تحديات الانتقال من حكومة "حزب الله" إلى حكومة مقبولة

تاريخ الإضافة السبت 5 شباط 2011 - 6:44 ص    عدد الزيارات 585    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
تحديات الانتقال من حكومة "حزب الله" إلى حكومة مقبولة
ميقاتي القوي ميقاتي الضعيف

"سفير أوروبي يمثل دولة بارزة أرسل الى حكومته من بيروت تقريراً عن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وخططه وتوجهاته جاء فيه ان ثلاثة عوامل أساسية تدفع الى الاعتقاد حتى الآن أن حكومة ميقاتي قد تكون "حكومة حزب الله" أو حكومة حلفاء دمشق، بقطع النظر عن نيات رئيسها وعما يمكن أن يقوم به لاحقاً. وهذه العوامل هي الآتية:
أولاً - وافق ميقاتي على تأليف الحكومة وهو يعلم جيداً ان اسقاط حكومة الوحدة الوطنية تمّ بقرار اتخذه نظام الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه بعدما رفض رئيسها سعد الحريري الرضوخ لمطالب السوريين وحلفائهم وشروطهم المتشددة التي تحقق لهم كل المكاسب وتضعف لبنان داخلياً وخارجياً، وسعى في المقابل طوال أشهر وفي رعاية سعودية الى انجاز حل شامل ومتوازن للمشكلة اللبنانية ولقضية المحكمة الخاصة مقبول من كل الأفرقاء يؤمن العدالة والاستقرار معاً ويحقق مصالح اللبنانيين الحيوية ويشمل اتخاذ اجراءات محددة لحظر استخدام العنف والسلاح في الصراع السياسي الداخلي. وقد رفض حلفاء دمشق هذا الحل الشامل.
ثانياً - لم يتشاور ميقاتي سلفاً في شأن قبوله بتأليف الحكومة مع الحريري حليفه الأساسي الذي خاض معه الانتخابات الأخيرة والذي يمثل الغالبية الساحقة من السنة ويرئس أكبر كتلة نيابية، بل اتخذ قراره هذا بالاتفاق مع نظام الأسد و"حزب الله" ثم اطلع حليفه السابق عليه.
ثالثاً - انحاز ميقاتي، بقراره هذا الى خيار الحل الجزئي الذي تدعمه سوريا ويهدف الى محاولة تعطيل عمل المحكمة واضعاف الحريري والاستقلاليين وذلك بعدما تخلت السعودية عن التعاون مع نظام الأسد لايجاد حل شامل ومتوازن للمشكلة اللبنانية يؤمن مصالح كل الأفرقاء وليس مصالح حلفاء دمشق وحدهم.
وأوضح السفير الأوروبي في تقريره "أن ميقاتي لم يقل كلمته الأخيرة بل انه اتخذ في الأيام الاخيرة مواقف تتناقض الى حد كبير مع ما يريده ويتمناه حلفاء دمشق في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة وضرورة تأمين الاجماع الوطني على أي قرار يتناول التزامات لبنان حيالها وفي ما يتعلق بقضايا داخلية وخارجية مهمة أخرى. ونجاح ميقاتي في مهمته الجديدة يتحقق اذا عمل على انقاذ البلد من مشكلته المعقدة من طريق التوصل الى حل متوازن يضمن الحقوق والمصالح المشروعة لكل الأفرقاء وللبنانيين عموماً عوض أن يكون أسير حلفاء دمشق ويعمل على تأمين تغطية لخططهم وتوجهاتهم".
