دمشق: لا مؤامرة ولا انقلاب داخل النظام

تاريخ الإضافة السبت 9 نيسان 2011 - 6:03 ص    عدد الزيارات 573    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
دمشق: لا مؤامرة ولا انقلاب داخل النظام
الإصلاحات الجدية تمنع التدخل الدولي في سوريا

أجرى مسؤولون أميركيون وفرنسيون وعرب وأتراك حديثاً مشاورات لم يعلن عنها تناولت تقويم أهمية الإضطرابات في سوريا وحجمها وأبعادها وطريقة التعامل مع نظام الرئيس بشار الأسد في المرحلة المقبلة، توصلوا خلالها الى اقتناع أساسي بأن هذا البلد يواجه مشاكل وتحديات جدية وصعبة ونزاعاً داخلياً قابلاً للتطور نتيجة خمسة عوامل رئيسية. وهذه العوامل هي الآتية كما اوضحتها لنا مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس مطلعة على مضمون تلك المشاورات:
أولاً - نظام الأسد مستعد لإجراء إصلاحات سياسية وإقتصادية "شكلية وتجميلية" لكنه ليس راغباً في إجراء إصلاحات حقيقية وعميقة تؤدي خصوصاً الى تقليص امساك القبضة الأمنية بسوريا وإلغاء قانون الطوارىء وكل ما يرتبط به وتبني قانون آخر مشابه له في مضمونه، وتؤدي أيضاً الى إنفتاح سياسي وإجتماعي واسع في الداخل والى إطلاق الحريات وتبني النهج الديموقراطي في ممارسة السلطة وإدارة الحياة السياسية وشؤون البلد، كما تؤدي الى محاربة الفساد جدياً وتطبيق سلطة القانون وتعزيز إستقلال القضاء وتحقيق العدالة وضمان المساواة بين المواطنين، لأن هذه الإصلاحات تغير جذرياً طبيعة النظام وتركيبته وتفتح الباب أمام التداول السلمي للسلطة وتشكل تالياً مصدر تهديد لهذا النظام، وفقاً للتقويم السوري.
ثانياً - ليس صحيحاً القول ان ثمة خلافات جدية بين الأسد وبعض المقربين منه على طريقة حكم سوريا وعلى أسلوب التعامل مع مطالب السوريين، وليس صحيحاً القول ان ثمة تيارا معتدلا وآخر متشددا داخل القيادة السورية، بل إن الجميع في هذه القيادة متفقون على ضرورة الحفاظ على النظام الحالي كما هو ورفض المس بتركيبته ومكوناته الرئيسية وقواعده، مما يوجب رفض التغيير الحقيقي والإصلاح الجدي والإنفتاح الداخلي والى الإمتناع عن توسيع نطاق المشاركة السياسية والشعبية في السلطة.
ثالثاً - المسؤولون السوريون على اقتناع بأن حماية نظام الأسد وضمان الأمن والإستقرار في البلد يتطلبان إبقاء سوريا في حال طوارئ وتأهب وتعبئة في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية على أساس انها تواجه "تهديدات ومؤامرات مستمرة" من جهات دولية وغربية وإقليمية، ولذلك يجب إعطاء الأولوية للحفاظ على الأمن والإستقرار ومواجهة "المؤامرات والتهديدات" وليس لتنفيذ المطالب الإصلاحية المتعددة التي يحتاج اليها الشعب. وانطلاقاً من هذا الإقتناع يرى النظام السوري، ضمناً أو علناً، ان المتظاهرين والمحتجين عموماً "متآمرون" على الوطن و"شركاء" في عملية تهدف الى إضعاف سوريا وتفجير فتنة داخلية فيها وتالياً يجب التعامل معهم بقسوة. ويتصرف النظام على أساس ان السوريين يجب أن يقبلوا "الإصلاحات" التي يقترحها ويحدد مضمونها المسؤولون عوض أن يفرضوا هم على قيادة بلدهم الإصلاحات الحقيقية التي يحتاجون اليها والتي تم تبنيها في دول عربية أخرى وتدفع النظام السوري الى الإنقلاب على ذاته.
رابعاً - إحدى المشاكل المهمة غير المعترف بها التي يواجهها السوريون ان نظام الأسد يريد إعطاء سوريا دوراً إقليمياً أكبر من حجمها وقدراتها، ليس من خلال التعاون مع الدول العربية والأجنبية البارزة والمؤثرة من اجل تعزيز الأمن والإستقرار في المنطقة وحل النزاعات بالوسائل السلمية ومعالجة مشاكل البلد الداخلية واحترام إستقلال الدول الأخرى وسيادتها ومصالحها المشروعة، بل من خلال محاولة تعزيز نفوذه وتقوية دوره الإقليمي على حساب المصالح والحقوق المشروعة للبنانيين والفلسطينيين والعراقيين وغيرهم ومن خلال المشاركة مع إيران وحلفائه المتشددين في تنفيذ إستراتيجية مواجهة في المنطقة مع المعتدلين العرب والتدخل سلباً في شؤون عدد من الدول العربية ومحاولة استخدام الساحتين اللبنانية والفلسطينية لتنفيذ مخططاته ولتعزيز موقعه التفاوضي مع الدول الكبرى لكن من دون جدوى، وأيا يكن الثمن الذي يدفعه اللبنانيون والفلسطينيون وغيرهم. وهذا التوجه يضع نظام الأسد في حال صدام مع دول وجهات دولية وعربية بارزة ومؤثرة وينعكس سلباً على الأوضاع في سوريا وعلى مصالح السوريين.
