تحديات الوجود لمشروع المقاومة على خارطة التوازنات الإقليمية والدولية

تاريخ الإضافة الإثنين 21 آذار 2011 - 7:41 ص    عدد الزيارات 542    التعليقات 0

        

تحديات الوجود لمشروع المقاومة على خارطة التوازنات الإقليمية والدولية

 

 
 
   
   
 

 

 
نعيم قاسم
من الطبيعي عندما نريد أن نرسم التحديات أن نرى الصورة التي تقع فيها هذه التحديات، لندرك سعتها وحجمها وضغوطها، كي نرى مستوى التحديات التي تواجهنا على المستوى العملي.
لنبدأ من إسرائيل، الكيان الموجود في منطقتنا، وهذه مشكلة مستعصية، تولِّد الأزمات والصراعات والاعتداءات والحروب والتعقيدات والانهيارات وكل مساوئ الدول التي تنطلق من الحروب والعدوان والتسلط على الشعوب الأخرى، فإسرائيل هي أزمة مستعصية وقائمة تولِّد أزمات متعددة في منطقتنا.
إسرائيل هذه مبنية على ثلاثة أسس:
الأساس الأول: أنها كيان محتل.
الأساس الثاني: هذا الكيان يريد السيطرة والتوسّع.
الأساس الثالث: إسرائيل يدٌ للاستكبار في منطقتنا.
أميركا تريد حكم العالم:
المشهد الثاني يتمثل بأحادية سيطرة أميركا على العالم، فأميركا تريد أن تحكم العالم، وأن تسيطر عليه بالكامل مقتنعة بأنها تملك من القدرة والقوة ما يمكنها من أن تتمدد على مستوى المعمورة لتحقق مصالحها في إنعاش داخلها وفي تحقيق الراحة لمواطنيها، إذاً لا يوجد هنا مقياس للحق، ولا توجد إدارة مبنية على معادلات بشرية، وإنما يوجد ظلمٌ مستحكم وسيطرة جانحة تريدها أميركا لأي مكان في هذا العالم تستطيع الوصول إليه وبطرق مختلفة. وهنا لا بدَّ أن نلتفت، أميركا لا تريد جانباً من هذا العالم، وإنما تريد كل شيء في بلداننا، تريد تغيير الثقافة، لنفكر بطريقتها حتى يكونوا أساتذة علينا، فنوفِّر عليهم بأدائنا كتلامذة نهتدي بأفكارهم ما يتعبهم عندما تكون أفكارنا مخالفة لأفكارهم، ويريدون السيطرة على مواردنا الاقتصادية والبشرية والعمرانية، كما يريدون السيطرة السياسية على أنظمتنا وحكامنا، حتى بدأوا يصدرون لنا تشريعات وتوجيهات يعتبرونها صالحة لمنطقتنا، فقد ثبت لديهم أنَّ ديموقراطيتهم فاشلة عندنا، فللعالم الإسلامي ديموقراطيته الخاصة التي يتحكم فيها المستبدون وهذا ما يلائم هذه الشعوب! لأنه ينتج مصالح أميركا في نهاية المطاف.
كل العناوين مملوءة بتعريفات وتوضيحات وشروحات تختلف تماماً عن العناوين التي نعرفها ثابتة في المقياس الإنساني وفي الفهم البشري، على قاعدة أن الظالم يبتدع تفاسير تناسب حركاته وخطواته، فإذا ناقشته أسكتك بقوة السلاح، وإذا قارعته سلَّط عليك ما يسقط حججك بالسجن والقتل. إذاً نحن أمام مشهد كبير هو السيطرة الأميركية أحادية الجانب على هذا العالم.
عندما وجدنا أنفسنا في مشهد عالمي تتحكم فيه أميركا، وفي مشهد إقليمي تتحكم فيه إسرائيل وتفتش عن موقعها في داخله، كان لا بدَّ لنا أن نعبِّر كشعوب عن رفضنا وعن خياراتنا. هذا الرفض اتخذ شكل المقاومة، والمقاومة رد فعل دفاعي على عدوان وأعمال هجومية، لم تنشأ المقاومة إلاَّّ رداً، ولم تتأسس المقاومة إلاَّ دفاعاً، ولم تكن المقاومة حاضرة وجاهزة إلاَّ بسبب التراخي الذي انتشر في بلاد المنطقة من حكامها وغاياتهم، المقاومة هنا واجب وإلاَّ ذهبت البلاد وذهب العباد أيضاً.
نشوء المقاومة الإسلامية في لبنان:
نشأت المقاومة واتخذت لها بعدين: الأول تحريري، والثاني الحماية من العدوان، وبالتالي للذين ناقشوا طويلاً وأرادوا أن يحصدوا ردة الفعل للآن نقول لهم: ردة الفعل هذه تأسست على المستقبل ولم تتأسس على الآن، وهي تجذرت بدماء الشهداء فتحولت من مقاومة تحرر أرضاً بأهدافها، إلى مقاومة تحمي الأرض بعد تحريرها لتستمر متواصلة عبر الأجيال، كي لا تفكر إسرائيل أو غير إسرائيل في يومٍ من الأيام أن تدخل إلى لبنان.
