مصر الجديدة مع المعتدلين العرب والغرب

تاريخ الإضافة السبت 19 شباط 2011 - 7:19 ص    عدد الزيارات 608    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
مصر الجديدة مع المعتدلين العرب والغرب
دعم دولي لانتفاضة لبنانية على تسلّط السلاح

مسؤول أوروبي بارز معني بشؤون الشرق الأوسط أجرى، خلال لقاء في باريس مع مسؤول عربي كبير، تقويماً لتطورات الأوضاع في مصر وإنعكاساتها على المنطقة بناء على معلومات حصلت عليها حكومته من القاهرة وعواصم أخرى، فركز على المسائل والأمور الأساسية الآتية:
أولاً - مصر إنتقلت من عصر الى عصر وليس من نظام الى آخر، إذ ان الجيش كان، منذ ثورة 1952 حتى رحيل الرئيس حسني مبارك، هو الذي يصنع التغيير ويتخذ القرارات الأساسية المصيرية والشعب يتقبل، أما اليوم فإن الشعب هو الذي يصنع التغيير والجيش يسانده ويؤمن له الحماية ويضمن رسمياً تنفيذ مطالبه المشروعة ويتعهد إقامة نظام سياسي مدني ديموقراطي أكثر إنفتاحاً وحرصاً على حقوق المصريين ومصالحهم الحيوية. قائد الثورة المصرية الجديدة هو الشعب وليس زعيماً سياسياً معيناً، وهذه الثورة فاقت في حجمها ونتائجها توقعات منظميها الشبان، وهي ليست ثورة شعارات عقائدية بالية وغير قابلة للتحقيق بل ثورة حديثة تتمسك بمطالب أساسية محددة تهدف الى تأمين الديموقراطية والحرية والعدالة وتحسين الظروف الحياتية للمواطنين في مجالات عدة.
ثانياً - تغيير النظام المصري ليس إنتصاراً للمحور السوري - الإيراني وحلفائه لأن القيم والمبادىء والمطالب التي يتمسك بها الثوار المصريون تتناقض جوهرياً وجذرياً مع سياسات النظامين السوري والإيراني وممارساتهما وتوجهاتهما ومع طريقة تعاملهما مع شعبيهما ومع شعوب أخرى. ذلك ان المصريين ثاروا على التسلط والإستبداد والظلم والفساد وعنف النظام في التعامل مع مواطنيه وهم يريدون تحقيق العدالة وتعزيز الديموقراطية والحريات واعتماد مبدأ المحاسبة وتأمين المشاركة الواسعة في السلطة عبر إنتخابات حرة. وهذه المطالب تتناقض كلها مع طبائع الأنظمة المتسلطة وأسسها وأهدافها. والحدثان المصري والتونسي يحملان رسالة الى الشعوب الخاضعة لأنظمة متسلطة مفادها أن عليها أن تأخذ مصائرها بأيديها وتتمرد على الإستبداد والظلم وتبذل التضحيات فيتحرك العالم لمساعدتها ودعمها.
