شروط صعبة لاحياء التعاون السعودي - السوري

تاريخ الإضافة السبت 12 شباط 2011 - 6:47 ص    عدد الزيارات 606    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
شروط صعبة لاحياء التعاون السعودي - السوري
ميقاتي: أنا رئيس الحكومة وأنا من يقرر

"يتصرف الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في تعامله مع مسألة تأليف الحكومة وفي تحديد دوره السياسي في المرحلة المقبلة استناداً الى اقتناعين أساسيين:
أولاً - انه يستطيع، بعد تأليف الحكومة، أن يساهم في اعادة احياء التفاهم السعودي - السوري أو أن يكون جزءاً من تفاهم عربي - اقليمي - دولي للتوصل الى حل للمشاكل اللبنانية المعقدة ولقضية المحكمة الخاصة بلبنان يكون مقبولاً لدى كل الأفرقاء اللبنانيين، الأمر الذي يعزز الأمن والاستقرار والسلم الأهلي ويساعد على تأمين المطالب الحيوية الأساسية والمشروعة للبنانيين.
ثانياً - أنه يمكنه في تحركاته واتصالاته أن يعتمد على علاقة ثقة ومودة قوية تربطه بالرئيس بشار الأسد بينما اتسمت العلاقة بين الأسد ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بوجود أزمة ثقة حقيقية وخصوصاً نتيجة رفض الأخير تنفيذ مجموعة مطالب متشددة قدمها اليه النظام السوري وحلفاؤه وتهدف الى تعطيل عمل المحكمة واعادة ربط لبنان بسوريا تدريجاً. ويتصرف ميقاتي على أساس ان علاقته القوية بالأسد ستذلل العقبات أمامه وستؤمن له القدرة على التعامل بفاعلية مع حلفاء دمشق وعلى مواجهة المسائل العالقة من خلال استخدام الوسائل والأساليب المناسبة والمرنة أحياناً لمعالجتها بالتنسيق والتشاور مع القيادة السورية".
هذا ما قالته لنا مصادر ديبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع في باريس، بناء على معلومات تلقتها من مسؤولين لبنانيين وسوريين ومن شخصيات مقربة من ميقاتي. وأوضحت أن ميقاتي يتحرك، انطلاقاً من هذين الاقتناعين، بثقة واضحة لتأليف الحكومة الجديدة وتجاوز العقبات المتعددة التي تعترضه، وان هذه الثقة دفعته الى اتخاذ مواقف علنية، عبر مقابلاته مع وسائل الاعلام وتصريحاته، تتناقض بوضوح مع مواقف "حزب الله" وحلفائه من القضايا العالقة، مما فاجأ الكثير من الديبلوماسيين والمراقبين وأثار تساؤلاتهم عن جدية هذه المواقف المعلنة ومدى تمسك رئيس الوزراء المكلف بها لاحقاً. فقد كرر ميقاتي مراراً انه يريد تأمين اجماع وطني لبناني من طريق الحوار مع كل الأفرقاء وغطاء عربي للتوصل الى اتفاق مقبول على قضية المحكمة الخاصة والتزامات لبنان تجاهها خلافاً لموقف "حزب الله" الذي يريد أن تتخذ الحكومة الجديدة بسرعة قراراً بفك ارتباط لبنان بالمحكمة ولو لم يوافق على هذا القرار الحريري والاستقلاليون. وقال ميقاتي أيضاً في تصريحاته انه يجب عدم شل عمل الحكومة بسبب الخلاف على المحكمة وأي موضوع آخر، ودافع عن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وعن شخصيات أمنية وقضائية مقربة من الحريري يشن عليها حلفاء دمشق حملات قاسية، ورأى انه يجب اخضاع ملف شهود الزور لدراسة قانونية، وأعلن انه سيتعامل مع موضوع مذكرات التوقيف الغيابية السورية في حق 33 شخصية استناداً الى نص الاتفاق القضائي اللبناني – السوري وهواتفاق يمنع تسليم أي من هؤلاء المطلوبين الى السلطات السورية، وأكد انه يريد اقامة علاقات قوية مع أميركا والمجتمع الدولي وليس فقط مع سوريا، ورفض استخدام كلمة "تعجيزية" التي استخدمتها حركة "أمل" في وصف مطالب كتلة "المستقبل" المقدمة اليه والداعية الى التمسك بالمحكمة ووضع خطة زمنية لجمع السلاح الموجه الى صدور الناس وتنفيذ مقررات طاولة الحوار بل قال انها مطالب طبيعية.
وما استرعى انتباه ديبلوماسي أوروبي معني بالملف اللبناني هو التصريح الذي أدلى به ميقاتي الى مراسل صحيفة "النيويورك تايمس" أنطوني شديد وقال فيه: "لن أقوم بأي تحرك ضد المحكمة قبل التوصل الى توافق لبناني كامل" على هذه القضية. وسأله الصحافي الأميركي ما اذا كان "حزب الله" سيقبل موقفه هذا فأجاب: "أنا رئيس الحكومة وأنا من سيقرر. واذا لم يقبلوا موقفي هذا فليرفضوه".
ووفقاً لهذا الديبلوماسي الأوروبي، "يريد ميقاتي أن يطمئن الحريري والاستقلاليين والجهات العربية والدولية الحريصة على مصير لبنان الى أنه لم يأت الى رئاسة الحكومة ليدافع عن مصالح "حزب الله" وحلفائه بل ليدافع عن مصالح جميع اللبنانيين وحقوقهم لأن اكتفاءه بتمثيل حلفاء دمشق سيكون فشلاً له اذ أن هذا الأمر يزيد حدة الانقسام في لبنان ويمنع معالجة القضايا المهمة العالقة بطريقة مناسبة ويضع الحكومة في مواجهة مع المجتمع الدولي ومع دول بارزة عدة. وحين تتألف الحكومة سينتهي وقت الكلام والوعود ويبدأ وقت الأفعال والقرارات ويتضح حينذاك اذا كان ميقاتي سيتمسك بمواقفه المعلنة أم لا".