هذا ما أدلت به مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس وثيقة الاطلاع على مسار الأوضاع في لبنان. وأوضحت ان المسؤولين في الدول العربية والأجنبية المعنية بمصير لبنان يرون ان السمعة الشخصية لميقاتي وسمعته كسياسي "جيدة" لأنه "ليس رجل قتال بل رجل حوار" ولأنه "وفاقي وسطي معتدل منفتح على الآخرين"، لكن تجربته الجديدة كرئيس للحكومة "ستكون هي المحك الحقيقي له ولقدرته على التزام العمل لمصلحة لبنان وجميع اللبنانيين وليس لمصلحة حلفاء دمشق وحدهم". وأشارت الى ان ميقاتي يتمتع بمصدر قوة أساسي ويعاني نقاط ضعف عدة.
وقالت المصادر ان القوة الأساسية لميقاتي تكمن في ان حلفاء دمشق يحتاجون اليه فعلاً "لأنه الخيار الأفضل لهم في هذه المرحلة ولهم تالياً مصلحة في نجاح تجربته ولأنهم يريدون أن يثبتوا أن اسقاط حكومة الحريري لن يقود الى انهيار لبنان وخرابه بل انهم قادرون بالتعاون مع الرئيس الجديد للحكومة على معالجة المشاكل العالقة بطريقة مقبولة". وضمن هذا السياق تلقت باريس معلومات تفيد أن نظام الأسد اتخذ منذ شهرين أو ثلاثة أشهر قراراً بايصال ميقاتي الى رئاسة الحكومة وبالتخلي عن دعم الحريري لأنه لم ينفذ كل مطالب دمشق وحلفائها المتعلقة بالمحكمة الخاصة وما يرتبط بها وبمسار العلاقات اللبنانية - السورية وبقضايا أخرى مهمة. وانتظر نظام الأسد "الوقت المناسب" لتنفيذ قراره هذا، فتحقق ذلك حين تخلت السعودية عن تعاونها مع سوريا لتسوية المشكلة اللبنانية. وقد رشح الرئيس عمر كرامي لتأليف الحكومة "اعلامياً" و"مناورة" من اجل التهويل واظهار استعداد نظام الأسد وحلفائه للذهاب الى النهاية في المعركة مع المحكمة ومع الاستقلاليين. والواقع ان ترشيح كرامي هدف الى تمهيد الطريق أمام ميقاتي ليتولى هذه المسؤولية على أساس انه يمكن أن يكون مقبولاً من أطراف عدة في الداخل والخارج خلافاً لكرامي "مرشح التحدي والمواجهة داخلياً وخارجياً". وكما قال ديبلوماسي أوروبي مطلع، "أراد نظام الأسد، من خلال دعم ميقاتي، أن يظهر نوعاً من المرونة وأن يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال التوصل الى تفاهمات في شأن لبنان مع جهات عربية ودولية معنية بالأمر. لكن اسم ميقاتي ليس كافياً وحده لتحقيق هذا الهدف لأن الجهات العربية والدولية المعنية ستتعامل معه في ضوء أعماله وقراراته وتوجهات حكومته وليس بناء على ماضيه واقتناعاته الشخصية".

