الحوار والمصالحة قبل حكومة وحدة وطنية

تاريخ الإضافة السبت 26 آذار 2011 - 6:03 ص    عدد الزيارات 619    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
الحوار والمصالحة قبل حكومة وحدة وطنية
الدور الوطني للراعي: تعزيز المشروع الإستقلالي

رأى مسؤول أوروبي بارز معني بالملف اللبناني ان الحكومة الجديدة يجب أن تنبثق من مؤتمر حوار وطني شامل بسبب الوضع الشديد التأزم في لبنان والتطورات السياسية والشعبية البالغة الأهمية في المنطقة. وقال ان الرئيس ميشال سليمان ورئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي يستطيعان، إذا امتلكا العزم والتصميم، الإضطلاع بدور إنقاذي كبير يتطلب منهما إتخاذ الإجراءات الأساسية الشجاعة الآتية:
أولاً – رفض الرضوخ لضغوط الأطراف اللبنانيين والإقليميين الداعمين لميقاتي والإمتناع عن تأليف حكومة يقودها ويوجه سياساتها حلفاء دمشق وإعطاء الأولوية لعقد مؤتمر حوار وطني جدي لمعالجة المشاكل الأساسية المهمة بمشاركة كل الأفرقاء اللبنانيين، لأن حكومة حلفاء دمشق ستضعف لبنان في الداخل والخارج وتعمق الإنقسام بين أبنائه وتمنع تحسين ظروفهم المعيشية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية وتفشل في معالجة المشاكل الأساسية العالقة وأبرزها: قضية سلاح "حزب الله" والموقف من المحكمة الخاصة بلبنان وطبيعة دور لبنان في النزاع العربي – الإسرائيلي وفي الصراع الإيراني – الدولي وفي المنطقة عموماً ومصير العلاقات اللبنانية – السورية.
ثانياً – يجب إتخاذ قرار جريء يقضي بتأليف حكومة تكنوقراط موقتة غير مرتبطة مباشرة بأي من الفريقين الرئيسيين في البلد وتضم شخصيات مستقلة الى حد كبير وتتمتع بالمسؤولية الوطنية والخبرة والكفاية والسمعة الجيدة وتركز جهودها على معالجة المشاكل الصعبة المتنوعة التي يعانيها اللبنانيون وعلى حماية الأمن والإستقرار والسلم الأهلي.
ثالثاً – الدعوة الى عقد مؤتمر حوار وطني شامل برئاسة الرئيس ميشال سليمان يشارك فيه زعماء يمثلون مختلف الأفرقاء ويمكن أن يكون في رعاية عربية أو عربية – إقليمية – دولية، وتطرح فيه كل القضايا الأساسية المتنازع عليها للتوصل ضمن مهلة زمنية معينة ومعقولة الى تفاهمات واضحة ومحددة في شأنها تؤمن مصالح كل الأطراف والطوائف وتضمن العدالة والإستقرار معاً وتمنع إستقواء فريق على آخر وتتخذ إجراءات ملزمة لحظر إستخدام العنف والسلاح في الداخل وتمهد لإجراء بعض التعديلات والإصلاحات اللازمة في الدستور بطريقة تتلاءم مع مصالح البلد واللبنانيين وعلى أساس التمسك بصيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
رابعاً – يتحول مؤتمر الحوار الوطني مؤتمر مصالحة وطنية شاملة بعد توصل الزعماء اللبنانيين الى تفاهمات واقعية ومتوازنة وعادلة قابلة للتطبيق على القضايا العالقة تحفظ إستقلال لبنان وسيادته والمصالح والحقوق المشروعة للبنانيين. وتدرج هذه التفاهمات في وثيقة رسمية تتألف على أساسها حكومة وحدة وطنية تدير شؤون البلد في المرحلة المقبلة.
وقال المسؤول الأوروبي انه ناقش تصوره هذا مع جهات عربية ودولية معنية بالأمر، كما أجرى مشاورات سرية في شأنه مع جهات لبنانية، وشدد على أن الرئيسين سليمان وميقاتي "يحتاجان الى مساعدة داخلية ودولية جدية للإضطلاع بهذه المهمة الإنقاذية الصعبة والضرورية، لأن حكومة يقودها حلفاء دمشق ستكون حكومة مواجهة وتحدٍّ مما يزيد تعقيد الأمور ويؤدي الى تدهور في أوضاع البلد ويضع لبنان في حال صدام مع المجتمع الدولي ومع دول بارزة ومؤثرة عدة".

