هزيمة أوزو حين قاتل فلسطينيون مع العقيد

تاريخ الإضافة الأربعاء 23 آذار 2011 - 6:13 ص    عدد الزيارات 604    التعليقات 0

        

هزيمة أوزو حين قاتل فلسطينيون مع العقيد
الثلاثاء, 22 مارس 2011
معن البياري *

رُويَ أَنَّ قادةً في الحركةِ الوطنيةِ اللبنانية، أَثناء واحدة من زياراتِهم ليبيا في النصف الثاني من السبعينات، وكانوا في انتظار اجتماعٍ مع معمر القذافي في طرابلس، أَعرب أَحدُهم لزميلٍ له بشيءٍ من الطرافةِ والأَسى معاً عن رداءَةِ حالهم، إذ موقفهم السياسي من سورية وتمويلُهم من ليبيا، فعقب زميله، ضاحكاً، بأَنَّ عليهم أَن يحمدوا الله لأَنَّ الوضعَ ليس معكوساً. تأْتي إِلى البال تلك الواقعة التي قال راويها إنها صحيحة، فيما يثورُ في موسم الحكي السياسي العربي الراهن أَرشيفٌ وفيرٌ لعلاقات وصلاتٍ طويلةٍ قامت بين رئيس ليبيا ومثقفين وسياسيين عرب، غالبيتهم معارضة وتقدمية. كان أولئك يتقاطرون إِلى خيام القذافي ومضافاتِه من لبنان والسودان ومصر والعراق وتونس والأُردن وغيرها، فضلاً عن فلسطينيين بلا عدد. وكانت مجموعاتٌ من هؤلاء تتموَّلُ من القذافي لإِدارة شؤونِها وإِصدار مطبوعاتها والصرف على أُجور مقارّها، وتشكر الرجل على دعمِه نضالَهم ضد الرجعيّاتِ العربية والأَنظمة الاستسلاميةِ المرتبطةِ بالإمبريالية. وللحق، فإن من أُولئك، ولدى بعضهم حصافةٌ محمودة، من كانوا بخيلين في الإِطراءِ على القذافي وسياساتِه في بلده، وآثروا الاكتفاءَ بالتأْشير إِلى وجاهةِ وقوفهِ معهم ودعمِهم، بالسلاحِ إِنْ أَرادوا أَو بالمال، أو بالاثنين كما جرى في لبنان والسودان في سنوات غير بعيدة.

وإِذ راج حديثٌ عن استقدامِ معمر القذافي مرتزقةً أَفارقةً لمساعدةِ كتائِبِه وعصاباتِه في مواجهة الشعب الليبي، لا بأْسَ هنا من التثنيةِ على عدمِ مساعدةِ الحركةِ الوطنية اللبنانية، في طوريْها السبعيني وبعض الثمانيني، القذافي بالرجال والمسلحين لقتالٍ هنا أَو هناك، غير أَنَّ زعاماتٍ فلسطينية فعلتها، أَو على الأَصح، اقترفت ذلك الفعل الرديء، ومنها صبري البنا وأَحمد جبريل اللذان، وغيرُهما، أَوفدوا مقاتلين لمعاونةِ جيشِ القذافي في المعاركِ للسيطرةِ على شريط أُوزو الحدودي بين ليبيا وتشاد التي كان يرأسها حسين حبري. وقال عارفون إِنَّ فلسطينيين من غيرِ جبهة جبريل شاركوا في تلك المعارك، صدوراً عن «واجبٍ قوميٍّ في الذودِ عن حياضِ أَرضٍ عربية»، لمّا أَراد جيش حبري «تحرير» شمالِ بلادِه من «القوات الليبية المحتلة». ويَرِدُ في ذلك الأَرشيف، أَنَّ نحو ثلاثةِ آلافِ فلسطينيٍّ حاربوا في أُوزو، ونقلَ تقريرٌ صحافي جديد نشر أُخيراً عن أَحدِهم أَنه قاتل هناك ثلاثةَ أَعوامٍ ونصف العام. ولم تعتنِ جهةٌ فلسطينيةٌ أَو ليبيةٌ بتدوين أَسماءِ الفلسطينيين الذين قضوا في تلك المعارك وضبط عددِهم، صدوراً ربما، عن قناعةٍ بأَنهم ليسوا غير مرتزقةٍ مستقدمين من الخارج، وليس من الحصافةِ الانتباهُ إِلى أَسمائِهم وعددِهم العابر. ولم يبادرْ إِلى ذلك من اعتبروا أُولئك القتلى شهداءَ في واحدةٍ من ملاحمِ البطولاتِ العربيةِ في الدفاع عن أَراضي العرب. وهنا، يحسن التذكير بأَنَّ تلك الحرب في شريط أُوزو، والتي اندلعت في 1986 انتهت بتمكُّن قوات حسين حبري من تحريرِه من قوات القذافي التي لحقت بها، وبالمرتزقة معها، هزيمةٌ قال حبري في حينه إِنها «تاريخية». وضاعف من انتصار تشاد في تلك «الملحمة الليبية الفلسطينية» أَنَّ محكمة العدلِ الدولية قضت في 1994 بتابعية أُوزو لتشاد.