 

نقاط ضعف ميقاتي

وأضافت المصادر الأوروبية المطلعة ان نقاط الضعف الأساسية لميقاتي هي الآتية:
أولاً - ان ميقاتي شخصية سياسية محترمة لكنه ليس زعيماً سياسياً يمتلك قاعدة شعبية كبيرة ودعماً سياسياً واسعاً على امتداد الوطن كالحريري، وليست لديه كتلة نيابية كبيرة وحتى صغيرة خاصة به، بينما يتزعم سلفه أكبر كتلة نيابية اسلامية - مسيحية. وهذا يعني أن ميقاتي مضطر الى الاعتماد على حلفاء دمشق وخصوصاً على "حزب الله" داخل مجلس الوزراء وفي مجلس النواب لاتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير أمور الدولة ومعالجة شؤون المواطنين.
ثانياً - وصل ميقاتي الى موقعه الجديد ليس على أساس انه مرشح توافقي لرئاسة الحكومة اذ انه لم يحصل سلفاً على دعم القاعدة الشعبية السنية التي ينتمي اليها أو على دعم الكتلة النيابية التي تحالف معها في الانتخابات الأخيرة، بل وصل الى هذا الموقع مرشحاً للقوى التي تريد الحاق الهزيمة السياسية بالحريري والاستقلاليين وتحاول، أيضاً، اضعاف دور السنة في البلد من خلال العمل على شق صفوفهم، وفقاً لما يقوله عدد من السياسيين والمحللين. وهذا الواقع يجعل ميقاتي مرتهناً سياسياً الى حد كبير لدمشق وحلفائها.
ثالثاً - المطالب التي يريد حلفاء دمشق تحقيقها من خلال الاعتماد على ميقاتي وبالتعاون معه تتناقض مع ما يريده السنة في غالبيتهم الساحقة، كما تتناقض مع ما يريده اللبنانيون في غالبيتهم. اذ ان حلفاء دمشق يريدون ضمن اطار حكومة ميقاتي تعطيل عمل المحكمة ونزع الشرعية اللبنانية عنها من خلال فك ارتباط لبنان بها. ويريدون اضعاف استقلال لبنان وسيادته والحد من الدعم الدولي والعربي له واعادة ربطه تدريجاً بسوريا. ويريدون، ضمناً أو علناً، تقليص دور رئيس الحكومة وصلاحياته خلافاً لما ينص عليه الدستور، ويرغبون في "الانتقام" من المرحلة الحريرية مع كل ما تمثله وتعنيه. وهذه المطالب ليست شعبية ويصعب جداً تقبلها داخلياً وخارجياً وهي تتناقض أساساً مع اقتناعات ميقاتي وتوجهاته ومصالحه. وهذه نقطة ضعف له.
رابعاً - يواجه ميقاتي معارضة شعبية وسياسية واسعة وجدية من الطائفة التي ينتمي اليها ويفترض فيه أن يمثلها ويدافع عن حقوقها وذلك بسبب ظروف وصوله الى السلطة ولأن حلفاء دمشق يريدون "استخدامه" لمحاربة الحريري وحلفائه. ويتعرض ميقاتي أيضاً "لاتهام" سياسي واعلامي في الداخل والخارج مفاده أن حكومته ستكون خاضعة ﻟ"حزب الله". وليس ممكناً تجاهل هذين الأمرين أو تقليل أهميتهما سواء بسبب التركيبة الطائفية للنظام اللبناني، أو بسبب حدة الصراع بين ايران وحلفائها من جهة، والدول العربية المعتدلة والمجتمع الدولي من جهة ثانية، أو بسبب نيات اسرائيل العدوانية. وسيواجه ميقاتي مصاعب وتحديات وضغوطاً عدة في الداخل والخارج اذا اتخذت حكومته قرارات واجراءات تحقق أهداف "حزب الله" وحلفائه على حساب العدالة ومصالح اللبنانيين الحيوية وتجعل لبنان جزءاً من المحور السوري - الايراني ومخططاته.
خامساً - يواجه ميقاتي واقعاً سياسياً وشعبياً صعباً ومعقداً لن يستطيع تجاهله أو تجاوزه ويشكل نقطة ضعف له وهو ان حلفاء دمشق الداعمين له "ألحقوا الظلم" بالحريري وأسقطوا حكومته وأصروا على عدم عودته الى منصبه لأنه تمسك بصيغة حل عادلة ومتوازنة للمشكلة اللبنانية ولقضية المحكمة تؤمن مصالح كل الأفرقاء وتحقق العدالة والاستقرار معاً وتهدف الى معالجة القضايا الأساسية العالقة في اطار التوافق الوطني بعيداً من املاءات حلفاء دمشق. وعوض أن يدعم ميقاتي مواقف الحريري هذه فانه انفصل عنه ووافق على تأليف حكومة يدعمها خصومه.
سادساً - عجز ميقاتي عن تأليف حكومة وحدة وطنية أو حكومة توافق وطني نقطة ضعف حقيقية له اذ ان لبنان يحتاج الى التوافق الوطني لاتخاذ القرارات الأساسية وتسوية القضايا المهمة العالقة سواء تعلق الأمر بالمحكمة أم بسلاح "حزب الله" الذي يستخدم في الداخل، أم بمسار العلاقات اللبنانية - السورية، أم بموقع لبنان في الساحتين العربية والدولية، أم باستراتيجية التعامل مع أخطار اسرائيل ومع المشاكل الاقليمية الحادة والساخنة.
وفي رأي المصادر الديبلوماسية الأوروبية المطلعة "ان نقاط الضعف هذه التي يعانيها ميقاتي تجعل مهمة حلفاء دمشق في التعامل معه صعبة ومعقدة، ذلك انه قد يرفض الاستجابة لمطالب متشددة معينة تجعله أسير فريق سياسي واحد مرتبط بالمحور السوري - الايراني. لكن ميقاتي، في الوقت عينه، لن يمتلك الدعم السياسي الكافي والضروري في مجلسي الوزراء والنواب للتمرد على حلفائه الجدد وللامتناع عن تنفيذ مطالبهم. وحينذاك سيجد نفسه أمام ثلاثة خيارات صعبة: أما الرضوخ لحلفاء دمشق، واما الاستقالة، واما طلب مساعدة الحريري وحلفائه".

