العرب وميقاتي: حذر وشروط حكومة الأحلام وحكومة الواقع

تاريخ الإضافة السبت 19 آذار 2011 - 4:59 ص    عدد الزيارات 624    التعليقات 0

        


 

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
العرب وميقاتي: حذر وشروط حكومة الأحلام وحكومة الواقع

أفاد مسؤول عربي بارز في إتصالات مع مسؤولين أوروبيين وأميركيين ان الدول العربية الحريصة على مصير لبنان تدعم بشروط الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وترفض أن تؤيد سلفاً حكومة تجهل تركيبتها وطبيعة توجهاتها ولذلك تتعامل بحذر شديد مع هذا الموضوع الحساس. وشدد المسؤول العربي على أن تصريحات ميقاتي ومواقفه العلنية وتمنياته وآماله شيء ومدى قدرته على تنفيذ وعوده شيء آخر، إذ ان هذه الدول العربية ترغب في تشكيل حكومة تساعد على إنقاذ لبنان لا أن تقوده الى الدمار، وتحميه من الإنقسام الحاد وتعزز الوحدة الوطنية والسلم الأهلي ودور الدولة ومؤسساتها الشرعية وتمنع هيمنة فريق سياسي على البلد وتحترم التزامات لبنان الدولية وتواصل دعم عمل المحكمة الخاصة بلبنان وتنفذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتكمل تطبيق إتفاق الطائف وتلتزم مضمون إتفاق الدوحة الذي يحّظر إستخدام العنف والسلاح في الصراع السياسي الداخلي وتمنع إبعاد البلد عن الصف العربي وضمّه الى المحور السوري - الإيراني وتتخذ الإجراءات الضرورية والقرارات المناسبة لعدم إستخدام الساحة اللبنانية منطلقاً لتفجير حرب جديدة مع إسرائيل مما يشكل تهديداً خطراً للأمن والسلم الإقليميين. وذكر المسؤول العربي ان هذه الدول العربية ترفض أن تساند فعلاً وليس كلامياً حكومة يقودها فريق سياسي واحد وتنقلب على صيغة التوافق الوطني لمعالجة المشاكل المهمة العالقة، وتتخذ إجراءات وقرارات تهدد العيش المشترك والأمن والإستقرار وتفجّر نزاعات داخلية وتعزل لبنان عن محيطه العربي وعن المجتمع الدولي وتعرقل تحقيق العدالة وتعتمد الكيدية وسياسة الإنتقام من فريق لبناني يمثل الغالبية الشعبية أبعد عن السلطة من طريق التهديدات والضغوط المتنوعة".
هذا ما نقلته الينا مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس مطلعة على مضمون هذه الإتصالات. وأوضحت ان الجهات الرسمية الفرنسية والأميركية والدولية المعنية بمصير لبنان تؤيد هذا الموقف العربي إذ ان دعمها لميقاتي مشروط أيضاً ومرتبط أساساً بقدرته على تشكيل حكومة مقبولة لبنانياً وعربياً ودولياً وتعمل لمصلحة لبنان المستقل السيد واللبنانيين عموماً وليس لمصلحة فريق مرتبط بجهات إقليمية ذات أطماع في هذا البلد تريد تحقيقها من خلال حكومة يقودها ويوجهها "حزب الله" وحلفاؤه.
وحرص المسؤول العربي على أن يشرح للمسؤولين الأوروبيين والأميركيين حقيقة الموقف الذي إتخذه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بعد إجتماعهم في الرياض الأسبوع الماضي فقال: "إن الوزراء الخليجيين، في بيانهم المدروس بعناية، لم يقدموا دعماً لميقاتي ولحكومته لأن هذه الحكومة ليس لها وجود حتى الآن، بل إنهم حددوا ضمناَ توقعاتهم منها فنوهوا "بالمضامين الإيجابية" التي وردت في خطاب الرئيس المكلف والمتناقضة الى حد بعيد مع مطالب "حزب الله" ومواقفه، وتمنوا "تشكيل حكومة تحقق آمال الشعب اللبناني وتطلعاته" وليس آمال فريق معين، وشددوا على "دعمهم الكامل للأمن والإستقرار والوحدة الوطنية" وعلى ضرورة إحترام "القواعد الدستورية التي توافق عليها جميع اللبنانيين "مما يعكس حرصهم على أن تتألف الحكومة ضمن إطار التوافق اللبناني العام. وطالب الوزراء الخليجيون في بيانهم أيضاً بالإستناد الى إتفاق الطائف الداعم للمناصفة بين المسلمين والمسيحيين ولدور الدولة وسلطتها، وبالإستناد أيضاً الى إتفاق الدوحة الذي يدعو الى تشكيل حكومة وحدة وطنية ويحظر إستخدام العنف والسلاح في الداخل لتحقيق مكاسب سياسية.