وقد سُئلنا كثيراً في محطات المقاومة، عن الوقت الذي ننتهي فيه، وعن الثمن الذي نريده، فكنا نؤجل الجواب، لأن الجواب في وقتها كان ملتبساً، ولأن الظروف لم تكن تتحمل الإجابات الصريحة والواضحة، وكنَّا محتاجين أن نقلع عن التنظير الاستباقي لنري َ الآخرين تطبيقاً عملياً نتخذ منه نظرية لا تقبل التعديل ولا التشكيك فيه، فلو قلنا قبل عشرين سنة نريد مقاومة تحمي لناقشونا كثيراً في هذه الأحلام التي نفكر من خلالها، ولكن عندما تحررت الأرض، وأثبتت المقاومة جدواها، واستطعنا أن نحقق إنجازين كبيرين تمثلا بتحرير عام 2000 وبصد عدوان تموز سنة 2006، وتحقيق هذا الانتصار الكبير على إسرائيل، أصبحنا أمام مقاومة من حقها أن تقول إنها تدافع وتنتصر، ومن حقها أن تقول إنها تقف لتحمي، ومن حقها أن تقول بأنها أنجزت توازن الردع، ومن حقها أن تقول إنها خيارٌ وليست مشروعاً للنقاش على قاعدة أنها أثبتت وجودها ميدانياً ولم تعد نظرية من النظريات.
استهدافات لبنان:
أمَّا لبنان، فلبنان واقع في دائرة الاستهدافين: الاستهداف الأميركي بالعنوان الدولي والمناطقي على قاعدة تشكيل الشرق الأوسط، والاستهداف الإسرائيلي الذي يريد أن يحقق هذه السيطرة الشاملة، ولعلَّ من حظ لبنان أن يضاف له استهدافٌ ثالث قلَّ أن يتحقق في دولة أخرى من دول العالم، هذا الاستهداف سببه تركيبة لبنان الطائفية، وخصوصية نشأة لبنان والمعادلة الموجودة فيه.
الاستهداف الثالث للبنان هو استهدافٌ استثنائي، وهو أنَّه ساحة للآخرين من أجل تعديل المعادلات وتمريرها من خلال هذه الساحة. كيف تجسدت هذه الساحة وكيف عبَّرت عن نفسها، سأعطي مثالين على ذلك:
الأول: يتمثل باحتماء الطوائف المختلفة في لبنان بدول مختلفة على مستوى العالم، بحيث مررنا في التاريخ السابق لفترات كثيرة حين كانت كل طائفة محسوبة على دولة من الدول.
المثال الثاني الذي يعبر عن لبنان الساحة هو إحضار المقاومة الفلسطينية إلى لبنان، عندما اعتقدوا أن هذا الاخراج للفلسطينيين من فلسطين إلى الدول المحيطة بفلسطين، سيسبب مأزقاً وأزمة بسبب وجود حرارة الثورة ورغبة المقاومة.
مفاجأة المقاومة الإسلامية:
اعتقدوا أن هذه الساحة يمكنها أن تحقق لهم أهدافاً، وعندما وجدوا أن المقاومة الفلسطينية نمت وكبرت وأصبحت جزءاً من معادلة التأثير في لبنان وفي المنطقة، قرروا القضاء عليها، وكان اجتياح سنة 1982 هو الاجتياح الذي أراد أن ينهي أصل وجود المقاومة الفلسطينية، وتبعاً لذلك إنهاء أي فكر مقاوم يمكن أن يكون حاضراً في المنطقة. هنا حصلت المفاجأة، وجاء توفيق الله تعالى، فنمت المقاومة الإسلامية في بيئة غير متوقعة، وفي مكان غير متوقع، وبظروف غير متوقعة أيضاً، لأن الإسرائيلي كان يعتقد أن حجم الخلاف الموجود بين المنظمات الفلسطينية وأهل الجنوب سيكون رادعاً لأهل الجنوب أمام فكرة مقاومة إسرائيل، ولكن لم يلتفتوا إلى أن القضايا الظرفية التي لها أسباب ظاهرية لا تصمد أمام الرؤية الاستراتيجية التي تنطلق من العقيدة الإسلامية ومن الإيمان الراسخ، ومن استلهام الموقف العظيم لإمام الثائرين والأحرار الإمام الخميني (قده).
أسست الثورة الإسلامية في إيران فجراً جديداً في عالمنا الإسلامي والعربي، وهذا الفجر بدأ يُحدث التغييرات الواحد تلو الآخر، على قاعدة استعادة الشعوب لحقوقها وكرامتها، وسقوط طغاتها ووضع حدٍ لهيمنة وتأثير الاستكبار العالمي، ووضع حدٍ لقدرة وتوسّع المشروع الصهيوني.
تحديات الوجود لمشروع المقاومة:
من الطبيعي عندما نريد أن نرسم التحديات أن نرى الصورة التي تقع فيها هذه التحديات، لندرك سعتها وحجمها وضغوطها لنرى مستوى التحديات التي تواجهنا على المستوى العملي.