ثالثاً - مصر لن تتحول "إيران ثانية" والنظام المصري الجديد، أياً تكن طبيعة تركيبته، لن يتحالف مع المحور السوري - الإيراني لتنفيذ مخططاته المتناقضة مع المصالح الحيوية العربية لأن ذلك مرفوض لدى الجيش ولدى معظم القوى السياسية والشعبية. كما ان ظروف مصر الصعبة وحاجاتها الحيوية ومتطلبات شعبها وتطلعاته الى تحسين أوضاعه ستدفع النظام الجديد الى توثيق علاقاته مع الدول العربية المعتدلة ومع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي يحتاج اليها والى دعمها ومساعداتها وإستثماراتها لإنقاذ مواطنيه من معاناتهم ومن ظروفهم الحياتية البالغة القسوة. وأوضح المسؤول الأوروبي ان مشاورات سرية تجري حالياً بين دول عربية وأجنبية بارزة من أجل إعداد "مشروع إنقاذ كبير" على غرار "مشروع مارشال" تقدّم في إطاره  مساعدات ضخمة الى مصر بعد إستقرار الأوضاع فيها لتمكين البلد من النهوض ومعالجة مشاكله البالغة التعقيد.
رابعاً - لن يستطيع النظام المصري الجديد معالجة أوضاعه البالغة الصعوبة من خلال الإنكفاء على الذات والإهتمام بمشاكله الداخلية وحدها لأن إنقاذ الداخل يتطلب من مصر أن تضطلع بدور عربي وإقليمي أكثر نشاطاً وديناميكية من الدور الذي اضطلعت به في السنوات الأخيرة. والدور المصري المطلوب، عربياً ودولياً، يتركز على حماية المصالح العربية الحيوية وتدعيمها والمساهمة جدياً في الدفاع عن الأمن القومي العربي في مواجهة الأخطار والتهديدات المتنوعة، والتصدي لمخططات إيران ومساعيها للهيمنة على المنطقة ومحاولة تغيير موازين القوى لمصلحتها من خلال إستخدام العنف والسلاح والتدخل سلباً في ساحات عربية، أبرزها العراق ولبنان وفلسطين وبعض الدول الخليجية، ودعم الجهود الإقليمية والدولية الهادفة الى تحقيق السلام وتعزيز الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط، بطرق ووسائل مختلفة عن تلك التي اعتمدها نظام مبارك في السنوات الأخيرة. ولن يتخلى النظام المصري الجديد عن معاهدة السلام مع إسرائيل لأن ذلك يشكل مجازفة كبرى ويعيد أجواء الحرب ويتطلب إعداد الجيش المصري لمواجهة عسكرية جديدة محتملة مع الدولة العبرية، مع ما يتطلبه ذلك من نفقات ويجره من عدم إستقرار. كما ان الغاء هذه المعاهدة يؤدي الى وقف المساعدات الأميركية لمصر والى تأزم في العلاقات المصرية - الأميركية – الغربية، الأمر الذي يزيد المصاعب الداخلية لهذا البلد ومعاناة شعبه ويدخله في معارك خاسرة مع دول وجهات عدة.
ولاحظ المسؤول الأوروبي انه ليست مصادفة أن الولايات المتحدة ودولاً عربية بارزة عدة رافقت عملية التغيير في مصر ودعمت بوضوح مطالب المعارضين لمبارك ومارست ضغوطاً عدة على الرئيس المصري لإنهاء حكمه معتمدة في ذلك خصوصاً على الجيش وعلى شخصيات عسكرية وسياسية مصرية بارزة. والدعم الأميركي - الغربي الواضح والواسع للثورة المصرية الجديدة وللإنتفاضة التونسية ولأهدافهما يثير المخاوف والقلق الشديد لدى الأنظمة العربية المتسلطة والقوى المتشددة التي تستخدم العنف والسلاح لتحقيق خططها.