خامساً - يتصرف الأسد في تعامله مع المشاكل والتحديات التي يواجهها في الداخل وفي الخارج بثقة مفرطة بالذات وبقدرته على معالجتها، ويحرص على تجاهل الحقائق إذ يصف، مثلاً، الثورات والإنتفاضات الشعبية العربية الراهنة بأنها "صرعة جديدة" محاولاً تقليل أهميتها وحماية سوريا من "عدواها". ويتمسك الأسد في الكثير من الأحيان بمواقف متشددة تضعف سوريا لأنه يرى ان التعامل بمرونة وانفتاح وواقعية مع القضايا والمشاكل العالقة يهدد صلابة النظام وتماسكه ويدفعه تدريجاً الى تقديم تنازلات مهمة في الداخل والخارج. لكن هذا الأسلوب في التصرف لم يحقق مكاسب للسوريين ولم يعزز موقع سوريا الإقليمي والدولي.
لا مؤامرة بل مطالب مشروعة
ضمن هذا السياق أوضحت المصادر الأوروبية المطلعة ان المسؤولين العرب والأتراك والأميركيين والأوروبيين الذين إتصلوا بالأسد قبل إلقائه خطابه في مجلس الشعب وبعده، رفضوا تبني وجهة نظره القائلة بأن بلاده تواجه "مؤامرة كبيرة" من دول قريبة وبعيدة، خصوصاً ان الرئيس السوري لم يطلعهم على مضمون هذه "المؤامرة" وتفاصيلها ولم يحدد الجهات المشاركة فيها ولم يكشف أي أدلة أو معلومات عنها ولم يقدم شكوى الى مجلس الأمن ضد الجهات المتآمرة على بلده، بل ان هؤلاء المسؤولين على اقتناع تام، بناء على معلوماتهم، بأن الصراع بين النظام والمحتجين السوريين داخلي ولم ينته بل انه مستمر بأشكال متنوعة لأن أسبابه عميقة ومعالجته تتطلب قرارات كبيرة وإجراءات محددة ملموسة في مجالات حيوية عدة. وركز المسؤولون في إتصالاتهم مع الأسد على الأمور الأساسية الآتية:
أولاً - إن المحتجين السوريين ليسوا متآمرين على البلد بل ان لديهم مطالب مشروعة، ونظام الأسد يجب أن يتحمل مسؤولياته ويعالج المشاكل التي يعانيها السوريون عوض أن يتهم جهات خارجية بالعمل على تفجير الأوضاع في سوريا، إذ ان الدول العربية والأجنبية البارزة إنفتحت في السنوات الأربع الاخيرة على النظام السوري وحاولت التوصل الى تفاهمات معه على القضايا الإقليمية العالقة بعيداً من استراتيجية المواجهة والتحالف مع إيران، لكن هذا النظام رفض العروض والإقتراحات المقدمة اليه لأنها تتناقض مع سياساته وتوجهاته المتشددة التي يتمسك بها ويرفض تغييرها.
ثانياً - حل المشاكل العالقة في سوريا يجب أن يكون سياسياً - إصلاحياً وليس عسكرياً - أمنياً وأن يقوم على الحوار الوطني الواسع وليس على تجاهل المطالب المشروعة للشعب السوري، إذ ان الإصلاح الحقيقي العادل والمتوازن يعزز الإستقرار ويدعم الوحدة الوطنية. وفي المقابل، ان من شأن استخدام العنف والقوة المسلحة في التعامل مع المحتجين والمتظاهرين ان يطيل أمد الأزمة ويفتح الباب أمام إحتمال "تدويلها" ويمهد لتدخلات خارجية في شؤون سوريا قد تكون أشد خطورة على النظام من الإحتجاجات الشعبية.
ثالثاً - من مصلحة الأسد أن يرفض تبني "الخيار الإيراني" أو "الخيار الليبي" في التعامل مع المحتجين المسالمين، وأن يتبنى عوض ذلك الخيار التونسي أو الخيار المصري من غير أن يعني ذلك تخليه عن الحكم. إذ ان المطلوب من الرئيس السوري أن "يستمع" الى شعبه وأن "يتحاور" فعلاً معه وأن يلبي مطالبه المشروعة لأن هذه هي مهمة الحاكم، عوض أن يتعامل مع الذين يتجرأون على طرح هذه المطالب علناً ومن خلال تظاهرات سلمية على أساس انهم "أعداء للوطن" وانهم يخدمون مخططات الدول الراغبة في إضعاف "صمود سوريا".
رابعاً - يجب أن ينهي الأسد أي نقاش داخل القيادة السورية يتناول جدوى التغيير أو عدم جدواه وأن يأخذ المبادرة ويقود بنفسه عملية الإصلاح والتغيير ويمتنع عن المماطلة والرهان على أن عنصر الوقت هو لمصلحة النظام. والمطلوب من الرئيس السوري أن يتجاوز مرحلة الوعود ويتخذ بسرعة مجموعة قرارات سياسية وأمنية وإقتصادية وتنظيمية ترضي السوريين وتحسن ظروفهم المعيشية وتؤمن مطالبهم الحيوية المشروعة وأبرزها: إجراء تغييرات وإصلاحات سياسية جدية في توجهات النظام وتأمين الإنفتاح السياسي في الداخل وضمان الحريات وتحقيق التعددية، وإنهاء مرحلة إخضاع البلد لقانون الطوارئ أو لأي قانون آخر مماثل له في مضمونه، واعتماد الأساليب والممارسات الديموقراطية في الحياة السياسية ومكافحة الفساد جدياً وتحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة بين المواطنين وتعزيز سلطة القضاء وتأمين إستقلاله واتخاذ تدابير جدية لتحسين الظروف المعيشية القاسية للسوريين.