 

لبنان النظامين والدولتين

وقدم هذا المسؤول الأوروبي البارز "تقويماً غير تقليدي" للأوضاع في لبنان فقال: "ان ما يؤمن الحماية النسبية للبنان ليس الوحدة الوطنية بين أبناء شعبه بل توازن القوى السياسية والشعبية بين تيارين كبيرين رئيسيين متناقضي الأهداف والتوجهات والخيارات ويمثل كل منهما فئة واسعة من اللبنانيين. ذلك إن الوحدة الوطنية بين اللبنانيين مشروع لم يكتمل وطموح لم يتحقق كلياً. فجميع اللبنانيين يتمسكون بالوحدة الوطنية لكنهم يمتنعون في الواقع عن إتخاذ القرارات والإجراءات الضرورية وعن تقديم التنازلات المتبادلة اللازمة لإنجاز هذه الوحدة. ولذلك فإن لبنان يشهد إستقراراً أمنيا وسياسياً نسبياً وهشاً بسبب وجود توازن قوى بين تيارين رئيسيين هما:
أولاً – التيار الإستقلالي السيادي الذي يقوده فريق 14 آذار وحلفاؤه والذي أثبتت الإنتخابات النيابية وغير النيابية والوقائع على الأرض ومنها أخيراً الحشد الشعبي الكبير في 13 آذار الجاري، إنه يمثل نصف الشعب اللبناني وما يزيد. وهذا التيار يرى في الحفاظ على إستقلال لبنان وسيادته حقاً وطنياً مشروعاً للبنانيين ويرفض التضحية بهما من أجل إرضاء سوريا وإيران أو من أجل الخضوع لهيمنتهما أو لهيمنة أي جهة إقليمية أو دولية. ويرى هذا التيار ان تعزيز الدولة ومؤسساتها الشرعية ودعم سلطة القانون والتمسك بالنظام الديموقراطي عوامل أساسية لضمان مصالح جميع اللبنانيين ولتأمين الإستقرار والسلم الأهلي والحفاظ على صيغة العيش المشترك. وإنطلاقاً من هذه الإقتناعات يطالب هذا التيار برفض وصاية السلاح غير الشرعي وبضرورة وينادي ضع سلاح "حزب الله" تحت سلطة الجيش وبحظر إستخدام العنف والسلاح لتحقيق مكاسب سياسية وبتولي الدولة وحدها مسؤولية التعامل مع إسرائيل سلماً أو حرباً كما هو الحال في سوريا وفي كل الدول العربية. كما يطالب هذا التيار بمواصلة دعم عمل المحكمة الخاصة من أجل تحقيق العدالة ومحاسبة الذين يستخدمون نهج الإغتيالات لتأمين أهدافهم ومصالحهم ومن أجل ضمان الأمن والإستقرار الحقيقيين. وقد اتخذ التيار الإستقلالي إجراءات وقرارات أساسية عدة لتأمين المشاركة الوطنية في الحكم بين كل الأفرقاء ولحل المشاكل بالتوافق بين اللبنانيين ودعم أخيراً مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة على أساس معالجة مختلف القضايا العالقة بطريقة عادلة ومتوازنة وصحيحة تؤمن العدالة والإستقرار معاً.