 

لماذا غضبت دمشق على الحريري؟

وقال لنا ديبلوماسي أوروبي معني بالملف اللبناني: "ان المعلومات التي حصلنا عليها من بيروت ودمشق وعواصم أخرى تفيد أن ميقاتي يريد فعلاً وبالتعاون مع الرئيس ميشال سليمان ايجاد توافق وطني لمعالجة القضايا المهمة العالقة ومنها قضية المحكمة ويريد الحفاظ على علاقات لبنان القوية مع السعودية ومصر والدول العربية المعتدلة ومع أميركا وفرنسا وسائر الدول الغربية اضافة الى تحسين العلاقات مع سوريا، كما انه يريد احترام التزامات لبنان الدولية ومواصلة تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومنها القراران 1701 و1757 الذي أنشأ المحكمة. في المقابل، يريد حلفاء دمشق أن تكون حكومة ميقاتي حكومة مواجهة مع خصومهم السياسيين في الداخل وفي الخارج مع الدول والجهات المعارضة لسياسات المحور السوري - الايراني وتوجهاته". وأضاف: "ميقاتي يدرك تماماً ان مصلحته الحقيقية تقضي بأن تسعى حكومته الى التوافق والتفاهم مع سائر الأفرقاء، ولو لم يشاركوا كلهم في الحكومة، لمعالجة القضايا المهمة والحساسة العالقة، لكن حلفاءه الجدد يريدون فرض شروطهم ومطالبهم على الآخرين وليس التوصل الى تفاهم أو توافق معهم، وهو ما أثبتوه من خلال تعاملهم مع الحريري الذي أبدى انفتاحاً على نظام الأسد وعلى "حزب الله" لم يقدم عليه أي زعيم سياسي استقلالي منذ الانسحاب السوري من لبنان، لكنهم ردوا على هذا الانفتاح بالتشدد وبطرح مطالب قصوى وبرفض التعاون معه".
وذكر الديبلوماسي الأوروبي "ان المعلومات التي يملكها المسؤولون الفرنسيون والأميركيون تكشف أن نظام الأسد وحلفاءه غضبوا على الحريري بل نقموا عليه لأنه رفض فك ارتباط لبنان بالمحكمة قبل صدور القرار الاتهامي وتمسك بضرورة انتظار صدور هذا القرار للاطلاع عليه واتخاذ القرارات المناسبة في ضوء مضمونه بطريقة تحقق العدالة والاستقرار معاً، كما رفض الحريري اعطاء قضية شهود الزور الأولوية على قضية الاغتيالات السياسية، ورفض تنفيذ مجموعة مطالب تهدف الى اعادة ربط لبنان بسوريا، ورفض تلقي "تعليمات" من المسؤولين السوريين تتعلق بتحالفاته وارتباطاته الداخلية وبفريقه السياسي".
وخلص الديبلوماسي الأوروبي الى القول: "حاجة حلفاء دمشق الماسة الى ميقاتي تمنحه هامشاً للمناورة وقدرة على التحرك بحرية الى حد ما. لكن نظام الأسد وحلفاءه لم يأتوا بميقاتي كي ينجح وحده ويعزز موقعه في الساحة السياسية، بل أتوا به كي ينجحوا بواسطته في تأمين مطالبهم وتنفيذ أهدافهم ومخططاتهم ويحققوا ما عجزوا عن تحقيقه مع الحريري. هذه هي الحقيقة الأساسية في المعادلة السياسية الجديدة في لبنان بل هذه هي المشكلة الأساسية التي يواجهها رئيس الوزراء المكلّف، على رغم تصريحاته ومواقفه العلنية الكثيرة التي تعكس رغبته في طمأنة الحريري والاستقلاليين والدول الحريصة على مصير لبنان. ولن يكون ميقاتي رئيساً ناجحاً للحكومة اذا بقي في منصبه فترة من الوقت وفشل في انقاذ لبنان ومعالجة مشاكله العالقة ورضخ لضغوط حلفاء دمشق لأن ذلك يزيد حدة الانقسام الداخلي ويضعف لبنان ويهدد مصالح أبنائه".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,404,765

عدد الزوار: 7,756,284

المتواجدون الآن: 0