ثار الشعب التونسي فانتصر الدستور

تاريخ الإضافة الخميس 27 كانون الثاني 2011 - 1:04 م    عدد الزيارات 592    التعليقات 0

        

 

ثار الشعب التونسي فانتصر الدستور
 بقلم المحامي / لؤي زهيرالمدهون*
        لم يتخلى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عن السلطة في تونس بعد حكمها ثلاثة وعشرون عاما منذ الانقلاب الأبيض الذي قام به عام 1987م وإطاحته لسلفه الحبيب بورقيبة، وسط ترحيب الشعب التونسي بكل أطيافه السياسية معتبرينه منقذا للبلاد التي كانت على حافة الهاوية حين ذاك؛ رغم الاحتجاجات الشعبية‏ على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من غلاء معيشة، وبطالة، وفساد وغيرها التي أِشعلها مواطن بسيط يدعى محمد بوعزيزي احتجاجا على إضهاده وملاحقته في لقمة عيشه، وانتقاما لكرامته التي أهينت من قبل شرطية صفعته على وجهه، مما حذا به إلى إشعال النار في جسده فكان جسده شعلة ثورة الياسمين؛ بل أناب عنه الوزير الأول محمد الغنوشي لاحتواء الأزمة والهبة الجماهيرية استنادا للفصل رقم 56 من القانون الدستوري التونسي والذي ينص على أن "لرئيس الجمهورية إذا تعذر عليه القيام بمهامه بصفة وقتية أن يفوض بأمر سلطاته إلى الوزير الأول ما عدا حق حل مجلس النواب، وأثناء مدة هذا التعذر الوقتي الحاصل لرئيس الجمهورية تبقى الحكومة قائمة إلى أن يزول هذا التعذر ولو تعرضت الحكومة إلى لائحة لوم، ويعلم رئيس الجمهورية رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين بتفويضه المؤقت لسلطاته"؛ وعلى ذلك أعلن الوزير الأول في الجمهورية عبر إذاعة التلفزيون الرسمي توليه سلطاته قائما بأعمال رئيس الجمهورية لتعذر قيام الرئيس بمهامه، مؤكدا تفويضه بهذه المهمة من قبل الرئيس زين العابدين بن علي بتولي اختصاصاته قبل مغادرته العاصمة تونس، داعيا كافة فئات الشعب التونسي إلى التحلي بالروح الوطنية والوحدة لتمكين البلاد ولتخطي المرحلة الصعبة واستعادة أمنها واستقرارها، معاهدا شعبه باحترام الدستور وتطبيق الإجراءات السياسية والاقتصادية التي تم الإعلان عنها قبل يومين من إعلانه تولي السلطة بالتعاون والتنسيق مع كافة القوى والأطياف السياسية في البلاد.
        بتقديري السيد الغنوشي أراد من خطابه المتلفز إيصال رسالة للشعب التونسي والمجتمع الدولي أن الرئيس زين العابدين بن علي ما زال يعتلي سدة الحكم في البلاد وما رئاسته إلا مرحلة انتقالية وفقا للدستور التونسي، وأن نهجه وسياسته في إدارة الأزمة تستند إلى سياسة ونهج الرئيس بن علي التي أعلن عنها في خطابه معلنا به تعهداته بإدخال حزمة من الإصلاحات تشمل حرية الإعلام، وعدم خوضه الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2014، إلا أن اصطدام هذا الخطاب وهذه التعهدات بالقرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس التونسي بن علي بعد أقل من 24 ساعة من خطابه معلنا بها حالة الطوارئ منتهكا الدستور وخاصة الفصل رقم (46) بإقالته الحكومة وحل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة خلال ستة أشهر أفقدت خطابه المصداقية، وحالت دون قبول الشعب قرار إنابة الغنوشي .
        بعدما لفظته وعائلته وأقاربه فرنسا بإعلان المتحدث باسم الحكومة الفرنسية فرنسوا باروان "إنه لم يكن أبدا من المطروح أن يقيم بن على في فرنسا، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك طلبا في هذا الشأن ولو كان هناك مثل هذا الطلب لقوبل بالرفض"، وتحدث "أن فرنسا لا تتوقع أن يستمر أقارب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن على الموجودين حاليا في باريس، أن يستمروا في البقاء على الأراضي الفرنسية، بل أن يغادروا فرنسا"، وتأكيد الخارجية على هذا الرفض من خلال تصريحها بأنها "لم تتلق فرنسا أي طلب لاستقبال السيد بن علي، في حال وجود طلب مماثل فسترد فرنسا بالاتفاق مع السلطات الدستورية التونسية".