ثانياً – التيار الثاني يقوده "حزب الله" ويضم حلفاء المحور السوري – الإيراني. وهذا التيار يعطي الأولوية لإلحاق الهزيمة بالإستقلاليين ولإعادة ربط لبنان بسوريا تدريجاً ولتأمين مصالح حلفائه الإقليميين بقطع النظر عن الثمن الذي يمكن أن يدفعه اللبنانيون، ويرغب في الإحتفاظ بالسلاح خارج سلطة الدولة للإستخدام الداخلي والخارجي ويتمسك بقرار الحرب مع إسرائيل وبإبقاء لبنان ساحة مواجهة مفتوحة مع الدولة العبرية ودول أخرى، ويرفض المحكمة الخاصة ويتصرف كأنه ليس مهتماً بتحقيق العدالة وبكشف حقائق جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وجرائم أخرى مرتبطة بها. واستخدم هذا التيار المشاركة الوطنية في السلطة ضمن حكومتي فؤاد السنيورة وسعد الحريري ليس من أجل تدعيم صيغة التوافق الوطني على معالجة المشاكل العالقة بل من أجل تعزيز مواقعه تمهيداً لفرض مطالبه وشروطه، بالقوة إذا اقتضى الأمر، على الأفرقاء الاخرين ولبسط هيمنته على الدولة بدعم من دمشق وطهران. لذلك رفض هذا التيار المشروع السعودي لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة كما رفض سابقاً مشاريع لبنانية وعربية وإقليمية ودولية عدة لإنجاز المصالحة بطريقة تؤمن مصالح جميع اللبنانيين وتعزيز إستقلال لبنان وسيادته وتؤمن حماية دولية وعربية واسعة له وتمنع أي هيمنة سورية أو إيرانية عليه وعلى قراراته".
وأوضح المسؤول الأوروبي "ان توازن القوى بين التيار اللبناني – السيادي والتيار اللبناني المرتبط بالمحور السوري – الإيراني ومخططاته يوجد إستقراراً سياسياً وأمنياً هشاً ويمنع إنفجار الوضع على نطاق واسع وخصوصاً بفضل وجود الجيش وقوى الامن، لكنه، في الوقت عينه، يضعف النظام الديموقراطي وسلطة الدولة ويمنع إنجاز الوحدة الوطنية الحقيقية الشاملة ويحول دون معالجة المشاكل المعيشية والإجتماعية والإقتصادية والأمنية التي يعانيها اللبنانيون كما يحول دون تحسين أوضاع البلد وتطويرها وإعادة الحياة الى مجراها الطبيعي تماماً".
وأضاف: "هذا الواقع المعقد والحساس يدفع الى القول ان النظام اللبناني ليس نظاماً واحداً بل إنه نظامان، الأول يقوده الإستقلاليون والثاني يقوده "حزب الله" وحلفاؤه، كما ان الدولة اللبنانية ليست دولة واحدة لأنها لم تتمكن حتى الآن من بسط سلطتها الكاملة على كل المناطق والمحميات الأمنية، بل انها تتشكل من دولة شرعية يرغب اللبنانيون في غالبيتهم العظمى في الإنتماء اليها والإحتماء بها وبمؤسساتها ومن دولة غير شرعية خاضعة لنفوذ "حزب الله" ولسلاحه. وليس ممكناً تحقيق الوحدة الوطنية الصحيحة إذا لم يتوحد النظامان في نظام واحد وإذا لم تتوحد الدولتان في دولة شرعية واحدة". وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: "لذلك يجب إعطاء الأولوية لعقد مؤتمر حوار وطني لإنجاز المصالحة الوطنية الشاملة والتوصل الى تفاهمات واضحة وعادلة ومتوازنة على المشاكل الأساسية العالقة، ثم تؤلف حكومة وحدة وطنية ولا حكومة يقودها فريق سياسي واحد".