لنبدأ من إسرائيل الكيان، إسرائيل هي المشكلة المركزية في المنطقة بأهدافها الثلاثة: الاحتلال، والسيطرة، واستخدامها كيَد الاستكبار الأميركي. وعندما نريد أن نتحدث عن تحديات فنحن أمام تحديات كثيرة بطبيعة الحال، أبرزها خمسة:
التحدي الأول: مواجهة التسلط الدولي، وخارطة هذا التسلط في إنشاء شرق أوسط جديد يتناسب مع الخيارات الأميركية والمصالح الإسرائيلية، وهنا نحن نعتقد أن المقاومة قادرة على المواجهة، والمواجهة هنا أن تصمد، وأن تقوى وتتوسّع، وأن تضم أكبر عدد ممكن من الشرائح الاجتماعية المختلفة، وأن تثبت حضورها وفعاليتها، عندها سيرى الآخرون أنهم أمام قوة وسدّ منيع. نُتهم أننا أقوياء، نعم من الطبيعي أن نكون أقوياء، ويجب أن نكون أقوى، لأن إسرائيل لا تفهم إلاَّ لغة القوة، ولأن العالم لا يحترمنا إلاَّ إذا كنا أقوياء، لأن لا أحد يعترف في هذا العالم على المستوى الدولي بمعادلة الحق وإنما بمعادلة القوة. من هنا، نعم المقاومة قوية وسنعمل لتكون أقوى، ويجب أن تبقى أقوى لمواجهة التحديات، وهذا عنوان فخرٍ وليس عنوان مساءلة بالنسبة لنا.
التحدي الثاني: التنظير للحلول السياسية كبديل، ودائماً ما نسمع أن الحل السياسي هو الأفضل والأقل كلفة، وهو الذي يمكن أن يتلاءم مع المعادلات الإقليمية والدولية، هذا الحلّ السياسي مطروح لفلسطين ولبنان وللمنطقة. نحن نعتقد أن الحلول السياسية التي تجري بإدارة مجلس الأمن وأميركا هي حلول ظالمة.
التحدي الثالث: يثيرون عبء التضحيات التي تُبذل، ويعتبرون أن الخسائر أكبر بكثير من التضحيات في عملية المواجهة، ونحن نعتبر أننا إذا خسرنا ألف شهيد في عدوان تموز، وعدداً كبيراً من البيوت التي تمَّ التعويض عليها بشكل أو بآخر، فإنَّ خسارتنا بالاستسلام ستكون أكبر بكثير.
التحدّي الرابع: وصمُنا بخدمة الأهداف الخارجية، فتارة يقولون أنتم تقاتلون نيابة عن العرب، وأخرى أنتم تقاتلون لمصلحة سوريا وإيران، وثالثة يقولون أنتم تقاتلون لأجندات خارجية، ونحن واثقون في مواجهة هذا التحدي، لأننا نتحداهم أن يعطونا مثلاً تطبيقياً واحداً خدمنا فيه أحداً في العالم، ولم نخدم أنفسنا، بل كل الأمثلة مبنية على أننا انتصرنا وهزمنا إسرائيل، وحررنا الأرض، ورفعنا رؤوسنا عالياً، وأصبحنا مقاومة قوية، وهذه كلها مكتسبات لنا، ولكن حلفاءنا في العالم استفادوا لأن الريح الطيبة إن فاحت لا يمكن حصرها وسيستفيد منها الأشخاص الذين لم يصابوا بزكام معاداة المقاومة وكانوا معها.
التحدي الخامس: نظرية تعارض قيام الدولة وحضور المقاومة، وهذه نظرية ثبت خطؤها وفشلها، لأن أفضل نموذج لقيام الدولة والتناغم مع المقاومة هو النموذج اللبناني، إذ أن المقاومة حاضرة وجاهزة وتقوى يوم بعد يوماً، ومستعدة لكل التضحيات والتحديات، والدولة تتابع شؤونها بشكل عادي، ويحصل التنافس الداخلي وتسقط حكومة وتأتي حكومة ويدير الجيش شؤون الأمن في داخل هذا البلد، وتقوم الإدارات المختلفة بمسؤولياتها، وكأننا أمام موضوعين مختلفين تماماً: المقاومة في مسار والدولة في مسار، والرائع هو هذا التنسيق بين المسارين، ما جعل ثلاثي القوة الجيش والشعب والمقاومة يثبت نفسه أنه الأصلح للبنان.
ماذا بعد؟
لا عودة إلى الوراء بعد الآن، ولبنان القوي لا نقبل أن يكون ضعيفاً كرمى عيون أحد، والمقاومة ولبنان أصبحا صنوين لا ينفصلان، بحيث لا يمكن أن ننزع المقاومة عن لبنان ولا لبنان عن المقاومة، هذا هو التاريخ وهذا هو الحاضر وهذا ما سيؤسس للمستقبل إن شاء الله تعالى.

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,466,363

عدد الزوار: 7,758,953

المتواجدون الآن: 1