 

السعودية وميقاتي

والسؤال المطروح في باريس وواشنطن وعواصم أخرى هو: هل اتخذ ميقاتي هذه المواقف المعلنة استناداً الى معلومات دقيقة وصحيحة يملكها وبعد حصوله على ضمانات وتعهدات من الأسد ومن جهات عربية ودولية بارزة ومؤثرة، أم انه اتخذ هذه المواقف استناداً الى وعود عامة وتمنيات شخصية وتحليلات ذاتية للمرحلة السابقة ولمسار الأوضاع في لبنان والمنطقة؟
المعلومات الخاصة التي حصلنا عليها من مصادر ديبلوماسية أوروبية وأميركية وعربية معنية بالملف اللبناني تؤكد الأمور الأساسية الآتية:
أولاً - ليست ثمة صفقة سعودية - سورية أو سورية - عربية - اقليمية تتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان والقضايا المهمة الأخرى العالقة جاهزة وقابلة للتنفيذ بعد تأليف حكومة ميقاتي ويمكنها أن تكون مقبولة لدى كل الأفرقاء. والتفاهم السعودي - السوري على لبنان انهار ولم يعد له وجود بسبب تشدد نظام الأسد و"حزب الله" وخلافاً لما يحاول الايحاء به حلفاء دمشق. ولن تقبل أي دولة عربية أواقليمية أو أجنبية التفاهم مع نظام الأسد على صفقة تؤدي الى تعطيل عمل المحكمة وتفرض فرضاً على سائر الأفرقاء اللبنانيين.
ثانياً - لن تقبل السعودية باحياء تعاونها مع سوريا لمعالجة المشاكل اللبنانية العالقة اذا لم يتراجع نظام الأسد عن مطالبه القصوى ومواقفه المتشددة فيتخلى عن التمسك بحل جزئي يهدف الى تعطيل عمل المحكمة ويقبل بالتعاون الجدي والواضح مع القيادة السعودية لمساعدة كل الأفرقاء اللبنانيين على ايجاد حل شامل ومتوازن للمشاكل العالقة ويؤدي الى التعامل مع تداعيات القرار الاتهامي بطريقة مقبولة لدى كل الأفرقاء وتحقق العدالة والاستقرار معاً وليس نسف المحكمة والدخول في مواجهة مع مجلس الأمن والمجتمع الدولي ودول بارزة عدة. وهذا الحل الشامل الذي تدعمه السعودية يجب أن يؤدي الى اتخاذ خطوات محددة وجدية لنزع السلاح غير الشرعي من كل القوى والأحزاب ولسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ووضعه تحت سلطة الجيش، ويجب أن يؤدي الى التفاهم على مصير سلاح المقاومة في اطار استراتيجية دفاعية جديدة، والى التمسك بالمشاركة الوطنية في الحكم والحفاظ على صيغة العيش المشترك وتعزيز دور الدولة ومؤسساتها الشرعية ومواصلة تنفيذ اتفاق الطائف.
ثالثاً - المعلومات التي تلقتها جهات أوروبية رسمية من الرياض وبيروت وعواصم أخرى تفيد أن السعودية رفضت حتى الآن اتخاذ موقف علني من ميقاتي لأنها "منزعجة" منه و"مستاءة" من تخليه عن حليفه الحريري وموافقته على تأليف حكومة جديدة نتيجة قرار اتخذه نظام الأسد وذلك للأسباب الأساسية الآتية:
أولاً - يبدو ميقاتي حتى الآن جزءاً من مشروع سوري مدعوم ايرانياً لادارة شؤون لبنان ولتعزيز نفوذ "حزب الله" وحلفائه، بينما سعت السعودية عبر التفاهم مع سوريا الى ايجاد حل شامل ومتوازن للمشاكل العالقة مقبول لدى كل الأفرقاء ويعزز استقلال لبنان وسيادته ويحقق العدالة والاستقرار معاً.
ثانياً - دعمت السعودية وتدعم وجود حكومة وحدة وطنية لادارة شؤون لبنان وتصرف ميقاتي يمنع قيام مثل هذه الحكومة المفترض أن يرئسها الحريري الذي يمثل الغالبية الساحقة من السنة ويتزعم أكبر كتلة نيابية اسلامية - مسيحية مما يعزز حينذاك صيغة العيش المشترك بين الطوائف.
ثالثاً - تصرف ميقاتي يضعف وحدة الصف السني وان يكن السنة في غالبيتهم الساحقة يدعمون الحريري، فيما يحافظ الشيعة على وحدتهم وتماسكهم بشكل عام في ظل قيادة "حزب الله".
رابعاً - بذل الحريري جهوداً جبارة، وبتشجيع من السعودية، لتحسين العلاقات بين لبنان وسوريا على أساس الاحترام المتبادل لاستقلال كلا البلدين وسيادتهما، وسعى جدياً الى التوصل الى تفاهم مع نظام الأسد و"حزب الله" على موضوع المحكمة يحقق العدالة والاستقرار معاً، لكن حلفاء دمشق أحبطوا جهوده هذه وأسقطوا حكومته. وعوض أن يدعم ميقاتي حليفه الحريري لتعزيز مشروع الحل الشامل والمتوازن للمشاكل العالقة يحقق مصالح كل الأفرقاء، فانه تخلى عنه وانحاز الى حلفاء دمشق.
خامساً - تتبنى السعودية وتدعم مشروع تعزيز الدولة ومؤسساتها الشرعية وهو المشروع الذي يتمسك الحريري والاستقلاليون به. وفي المقابل ثمة مخاوف من أن تؤدي خطوة ميقاتي الى تعزيز دور "حزب الله" على حساب دور الدولة ومؤسساتها وعلى حساب أفرقاء أساسيين آخرين.
سادساً - لن يحصل ميقاتي على الدعم السعودي الجدي اذا كانت حكومته هي حكومة "حزب الله" وحلفائه، ولن يستطيع تأمين تأييد سعودي أوغطاء عربي لأي تفاهم لبناني اذا لم يكن هذا التفاهم مقبولاً لدى كل الأفرقاء واذا لم يضمن تحقيق العدالة واذا لم يعزز دور الدولة ومؤسساتها واذا لم يحفظ صيغة العيش المشترك واذا لم يؤمن المصالح الحيوية المشروعة لكل الطوائف واذا لم يمنع باجراءات محددة استخدام العنف والسلاح في الصراع السياسي الداخلي.
وكان أمراً لافتاً ان ميقاتي اعترف صراحة في مقابلة مع قناة "العربية" بأنه لم يتلق دعماً من القيادة السعودية اذ قال "لم أسمع أن المؤسسة السعودية الرسمية تؤيدني".