 

مهمة البطريرك الراعي

ضمن هذا السياق قالت لنا مصادر ديبلوماسية أوروبية مطلعة في باريس إن الجهات الدولية الحريصة على مصير لبنان أظهرت إهتماماً خاصاً بانتخاب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي خلفاً للبطريرك المستقيل مار نصر الله بطرس صفير ووصفت الحدث بأنه "تطور إيجابي مهم ومشجع ولمصلحة لبنان المستقل" وأوردت المعلومات الآتية التي حصلت عليها من بيروت:
أولاً – ان البطريرك الراعي يدعم بوضوح وقوة المشروع الإستقلالي السيادي لأنه مشروع وطني وليس مشروعاً حزبياً ويتبنى تماماً نهج البطريرك صفير وينوي الإنطلاق منه والإعتماد عليه وتطويره في تعامله مع شؤون الموارنة والمسيحيين واللبنانيين عموماً.
ثانياً – البطريرك الراعي ذو شخصية قوية ويتمتع بمواصفات قيادية وهو صريح ومباشر ومنفتح على الآخرين ومؤمن بالحوار مع الجميع، لكنه حازم في مواقفه الوطنية وفي دفاعه عن حقوق المسيحيين وفي مناداته بضرورة تقوية دورهم السياسي ونفوذهم في إدارة شؤون البلد ضمن إطار تمسكه بتعزيز العيش المشترك مع المسلمين. والبطريرك الجديد على اقتناع بأن الدفاع عن القضايا الوطنية وعن المصالح المشروعة للمسيحيين واللبنانيين ليس تدخلاً في الشؤون السياسية بالمعنى الضيق وليس خروجاً عن دور بكركي بل انه في صلب مهمة الكنيسة ومهمة القادة الروحيين.
ثالثاً – البطريرك الراعي على اقتناع بأن إنقسام المسيحيين يضعفهم ويضعف لبنان ويهدد الصيغة اللبنانية الفريدة ويؤمن بأن التمسك بالمشروع الإستقلالي السيادي يجمع اللبنانيين ويحقق وحدتهم ويؤمن مصالحهم المشروعة أفضل من أي مشروع آخر.
رابعاً – ينوي البطريرك الراعي، بناء على المعلومات الواردة الى باريس، الإضطلاع بدور قيادي وطني نشيط لمحاولة جمع صفوف المسيحيين ولم شملهم وتوحيد مواقفهم الأساسية، وهو ليس منحازاً الى فريق سياسي معين بل إنه منحاز الى الثوابت الوطنية الأساسية التي تؤمن مصالح المسيحيين واللبنانيين عموماً. وسيحاول الراعي إقناع الزعماء الموارنة والمسيحيين عموماً بضرورة التوافق على الثوابت الوطنية الأساسية الآتية: حماية إستقلال لبنان وسيادته وقرار شعبه الحر ونظامه الديموقراطي التعددي، تعزيز دور الدولة ومؤسساتها الشرعية، معالجة مشكلة سلاح  "حزب الله" عبر الحوار الوطني من أجل إخضاع هذا السلاح لسلطة الجيش وجعله جزءاً من الإستراتيجية الدفاعية بحيث تتحمل الدولة وحدها مسؤولية التعامل مع إسرائيل سلماً أو حرباً، التمسك بالمناصفة والمساواة بين المسلمين والمسيحيين والسعي في الوقت عينه الى تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية ودوره، تعزيز وجود المسيحيين في أجهزة الدولة وتقوية الروابط بين المسلمين والمسيحيين ضمن نطاق الولاء للبنان المستقل السيد، إقامة علاقات قوية وجيدة وسليمة بين لبنان وسوريا على أساس الإحترام المتبادل لإستقلال البلدين وسيادتهما وتطوير علاقات لبنان مع المجتمع الدولي والمجموعة العربية، الحرص على تحقيق العدالة ومواصلة دعم عمل المحكمة الخاصة بعيداً من أي تسييس، رفض إستخدام لبنان ساحة مواجهة مفتوحة مع إسرائيل ودول أخرى.
وتخشى المصادر المطلعة في باريس أن يكون العماد ميشال عون رئيس "التيار الوطني الحر" العقبة الأساسية التي قد تعرقل مهمة البطريرك الراعي هذه وتمنع التوصل الى تفاهم مسيحي شامل أو واسع على هذه الثوابت الوطنية لأن عون يتمسك بتأمين غطاء مسيحي لدور "حزب الله" ويؤيد إحتفاظ الحزب بسلاحه وبقرار الحرب مع إسرائيل ويرفض المحكمة الخاصة ويريد أن يكون "الزعيم السياسي الأول للمسيحيين وليس واحداً من مجموعة زعماء".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,476,688

عدد الزوار: 7,759,155

المتواجدون الآن: 0