان المحكمة واقع دولي شرعي وهي تلقى دعماً دولياً وعربياً ولبنانياً واسعاً ولن يوقفها أو يسقطها أي تفاهم إقليمي أو لبناني - لبناني، كما ان مسارها قانوني سلمي، ومن الضروري تاليا التعامل معها بواقعية وحكمة والرد على القرار الاتهامي الذي سيصدره المدعي العام الدولي دانيال بلمار بالوسائل القانونية ومن طريق الإستعانة بمحامي الدفاع وليس باستخدام العنف والسلاح لأن ذلك ليس مجدياً بل انه يلحق الخراب والدمار من غير أن يحقق هدف وقف المحكمة أو تعطيل مهمتها.
خامساً - ترى السعودية ان مصالحها ومصالح لبنان الحيوية تتطلب التمسك بالشرعية الدولية وقراراتها والإمتناع تالياً عن الدخول في مواجهة مع مجلس الأمن من أجل إرضاء فريق لبناني - إقليمي متضرر من المحكمة أو منزعج منها ومن قراراتها. كما ترى السعودية ان المصلحة الحقيقية لسوريا وحلفائها تتطلب الإمتناع عن الدخول في مواجهة خاسرة مع مجلس الأمن ودول بارزة مؤثرة لأن ذلك ينعكس سلباً عليها ولن يحقق لها أهدافها في أي حال.
سادساً - لم تعقد السعودية إتفاقاً مع نظام الأسد من أجل خدمة مشاريعه في لبنان وتنفيذ مطالبه ومطالب حلفائه، بل ان الملك عبدالله بن عبد العزيز حريص على التشاور والتنسيق مع الرئيس السوري وكذلك مع قيادات عربية وأجنبية وجهات دولية وإقليمية معنية بمصير لبنان من أجل تحقيق أربعة أهداف أساسية هي الآتية: الهدف الأول هو إنهاء مرحلة المواجهة بين نظام الأسد والإستقلاليين وفتح صفحة جديدة سليمة وسلمية بين لبنان وسوريا تقوم على الإحترام المتبادل لسيادة كلا البلدين واستقلالهما وعلى التعاون من أجل تعزيز العلاقات بينهما في مختلف المجالات لتحقيق مصالحهما المشتركة، كما تقوم على معالجة المشاكل العالقة عبر الحوار وليس عبر الإملاءات والضغوط والتهديدات. الهدف الثاني هو حظر إستخدام السلاح والعنف في الصراع السياسي الداخلي مما يتطلب من نظام الأسد ضبط حلفائه ومنعهم من اللجوء إلى القوة المسلحة لمعالجة المشاكل العالقة مع الأفرقاء الآخرين. الهدف الثالث هو إبقاء ملف المحكمة الخاصة خارج نطاق المساومة أو المقايضة لأن مصير المحكمة في أيدي قضاتها ومجلس الأمن وليس في أيدي أي دولة أو جهة. الهدف الرابع هو الإمتناع عن استخدام قضية المحكمة من أجل محاولة تعزيز مواقف هذا الفريق أو ذاك على حساب الأفرقاء الآخرين والإمتناع كذلك عن إستغلال أي إتهام يوجّه الى عناصر من فريق معين بالتورط في جريمة إغتيال الحريري ورفاقه من أجل تنفيذ عمليات إنتقامية وتفجير الأوضاع بذريعة الرد على قرارات المحكمة.
سابعاً - لن تفرض السعودية أي صيغة حل للأزمة على الحريري والإستقلاليين وخصوصاً إذا كانت تتناقض مع مصالحهم وحقوقهم المشروعة ولن تقبل أساساً بمثل هذه الصيغة، بل ترى أن تمسك اللبنانيين في غالبيتهم العظمى بإنجاز العدالة حق مشروع لهم. وترفض السعودية وسائر الدول الحريصة على مصير لبنان أن يدفع الحريري والإستقلاليون، وهم يمثلون أهالي الضحايا وإرادة الغالبية من اللبنانيين، ثمن أي صفقة تسوية، بل ان أي تسوية للأزمة يجب أن تكون منصفة وعادلة ومتوازنة وتتطلب تنازلات متبادلة تهدف أساساً الى تحقيق العدالة والإستقرار معاً وليس إطاحة العدالة ثمناً لضمان الإستقرار لأن مثل هذا الإستقرار سيكون هشاً ولن يصمد طويلاً.
ثامناً - ترى السعودية وسائر الدول الحريصة على مصير لبنان أن أي صيغة حل للأزمة يجب أن تشمل ليس فقط التعامل مع تداعيات القرار الاتهامي بالوسائل القانونية المشروعة، بل يجب أن تشمل أيضاً معالجة قضايا أساسية في لبنان منها تفعيل عمل حكومة الوحدة الوطنية لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، وإتخاذ إجراءات وخطوات محددة وملزمة لضمان عدم إستخدام العنف والسلاح في الصراع السياسي الداخلي، وتسوية مشكلة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وإحياء أعمال هيئة الحوار الوطني في رعاية الرئيس ميشال سليمان للتفاهم على إستراتيجية دفاعية تعزز موقع لبنان في التعامل مع إسرائيل وتهديداتها، ومواصلة تنفيذ إتفاق الطائف، وإحياء عملية تحسين العلاقات بين لبنان وسوريا على أساس الإحترام المتبادل وتأمين المصالح المشروعة للبلدين.