 

سقوط خمس أساطير

والواقع، وفقاً لمصادر أوروبية مطلعة، ان الأحداث التغييرية المبهمة التي تشهدها المنطقة وأبرزها الحدثان المصري والتونسي أسقطت خمس أساطير هي الآتية:
الأسطورة الأولى - ان الأنظمة العربية المتسلطة هي التي تؤمن الإستقرار في دولها وتمنع الفوضى أو سيطرة المتطرفين على الحكم، ولو قمعت شعوبها، وان الدول الكبرى تستطيع الإعتماد عليها والتعاون معها بكل إطمئنان وثقة لضمان مصالحها، ولكن يتعين على هذه الدول أن تتجاهل مطالب الشعوب وحقوقها المشروعة وتدعم الحكام المستبدين مهما فعلوا.
الأسطورة الثانية - إن الأنظمة العربية المتسلطة تستطيع أن تؤمن حمايتها الذاتية بالإعتماد على الأجهزة الأمنية والقمعية ووسائل الإعلام الرسمية وعبر إستخدام أساليب الخداع والتضليل لإقناع شعوبها بأن وجودها أفضل لها من أن تحكمها أنظمة ديموقراطية تسمح بالحريات والتعددية لأن الديموقراطيات تقود الى الفوضى، وفقاً لهذه الأنظمة، وتفتح الباب واسعاً أمام النفوذ الأجنبي والتدخلات الأجنبية وتضعف التوجهات والسياسات "الوطنية" لهذا النظام أو ذاك.
الأسطورة الثالثة - إن الأنظمة العربية المتسلطة أقوى من شعوبها وانها تستطيع أن تفعل ما تشاء وان المواطنين لن يجرؤوا على إسقاط جدار الخوف الذي أقامته أجهزة القمع وعلى تحدي السلطة والمطالبة بحقوقهم الحيوية المشروعة ورفض الظلم والإستبداد والتمسك بحقهم في إختيار حكامهم وممثليهم في حرية تامة وليس عبر إنتخابات مزورة نتائجها معروفة سلفاً.
الأسطورة الرابعة - إن الإسلاميين المتشددين هم الذين يشكلون البديل من الأنظمة المتسلطة، وانهم هم القادرون وحدهم على صنع التغيير الأمر الذي يقود الدول الى أوضاع أكثر سوءاً وخطورة، وان ذلك كله يشكل تهديداً جدياً لمصالح الدول الكبرى مما يجب أن يدفعها الى التساهل مع الأنظمة المتسلطة والتعاون معها وتجاهل مطالب شعوبها المشروعة. فالإسلاميون ليسوا هم الذين فجروا الإنتفاضتين الشعبيتين في تونس ومصر وليسوا هم الذين سيتسلمون السلطة في هذين البلدين.
الأسطورة الخامسة - ان الشعوب العربية عموماً تقبل الأمر الواقع بالغاً ما بلغت قسوته وتفضل الرضوخ لحكامها ولو كانوا مستبدين على أن تتمرد عليهم، وان هذه الشعوب غير راغبة في المجازفة وليست مهتمة بمبادىء الديموقراطية والحرية والعدالة وبالدفاع عن كرامتها وليست راغبة في أن تبذل التضحيات الكبيرة وتدفع الثمن الباهظ من أجل تأمين حقوقها الأساسية المشروعة ظروف حياتية أفضل لها.
والتغيير الجوهري الكبير الذي شهدته وتشهده المنطقة، استناداً الى هذه المصادر، هو أن الحدثين التونسي والمصري أسقطا هذه الأساطير والكثير من الأوهام فأظهرا ان جدار الخوف يمكن أن ينهار أمام إنتفاضة شعبية ضخمة وان الأنظمة المتسلطة يمكن أن تكون في لحظات تاريخية معينة أضعف من إرادة مواطنيها الصلبة وان تصميم الشعوب على التحرر من الظلم والإستبداد يمكن أن يكون أقوى من سلطة الأجهزة الأمنية والإستخبارية. كما أظهر الحدثان التونسي والمصري ان المواطنين صاروا يملكون أسلحة شديدة الفاعلية والتأثير، إذ انهم يستطيعون إستخدام وسائل الإتصال الحديثة ومواقع التواصل الإجتماعي لحشد الجماهير وتأمين الظروف الملائمة لتفجير الإنتفاضات الشعبية ودفع السلطة الى الرضوخ لها.

 