        أرى أن فرنسا الدولة الأكثر اطلاعا على مجريات الأمور في الجماهيرية التونسية؛ والأكثر علما بما يحدث في أروقة المؤسسة السياسية والدستورية في تونس، لم تكن لتنتهج هذا السلوك مع الرئيس التونسي لولا اطلاعها واحتمال مشاركتها في القرار الذي اتخذه المجلس الدستوري وفتواه الدستورية بعدم دستورية إنابة الوزير الأول في البلاد بمهمة الرئيس وفقا لنص الفصل 56 من القانون الدستوري كما أن الغالبية العظمى من قادة الدول الأوربية والعربية لم تعر للرئيس التونسي أي اهتمام، رغما عن كونه الرئيس الأكثر توافقا وسياسات الدول الغربية بما فيها الكيان الصهيوني، بل كانت مطالبهم تجاه ما يحدث هو إجراء انتخابات جديدة مثمنين ومحيين الشعب التونسي على هذه الهبة.
        بتقديري عدم تعاطي المجتمع الدولي مع الرئيس زين العابدين بن علي وهو الحليف العربي الأكثر انسجاما وسياسات الغرب في المنطقة، احدث تحول جذري على مجريات الأحداث على الساحة التونسية لتتحول الهبة الجماهيرية المحتجة على سياسات الرئيس التونسي وقمعه للحريات؛ إلى ثورة يشارك فيها الجيش التونسي جنبا إلى جنب مع الشعب، مما حذا بالمؤسسات القانونية والحقوقية في تونس لفظ تكليف السيد محمد الغنوشي قائما بإعمال الرئيس، معتبرين الرئيس زين العابدين بن علي ترك البلاد هاربا متنازلا عن حكمه أمام ثورة الجياع، منقذا نفسه من مصير أشبه بمصير الرئيس الروماني السابق نيكولاي تشاوشيسكو الذي كان قد تعرض هو وزوجته أواخر عام 1989 إلى أبشع إعدام في الساحة العمومية بالعاصمة بوخاريست ، على يد الجماهير الشعبية الغاضبة التي اجتاحت العاصمة الرومانية ، واقتحمت القصر الرئاسي واقتادت الرئيس وزوجته إلى الساحة العمومية لإعدامه أمام الملأ وأمام كاميرات التلفزيونات العالمية.
        أمام الاحتجاجات الشعبية، وانتقادات المعارضة والسياسيين والقانونيين والمؤسسات الحقوقية، وتعاطف الشعوب العربية بكافة شرائحها مع الشعب التونسي، وحث المجتمع الدولي على احترام رأي الشعب التونسي وحقوقه؛ ما كان إلا أن يجتمع المجلس الدستوري التونسي، والمكون من تسعة أعضاء من ذوي الخبرة المتميزة وبقطع النظر عن السن , أربعة أعضاء بمن فيهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية وعضوان يعينهما رئيس مجلس النواب وذلك , لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرتين , وثلاثة أعضاء بصفتهم تلك وهم الرئيس الأول لمحكمة التعقيب والرئيس الأول للمحكمة الإدارية والرئيس الأول لدائرة المحاسبات، والجدير ذكره أن رأي المجلس الدستوري معللا, وملزم لجميع السلطات العمومية في تونس؛ معلنا رسميا إقصاء زين العابدين بن علي نهائيا من الرئاسة بناء على الفصل رقم 57 من دستور البلاد، وتولى رئيس البرلمان فؤاد المبزع مهام الرئاسة مؤقتا إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية خلال الستين يوما المقبلة.
        رغم عدم توفق المجلس الدستوري في صياغة قرار إقصاء الرئيس زين العابدين بن علي بعدم تطرقه واستناده إلى نص الفصل رقم (46) في إسناد مهمة الرئاسة لرئيس مجلس النواب والذي ينص    على " لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها بحيث يتعذر السير العادي لدواليب الدولة اتخاذ ما تحتّمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة الوزير الأول ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، ويوجه في ذلك بيانا إلى الشعب،وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة،وتزول هذه التدابير بزوال أسبابها ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى مجلس النواب ومجلس المستشارين" إضافة إلى الفصل رقم (57) من القانون الدستوري والذي ينص على "عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو لاستقالة أو لعجز تام, يجتمع المجلس الدستوري فورا, ويقر الشغور النهائي بالأغلبية المطلقة لأعضائه, ويبلغ تصريحا في ذلك إلى رئيس مجلس المستشارين ورئيس مجلس النواب الذي يتولى فورا مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه ستون يوما، وإذا تزامن الشغور النهائي مع حل مجلس النواب , يتولى رئيس مجلس المستشارين مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لنفس الأجل،ويؤدي القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة اليمين الدستورية أمام مجلس النواب ومجلس المستشارين الملتئمين معا , وعند الاقتضاء أمام مكتبي المجلسين، وإذا تزامن الشغور النهائي مع حل مجلس النواب , يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس المستشارين وعند الاقتضاء أمام مكتبه،ولا يجوز للقائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة الترشح لرئاسة الجمهورية ولو في صورة تقديم استقالته، ويمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة المهام الرئاسية على انه لا يحق له أن يلجأ إلى الاستفتاء أو أن ينهي مهام الحكومة أو أن يحل مجلس النواب أو أن يتخذ التدابير الاستثنائية المنصوص عليها بالفصل (46)، ولا يجوز خلال المدة الرئاسية الوقتية تنقيح الدستور أو تقديم لائحة لوم ضد الحكومة، وخلال المدة الرئاسية الوقتية يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد لمدة خمس سنوات، ولرئيس الجمهورية الجديد أن يحل مجلس النواب ويدعو لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفقا للفقرة الثانية من الفصل (63)" ؛ لإزالة الشبهة حول تولي رئيس مجلس النواب الرئاسة مؤقتا، لكون الرئيس بن علي كان قد اصدر قرار مخالفا للدستور وخاصة الفصل رقم (46) بإقالته الحكومة وحل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة خلال ستة أشهر من إعلانه؛ إلا أن بإعلان المجلس الدستوري إقصاء الرئيس زين العابدين بن علي وتكليف رئيس مجلس النواب مؤقتا لرئاسة الجمهورية يكون قد انتهى الجدل الدستوري حول من يتولى رئاسة البلاد .
        لا شك بأن استناد الشعب التونسي في مطالبته بإلغاء تكليف الغنوشي كرئيس مؤقت للبلاد إلى القانون الدستوري يعزى إلى نضج ووعي الشعب التونسي وحرصه على استقرار البلاد وآمنها وحمايتها من العابثين بمقدرات الدولة، وعملا بالدستور مطلوبا من الشعب التونسي عدم الانجرار وراء الأصوات المطالبة بإقالة الوزير الأول وحكومته، استنادا لنص الفصل رقم (46) من القانون الدستوري التونسي؛ كون استمرار توليه مهام منصبه لم يكن مؤامرة أو سرقة لثورة الياسمين أو ثورة الجياع أو ثورة بوعزيزي كما روج له، وإنما هو احتراما وقدسية للدستور الذي حمى الثورة بإقصاء الرئيس بن علي وعزله وإنزاله عن سدة حكم البلاد، وحماية للدستور من تجاهله أو الالتفاف عليه بقرارات لهيئات بديلة من الممكن أن تستحدث في مثل هذه الظروف التي تحياها تونس.
        بتقديري أيا كانت الأسباب والمسببات وراء هبة الجماهير الغاضبة في تونس، فقد انطوت صفحة مؤلمة من تاريخ معاناة واضطهاد الشعب التونسي، وإنهاء" لعصر الاستبداد وحكم الرجل الأوحد، وطمسا لمعالم الدولة البوليسية التي طالما حلم الشعب التونسي بإزالتها عبر مثقفيه ومعارضي النظام السابق، لتزول بحناجر الجياع وأجساد العراة التي اشتعلت لتدفئ أجساد أجيال المستقبل الواعد.
        وفي الختام أقول إن ثورة الياسمين في تونس ثورة غريبة لم يشهد التاريخ في الدول العربية مثيلا لها.. أطاحت بالرئيس، ولم تطح بأزلامه وأركان حكومته، وغيرهم .. بل تمتعوا بالحصانة والحماية الدستورية ليبقوا معتلين سدة الحكم في البلاد.
كاتب وناشط سياسي فلسطيني
 
 

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,394,040

عدد الزوار: 7,756,118

المتواجدون الآن: 0