معارك ميقاتي
ضمن هذا السياق قالت المصادر الأوروبية المطلعة، إستناداً الى إتصالاتها مع جهات لبنانية عدة، ان ميقاتي خاض ويخوض خمس معارك سياسية في وقت واحد لضمان تشكيل حكومة "لائقة ومقبولة" في الداخل والخارج تطمئن اللبنانيين الى حد كبير، وتساعد على تحسين الأوضاع البالغة الصعوبة في هذا البلد، وهذه المعارك هي الآتية:
□ المعركة الأولى – خاضها ويخوضها ميقاتي مع حلفائه الجدد لإقناعهم بضرورة تقليص مطالبهم المتشددة القصوى المتعلقة بتركيبة الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية بين الأفرقاء المشاركين فيها وهويات الوزراء وطبيعة مهماتها ومضمون برنامجها للمرحلة المقبلة، بطريقة تؤمن نجاحها. وكما قال ديبلوماسي أوروبي مطلع: "ان ميقاتي يرفض حتى الآن أن يكون مجرد واجهة لحكومة يحدد سياساتها وتوجهاتها "حزب الله" وحلفاؤه".
□ المعركة الثانية – يخوضها ميقاتي مع "حزب الله" تحديداً وتهدف الى الحفاظ على علاقات لبنان الدولية الجيدة والواسعة من خلال إقناعه بضرورة التعامل مع المحكمة الخاصة بلبنان على أساس انها واقع دولي فرضه مجلس الأمن بقرار ملزم للبنان صادر إستناداً الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ويحمل الرقم 1757، وعلى أساس أن مصلحة لبنان ليست في التخلي عن التزاماته الدولية والدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي والدول البارزة والمؤثرة، وعلى أساس انه ليس قادراً شخصياً على تحمل مسؤولية منع تحقيق العدالة والوقوف ضد المحكمة، وان المطلوب "تفهم" هواجس الحزب والتوصل الى صيغة "خلاقة" ومقبولة لدى كل الأفرقاء تؤكد التمسك بالعدالة وبضرورة إحترام التزامات لبنان الدولية وكشف حقيقة جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وجرائم أخرى مرتبطة بها مع التشديد في الوقت عينه على معارضة تسييس المحكمة ورفض تقبل توجيه الإتهامات الى أي شخص إستنادا الى شهادات مزورة أو مضللة والى قرائن وأدلة ضعيفة غير قاطعة أو صلبة.
□ المعركة الثالثة – يخوضها ميقاتي مع حلفائه الجدد من أجل الحفاظ على دور رئيس الحكومة وموقعه وفقاً لما ينص عليه الدستور اللبناني الذي يمنح رئيس الحكومة صلاحيات مهمة أبرزها انه هو "الذي يجري الإستشارات النيابية لتشكيل الحكومة" وهو الذي "يوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها" وهو الذي "يمثل الحكومة ويتكلم بإسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء" وهو الذي "يدعو مجلس الوزراء الى الإنعقاد ويضع جدول أعماله". وهذه المعركة مهمة وأساسية لأن المسؤولين السوريين وحلفاءهم يريدون تقليص دور رئيس الحكومة الى أدنى حد، ولذلك إختاروا رئيساً لها ليس مدعوماً من كتلة نيابية كبيرة، وبحيث تكون السلطة التنفيذية في أيدي حلفاء دمشق وخصوصاً إذا حصلوا على أكثر من ثلثي الحقائب الوزارية فيها.
المعركة الرابعة يخوضها ميقاتي مع حلفائه الجدد أيضاً من أجل الحفاظ على دور رئيس الجمهورية وموقعه وصلاحياته، إذ انه يرغب في حصول الرئيس ميشال سليمان على حصة في الحكومة لا تقل عن ثلاث حقائب وزارية ومنها وزارتا الداخلية والدفاع، لأسباب محلية وخارجية، كما انه يرغب في أن يمتلك مع الرئيس سليمان "الثلث الضامن" في الحكومة لكي يتمكنا من الإضطلاع معاً بدور مؤثر في توجيه عمل الحكومة وإدارة شؤون الدولة.