من مفارقاتٍ منسيةٍ في ذلك الموضوع، والذي لا يستحسنُ فلسطينيٌّ استذكارَه، أَنَّ فلسطينيين خلدوا اسم ذلك الشريط، القاحل وفق واحدٍ من توصيفاتِه الذائعة، في إِطلاقه على مخيمٍ صغيرٍ جداً يعد جزءاً من مخيم عين الحلوة للاجئين في لبنان، لا شهرةَ له، وربما لا يعرف فلسطينيون ولبنانيون به، لا سيَّما أَنَّه ليس موجوداً في خريطةِ مخيمات لبنان. وهو يوصفُ بأَنَّه أَشبه بعشِّ الغراب، وتتلاصقُ كلُّ غرفةٍ فيه مع غيرِها في شكل غريب، والحياةُ اليوميةُ فيه متشابكةٌ ومتداخلةٌ، بحيث تنعدمُ تماماً فيه أَية خصوصيةٍ لساكنيه، فكلُّ شيءٍ يشتركُ فيه كلُّ شيء، ما يجعل المخيمَ إِهانةً بشريةً ودليلاً مكتملاً على احتقارِ الكائِن البشري. وصاحب هذا الوصف لمخيم أُوزو متحدِّثٌ في ندوةٍ تلفزيونيةٍ عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يستعيرُه كاتب هذه السطور بعد فضولٍ أَلمَّ به لمّا قرأَ روايةَ «حليب التين» للفلسطينية سامية عيسى، (دار الآداب)، قبل شهور، إِذ تدورُ فيه حوادث الجزء الأَعرض في الرواية، وكانت تلك أَول درايةٍ لصاحبِ هذه السطور بأَن أُوزو اسم أَيضاً لمخيم فلسطيني، لا سيما وقد أَكدت كاتبةُ الرواية له وجودَ المخيم واقعاً، وأَنه ليس متخيلاً أَبداً.

ولأَنَّ المفارقاتِ تستدعي نفسَها أَحياناً، ويحدثُ أَن تتوالى تلقائياً، فإِنَّ حالة الامتهان المريعة التي ارتكبها القذافي، ومعه زعاماتٌ فلسطينية، في إِيفادهم مقاتلين فلسطينيين إلى الأَرض البلقع في تشاد، تعقبُها في روايةِ سامية عيسى حالةُ امتهانٍ شديدةِ الفظاعة، تحدثُ في هذا المخيم الذي أَطلق عليه عائدون من أُوزو عليه اسمه هذا، وكان بلا اسم (!)، ليس فقط لشدَّةِ بؤسِه، بل ربما أَيضاً للإضاءَةِ في الاسم على تجاربَ بائِسةٍ لدى بعضِ ساكنيه من أُسَرِ الذين حاربوا نصرةً للقذافي في موقعة هزيمةٍ مدويّةٍ. وأَميزُ ما في الروايةِ تجرؤُها في شأْنِ فضيحةٍ فلسطينيةٍ، تتبدّى في امتهان أَعراض أَراملِ الشهداء وهتك أجسادهن، ليس فقط لمّا سيقت بطلةُ الرواية، وهي منهن، للعمل داعرةً خارج لبنان، بل، قبل ذلك وبعده، في اللاإِنسانيةِ الفظيعةِ التي تعيش فيها الفلسطينياتُ من سكان ذلك المخيم، نتيجة ممارساتِ الفاسدين المتنفذين فيه، من بقايا محاربي منظمة التحرير، ويسرقون مخصصّات عوائل الشهداء، ويبتزّون أَراملهم، ويمارسون من الفواحش ما ليسَ محتملاً. تنكشفُ في الروايةِ كلُّ الدعاوى عن «الثورية» في المخيم الفلسطيني الراهن، ويُؤْثرُ السردُ فيها الذهابَ بعيداً في هجاءِ هذه الحال، عند تشخيصِه كما هو، ومن دون الكلاسيكيّات إِياها عن روحٍ فلسطينيةٍ وطنيةٍ يرفل فيها كلُّ مخيم فلسطيني في كلِّ مطرح.

كأَنَّ رثاثةَ الفلسطينيِّ في سيرةِ مخيم أوزو هذه، على ما أَوحت به رواية أَدبيةُ تذكِّر برثاثةِ استخدامِه في واحدةٍ من أَردأ صنوفِ الحروبِ العربيةِ سخافةً، كان بطلها معمر القذافي الذي لم يجدْ في الفلسطينيين سوى فئرانِ تجارب لإِبداعاته الثورية، منذ مضى في تسليةِ نفسِه بتقويةِ جماعاتٍ منهم ضد أُخرى، ودعا الجميع أَثناء جحيمِ غزوٍ وعدوانٍ إِسرائيليين فظيعيْن إِلى الانتحار، ثم طرد ساكني بلدِه الفلسطينيين إِلى الصحراء، ليقيموا شهوراً مع السحالي، لتجريبِ طريقةٍ عنَّت له من أَجل عودتِهم إِلى وطنِهم، ثم أَطلقَ نظريته «إسراطين» التي تشكلَّت لجنةٌ عربية في إِحدى القمم العربية، لبحثِها، وعُقدت اجتماعاتٌ في غيرِ عاصمةٍ لذلك، في ممارسةٍ كاريكاتورية نظنُّها ما كانت إِلا مداراةً وتكيفاً مع تخاريفِ هذا الرجل. وهذه تكيَّف معها قادةُ قوى لبنانيةٍ وطنيةٍ، لمّا كانوا يستعينون به تمويلاً وتسليحاً، فيما رأَى نظراءُ فلسطينيون لهم وجوبَ نصرتِه في أُوزو... هل من يتذكَّر ويُذكِّر بذلك الأَرشيف، لتتَّسِعَ المعرفةُ بتلك الواقعةِ المخزية؟

* كاتب فلسطيني

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,476,642

عدد الزوار: 7,759,153

المتواجدون الآن: 0