 

الحريري والمحكمة

وأفادت مصادر ديبلوماسية أوروبية وعربية وثيقة الاطلاع "ان ميقاتي لن يستطيع الاعتماد على "رواية" حلفاء دمشق في ما يتعلق بالمفاوضات التي جرت بينهم وبين الحريري ليقول ان سلفه وافق على فك ارتباط لبنان بالمحكمة وأن ثمة اجماعاً لبنانياً تالياً على اتخاذ هذا الموقف السلبي من المحكمة. فالمعلومات التي حصل عليها المسؤولون الفرنسيون والأميركيون من جهات سعودية وقطرية وتركية ولبنانية تؤكد ان حلفاء دمشق هم الذين طلبوا من الحريري فك ارتباط لبنان بالمحكمة وتحديداً وقف تمويلها وسحب القضاة اللبنانيين منها والغاء مذكرات التفاهم التي وقعها لبنان مع الأمم المتحدة ومع المحكمة، لكن الحريري لم يوقع أي اتفاق يتضمن هذه المطالب. بل ان الحريري سعى الى التوصل مع حلفاء دمشق الى تفاهم شامل لمعالجة القضايا المطروحة وأبرزها قضية علاقة لبنان مع المحكمة ونزع السلاح غير الشرعي وغير المرتبط بمقاومة اسرائيل وبسط سلطة الدولة لانهاء وجود بؤر ومحميات أمنية وسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتثبيت العمل باتفاق الطائف الذي يضمن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. والحريري لم يوافق أساساً على فك ارتباط لبنان بالمحكمة، ووقف التعامل معها قبل صدور القرار الاتهامي كما يريد نظام الأسد وحلفاؤه بل اقترح انتظار صدور القرار الاتهامي والتعامل معه وفقاً لمضمونه وللأدلة التي يستند اليها والتوصل الى اتفاق لبناني شامل على التعامل مع هذا القرار بطريقة تحقق العدالة والاستقرار معاً".
ولاحظت المصادر الأوروبية والعربية المطلعة أنه "لو وافق الحريري على مطالب حلفاء دمشق هذه لكانوا تمسكوا بحكومة الوحدة الوطنية التي يرئسها ولما كانوا أسقطوها لأنهم يحتاجون الى حكومة كهذه وبرئاسة الحريري لتنفيذ أي اتفاق يتعلق المحكمة. والحقيقة ان حلفاء دمشق أرادوا استغلال حكومة الوحدة الوطنية لتعطيل عمل المحكمة وليس لتنفيذ المطالب الأخرى التي قدمها الحريري".
وكما قال مسؤول أوروبي مطلع "أن مهمة ميقاتي بالغة الصعوبة والتعقيد اذ ان المطلوب منه منذ البداية تحقيق انجاز لبناني داخلي كبير يتمثل في اقناع حلفاء دمشق، الذين أتوا به الى رئاسة الحكومة، بالتخلي عن مطالبهم المتشددة والموافقة على تأمين الاجماع اللبناني لاتخاذ أي قرار يتعلق بالمحكمة وبالتعامل اللبناني معها. واذا تراجع ميقاتي عن مواقفه المعلنة وتخلى عن مطلب الاجماع ورضخ لمطالب حلفاء دمشق وشروطهم، فسوف يكون رئيساً لحكومة مواجهة وتحد في الداخل والخارج. وهذا في حد ذاته فشل سياسي كبير له سيتحمل هومسؤوليته، ومؤشر جدي لدخول لبنان مرحلة بالغة الحساسية والخطورة. وفي أي حال، ستجري محاسبة ميقاتي، في الداخل والخارج، استناداً الى أفعاله وقراراته وليس استناداً الى أقواله وتمنياته ووعوده".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,414,386

عدد الزوار: 7,756,525

المتواجدون الآن: 0