□ المعركة الخامسة – يخوضها ميقاتي مع الدول العربية والأجنبية البارزة المعنية بمصير لبنان وعلى رأسها السعودية وأميركا وفرنسا لمحاولة إقناعها بتقديم دعم واضح له ولمساعيه وجهوده وبإعطاء الحكومة الجديدة، بعد تشكيلها، الفرصة لكي تثبت انها ستحترم التزامات لبنان الدولية وانها لن تحدث إنقلاباً ولن تبدل طبيعة سياساته وتوجهاته العربية والإقليمية والدولية. وكما قال ديبلوماسي أوروبي مطلع: "ان الدول العربية والأجنبية المعنية بمصير لبنان ليس لديها موقف سلبي من ميقاتي شخصياً، وان يكن البعض منها منزعج فعلاً من تخليه عن حلفائه الأصليين ومن موافقته على تشكيل حكومة يدعمها حلفاء دمشق وطهران بعد إقدام نظام الرئيس بشار الأسد على احباط المساعي السعودية لعقد مؤتمر مصالحة وطنية في الرياض. لكن هذه الدول ترفض الإكتفاء بالوعود والمواقف المعلنة لميقاتي ولذلك ستحدد موقفها من الحكومة بعد تشكيلها وبعد الإطلاع على نص بيانها الوزاري".
وإستناداً الى هذه المصادر الأوروبية المطلعة، يصطدم بحقيقة أساسية يحاول تجاهلها أو تجاوزها هي ان نظام الأسد وحلفاءه لم يدعموه ولم يمنحوه ثقتهم لكي يكون مستقلا عنهم ولكي يشكل الحكومة التي يريدها ويتمناها هو أي "حكومة إنقاذ وطني ترضي مختلف الأطراف وتحدث صدمة إيجابية في الداخل وتمنع حدوث مواجهة بين لبنان والمجتمع الدولي وتحترم الإلتزامات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتؤمن تالياً إستمرار الدعم الدولي والعربي الواسع لهذا البلد في مجالات حيوية عدة وتساعد اللبنانيين على الخروج من معاناتهم وتجاوز ظروفهم البالغة الصعوبة". بل ان المسؤولين السوريين وحلفاءهم أتوا بميقاتي لكي يؤمن الغطاء المناسب داخلياً وعربياً ودولياً لحكومة يكتفي هو برئاستها ويقودونها هم ويحددون توجهاتها وخياراتها. وحكومة كهذه ستخوص، في وقت واحد، معركة مع المحكمة الخاصة بلبنان ومع المجتمع الدولي، ومعركة مع الإستقلاليين الرافضين وصاية السلاح وكل أنواع الهيمنة السورية، ومعركة مع الدول العربية والأجنبية الرافضة خطط المحور السوري – الإيراني. وليس مهماً، بالنسبة الى حلفاء دمشق، أن يدفع لبنان واللبنانيون ثمناً باهظاً لهذه المعارك. وكما قال لنا ديبلوماسي أوروبي مطلع: "ان حلفاء دمشق لن يسمحوا لميقاتي بأن ينجح هو ويفشلوا هم، أي أن يشكل "حكومة أحلامه" لأنهم يتعاملون معه على أساس انه ليس هو صاحب القرار الحقيقي كونه يمتلك كتلة تضم نائبين فقط وحليفاً ثالثاً، ويرون انه "صيد سمين" بالنسبة اليهم ما دام يقبل بتنفيذ مخططاتهم". وأضاف هذا الديبلوماسي: "حزب الله لن يجازف ولن يسمح بتشكيل حكومة جديدة إذا لم يتفق سلفاً وبوضوح مع ميقاتي على أن تتخذ هذه الحكومة إجراءات وقرارات محددة تفك إرتباط لبنان بالمحكمة الخاصة وتوقف أي نوع من التعاون معها. وعلى هذا الأساس فإن المطلوب من ميقاتي أن يضحي بمصلحته الذاتية وبالمصلحة الوطنية وأن يتراجع عن وعوده ومواقفه المعلنة وأن يتخلى تالياً عن تأمين العدالة وعن مواصلة دعم عمل المحكمة من أجل تأمين مصالح "حزب الله" وحلفاء دمشق عموماً. وثمة فارق كبير بين حكومة الأحلام وحكومة الواقع".