لبنان والثورة المصرية

وقالت المصادر الأوروبية المطلعة ان أهمية هذه الأحداث التغييرية، لبنانياً وعربياً، تنبع من العوامل الأساسية الآتية:
أولاً - ان الأحداث تبرز بوضوح الجوانب السلبية والخطرة للأنظمة العربية المتسلطة التي تظلم شعوبها وأحياناً شعوباً أخرى وتستبد بها وتحرمها  الديموقراطية والحرية والإنفتاح على أساس ان هذه مفاهيم وقيم أجنبية ليست صالحة للعرب وانها تخدم "المخططات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة" وتضعف "الصمود الوطني" و"الممانعة" في التعامل مع الأعداء. وأظهر الحدثان التونسي والمصري ان المطالبة بالديموقراطية والحرية والعدالة والإنفتاح والمحاسبة والتعددية هي ضرورة عربية بل حاجة عربية حيوية وانها من الحقوق الأساسية المشروعة للشعوب العربية وهو ما أكده الإستقلاليون اللبنانيون.
ثانياً - ان الأحداث وردود الفعل الغربية والدولية عليها والتي تركزت أساساً على تأييد المطالب الشعبية، تجعل من الصعب جداً، بالنسبة الى الولايات المتحدة والدول الأوروبية خصوصاً، التقارب مع أنظمة عربية متسلطة أو تحسين العلاقات معها وخصوصاً حين تعتمد هذه الأنظمة الأساليب القمعية ونهج الإغتيالات والتصفيات في التعامل مع شعوبها ومع شعوب أخرى.
ثالثاً - ان الأحداث تدفع الدول الغربية والجهات الدولية عموماً الى فرض شروط جديدة، معلنة أو غير معلنة، لتحسين علاقاتها مع أنظمة عربية متسلطة، وتدفعها خصوصاً الى الإهتمام أكثر بأوضاع حقوق الإنسان وبطريقة تعامل هذه الأنظمة مع شعوب عربية أخرى.
رابعاً - ان الأحداث تساعد على نشر ثقافة أخرى، عبر إستخدام وسائل الإتصال الحديثة، تعكس المطالب الحقيقية للشعوب وتركز على الحاجة الى الديموقراطية والحريات والعدالة والإصلاح ومكافحة الفساد ورفض الإستبداد وأساليب القمع والتمسك بسلطة القانون، وهي مختلفة جوهرياً عن ثقافة الأنظمة العربية المتسلطة وعن الروايات الرسمية المضللة التي تمجد الحكام، مهما فعلوا، وتتجاهل المصالح الحيوية للمواطنين ومطالبهم المشروعة.
خامساً - ان الأحداث يمكنها أن تعزز التقارب والتعاون بين دول بارزة ومؤثرة والقوى العربية الديموقراطية ومنها القوى الإستقلالية في لبنان التي تعمل، بالوسائل السلمية المشروعة، على منع إخضاع بلدها مجدداً لأي هيمنة إقليمية وتتمسك بمبادىء الديموقراطية والحرية والعدالة والتعددية.
وترى المصادر الأوروبية المطلعة أن الأحداث التغييرية في المنطقة ستكون لها الإنعكاسات الأساسية الآتية على الأوضاع في لبنان:
أولاً - هذه الأحداث ستزيد تمسك المجتمع الدولي والدول البارزة والمؤثرة بالمحكمة الخاصة المكلفة النظر في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم أخرى مرتبطة بها، وستدفعها الى إتخاذ إجراءات وخطوات ضد الجهات المحلية والإقليمية التي تريد تعطيل عمل المحكمة ومنع تحقيق العدالة ووضع حد لنهج الإغتيالات.
ثانياً - الدول الغربية وفي مقدمها أميركا لم تفجر الإنتفاضتين الشعبيتين في تونس ومصر لكنها قدمت دعماً واضحاً وفي مجالات عدة لقوى التغيير في هذين البلدين. ولن تفجر أميركا والدول الغربية الأخرى إنتفاضة شعبية جديدة واسعة في لبنان، لكنها ستوفر الدعم لأي حركة إحتجاجية شعبية واسعة تتصدى للقوى المحلية والإقليمية التي تريد أن تفرض بواسطة العنف والسلاح مطالب وشروطاً على اللبنانيين تتناقض مع مصالحهم الحيوية المشروعة وتهدد مصير هذا البلد.
ثالثاً - ستتعامل أميركا والدول الغربية الأخرى بحزم أشد مع أي جهود إقليمية تهدف الى إخضاعه مجدداً للهيمنة السورية والى ربطه بالمحور السوري - الإيراني الأمر الذي قد يفجر حرباً لبنانية - إسرائيلية تتحول إقليمية وتشكل تهديداً جدياً للأمن والسلم في المنطقة وفي الساحة الدولية. وستدعم هذه الدول أي حركة شعبية لبنانية واسعة تتصدى لهذه الجهود الإقليمية وترفضها وتعمل على إحباطها بالوسائل السلمية المشروعة.
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,424,689

عدد الزوار: 7,756,859

المتواجدون الآن: 0