 

العرض السوري المرفوض

في المقابل، ذكرت المصادر الديبلوماسية الأوروبية المطلعة ان موقف نظام الأسد وحلفائه يختلف الى حد كبير عن موقف السعودية ويتميز بالأمور الآتية:
أولاً - لم يقدم النظام السوري وحلفاؤه حتى الآن الى المسؤولين السعوديين والى الأفرقاء اللبنانيين المتمسكين بالمحكمة عرضاً جدياً عادلاً ومتوازناً يؤمن العدالة ويحمي الإستقرار، بل إنهم يكتفون بتسريب المعلومات غير الصحيحة وبإصدار الأوامر والتعلميات وتوجيه التهديدات والتحذيرات الى الحريري والإستقلاليين وممارسة الضغوط المتنوعة عليهم لدفعهم الى التخلي عن المحكمة وقراراتها، متجاهلين كلياً حقوقهم ومصالحهم المشروعة، ومتعاملين معهم على أساس انهم هم المسؤولون عن المأزق الحالي وليس قتلة رفيق الحريري ورفاقه وشخصيات وطنية عدة أخرى. وكما قال مسؤول أوروبي مطلع: "ان الأمر المثير للدهشة ان النظام السوري و"حزب الله" يريدان عقد صفقة مع أنصار المحكمة تؤمن لهما كل المكاسب وتحقق كل مطالبهما وتؤدي تالياً الى إلحاق الهزيمة السياسية بالحريري والإستقلاليين، ويبديان إنزعاجاً لأن رئيس الحكومة وحلفاءه يرفضون هذا العرض الذي ترفضه أيضاً السعودية وسائر الدول الحريصة على مصير لبنان والتي لن تقبل أن يحدد المسؤولون السوريون وحلفاؤهم مصير هذا البلد وتوجهاته".
ثانياً - المسؤولون السوريون وحلفاؤهم قلقون جداً من مضمون القرار الاتهامي ومن نشر هذا القرار وهم يريدون من الحريري والإستقلاليين أن يضحّوا بكل شيء من أجلهم وأن يؤمنوا الحماية للأشخاص الذين يمكن أن يُتهموا بالتورط في جريمة إغتيال رفيق الحريري وذلك من خلال رفض القرار الظني سلفاً ونزع الشرعية اللبنانية عن المحكمة. كما يريد المسؤولون السوريون أن تدعم السعودية هذا الموقف وتفرضه فرضاً على الحريري، وذلك في مقابل الإمتناع عن تفجير الأوضاع الأمنية في لبنان. وليس ممكناً أن يقبل الحريري والإستقلاليون عرضاً خطراً وخاسراً كهذا.
ثالثاً - المسؤولون السوريون وحلفاؤهم متخوفون جدياً، وخلافا لما يحاولون ترويجه أو الايحاء به، من تفجير الأوضاع الأمنية في لبنان إذا فشلت جهودهم لدفع الأفرقاء اللبنانيين الآخرين الى الإستسلام لهم، إذ انهم يدركون تماماً، في ضوء الرسائل الحازمة التي تلقتها القيادة السورية من جهات دولية وإقليمية بارزة، ان معادلة "إما وقف المحكمة وإما تفجير الأوضاع" لن تحقق لهم مكاسب ولن توقف مسار العدالة الدولية، بل ان تطبيق هذه المعادلة سيعرضهم لأخطار كبيرة اذا إستخدموا السلاح والعنف على نطاق واسع للإنتقام من أنصار المحكمة ولمحاولة قلب الأوضاع في لبنان.
وقال لنا مسؤول أوروبي معني بالملف اللبناني: "تفيد المعلومات التي تلقيناها من دمشق ان المسؤولين السوريين يتصرفون فعلاً على أساس أن المحكمة وقراراتها يمكنها أن تشكل تهديداً للنظام السوري، ولذلك قال الأسد إن المطلوب من الحريري أن يرفض القرار الظني قبل صدوره" وان "النجاح في مواجهة القرار الاتهامي ولجم تداعيات المحكمة على الوضع في لبنان سيكون إنجازاً يوازي في نوعيته وأهميته حدث إسقاط إتفاق 17 أيار 1983". ذلك ان الرئيس الراحل حافظ الأسد تعامل عام 1983 مع إتفاق 17 أيار، الذي وصفه بأنه اتفاق الاذعان، على أساس انه يشكل تهديداً جدياً للنظام السوري، فاستخدم مختلف الوسائل لإسقاطه. ومع انه ليس ثمة مجال للمقارنة بين إتفاق 17 أيار اللبناني - الإسرائيلي ومحكمة أنشأها مجلس الأمن، إلا ان موقف الأسد هذا يعكس مدى جدية مخاوف السوريين وحلفائهم من المحكمة وقراراتها. لكن بشار الأسد لن ينجح في إسقاط المحكمة كما أسقط والده الراحل إتفاق 17 أيار".
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: "لن تعقد صفقة سعودية - سورية إستناداً الى شروط نظام الأسد وحلفائه. فالتفاهم السعودي - السوري يتمتع بالشرعية ويلقى دعماً واسعاً إذا كان يهدف الى تعزيز الأمن والإستقرار والمشاركة الوطنية الواسعة في الحكم والى تأمين الأجواء الداخلية المناسبة للتعامل مع المحكمة والقرار الاتهامي بطريقة تضمن تحقيق العدالة وفقاً لأعلى المعايير القانونية. لكن التفاهم السعودي - السوري لن يصمد ولن يستمر إذا تمسك نظام الأسد وحلفاؤه بمواقفهم المتشددة وبمطالبهم التعجيزية وذهبوا الى حد تفجير الأوضاع والمجازفة بمصير البلد لمحاولة إنجاز أهداف غير قابلة للتحقيق. والتفاهم السعودي - السوري يؤمن فرصة مهمة لنظام الأسد كي يثبت انه يريد فعلاً الإضطلاع بدور إيجابي بناء في لبنان والمنطقة، مما يساعد على تحسين علاقاته مع الدول البارزة والمؤثرة".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,372,151

عدد الزوار: 7,755,741

المتواجدون الآن: 0