ثلاثة أنواع من الفشل
وقال لنا مسؤول أوروبي معني بالملف اللبناني: "ان تأليف الحكومة ليس نجاحاً كافياً في ذاته لأن هذه الحكومة تواجه تحديات ومصاعب في الداخل والخارج لم تواجهها حكومات التوافق الوطني خلال السنوات الست الاخيرة ويمكن القول ان ميقاتي يواجه ثلاثة أنواع من الفشل السياسي: أولاً - الفشل الذي ينقذه سياسياً أو يحد من خسائره هو الإعتذار عن مواصلة مهمته إذا رأى أن حلفاءه لن يسمحوا له بتشكيل حكومة تحدث صدمة إيجابية بل إنهم يريدون حكومة مواجهة في الداخل والخارج. ثانياً - الفشل الذي يضعفه سياسياً هو أن يشكل حكومة تؤمن بعضاً من مطالبه وتحقق لحلفاء دمشق مطالبهم الأساسية، ثم يدخل في مواجهة مع هؤلاء الحلفاء لمنع إتخاذ قرارات قد تمثّل تهديداً للسلم الأهلي ولمسار الأوضاع الداخلية أو تؤدي الى إضعاف لبنان في الساحتين العربية والدولية، فيضطر حينذاك الى الإستقالة من منصبه ويخسر حلفاءه الجدد بعدما خسر حلفاءه الأصليين. ثالثاً - الفشل الذي يشكل ضربة سياسية كبيرة له ويهدد موقعه في طائفته وفي الساحة اللبنانية وفي الخارج، هو أن يرضخ كلياً لحلفاء دمشق ويؤلف الحكومة التي تلائمهم وينفذ مطالبهم ويدعم قراراتهم، فيتخلى حينذاك عن باقي وعوده وعن وسطيته ويصير جزءاً من فريق 8 آذار".
ولاحظ هذا المسؤول "ان ميقاتي يمتلك سلاحين سلبيين هما سلاح الإعتذار عن تشكيل الحكومة أو سلاح الإستقالة لاحقاً إذا واجه صعوبات وعقبات تفوق قدرته على تحملها. ولكن ليس لديه السلاح الفعال المؤثر الذي يمنحه القدرة على تأليف الحكومة المناسبة له ولتطلعاته المعلنة وعلى تأمين الدعم النيابي اللازم لها لأنه ليس رئيس كتلة نيابية كبيرة كسعد الحريري ولأن توجهاته الأساسية المعلنة والوعود والتطمينات التي قدمها الى جهات عربية ودولية معنية بالأمر تتناقض مع ما يريده حلفاء دمشق الذين يدعمونه لكي ينفذ مطالبهم التي تؤمن مصالحهم وتخدم حساباتهم وخططهم الداخلية والإقليمية. وهذه مشكلته الكبرى".

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,466,011

عدد الزوار: 7,758,945

المتواجدون الآن: 1