 

"حق التدخل" الدولي

خامساً - حذر المسؤولون العرب والأجانب الأسد من ان النظام السوري "لن يجد من يقف الى جانبه أو من يساعده ويعمل على إنقاذه" إذا تجاهل المطالب المشروعة لمواطنيه وإستخدم الأساليب الأمنية والقمعية لمحاولة وضع حد للإحتجاجات الشعبية لأن الأوضاع في سوريا ستشهد حينذاك المزيد من التدهور مما قد يدفع دولاً بارزة الى المطالبة بمناقشة تطورات الأحداث في إجتماع لمجلس الجامعة العربية أو في مجلس الأمن تمهيداً لإتخاذ إجراءات قاسية ضد النظام وضد عدد من المسؤولين فيه. فالمجتمع الدولي يدعم بوضوح الإنتفاضات الشعبية العربية الديموقراطية الإصلاحية ويتصرف على أساس أن لديه "مسؤولية ما" حيال ما يجري في الدول التي تشهد إحتجاجات شعبية على حكامها، ويتبنى مبدأ "حق التدخل الإنساني والسياسي" المشروع في هذه الدول لحماية شعوبها من قمع السلطة ولمساندة المطالب الإصلاحية. وقد استخدمت دول بارزة ومؤثرة مبدأ "حق التدخل" المشروع هذا للتدخل سياسياً وديبلوماسياً في تونس ومصر لمساندة شعبيهما والمساعدة على الإنتقال من مرحلة الحكم المتسلط المستبد الى مرحلة الحكم الديموقراطي، كما استخدمت هذا المبدأ للتدخل عسكرياً، وبتفويض رسمي من مجلس الأمن، في ليبيا من أجل إنهاء حكم العقيد معمر القذافي ومساعدة الليبيين على أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم. وكما قال ديبلوماسي أوروبي مطلع: "المسؤولون العرب والأجانب المهتمون بمسار الأوضاع في سوريا على اقتناع بأن إسكات المحتجين من طريق القوة المسلحة لن يحّل المشكلة ولن يضع حداً لمطالبهم بل انه يعمق الخلاف بين النظام وشعبه".
واللافت، في هذا المجال، الموقف التركي الرسمي من التطورات في سوريا. وقالت لنا مصادر ديبلوماسية أوروبية مطلعة إن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يضطلع بدور "ضاغط" على الأسد لدفعه الى إجراء إصلاحات سياسية جدية، وذلك بالتفاهم التام مع الإدارة الأميركية وبالتشاور والتنسيق مع جهات عربية وأوروبية معنية بالأمر، على أساس انه يقيم علاقة قوية ومميزة مع الرئيس السوري ويملك "قدرة" على التأثير عليه. وأوضحت المصادر "ان المسؤولين الأتراك ليسوا راغبين في أن تشكل علاقاتهم الوثيقة مع سوريا غطاء لنظام الأسد كي يواجه بالعنف والقوة المسلحة مواطنيه الذين يتمسكون بمطالب إصلاحية مشروعة. والأتراك منزعجون جدياً من تصلب الأسد ومن تجاهله نصائحهم ونصائح دول أخرى وهم يتخوفون من أن تتحول المواجهة بين النظام والشعب نزفا داخلياً يهدد الأمن والإستقرار في سوريا وينعكس سلباً عليهم وعلى "إستثماراتهم " السياسية والإقتصادية والتجارية والأمنية في هذا البلد". وهذا الإنزعاج دفع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الى التصريح علناً "بأن الأجيال العربية الشابة تريد المزيد من الكرامة والرخاء الإقتصادي والديموقراطي، وعلى الزعماء الحكماء في المنطقة قيادة هذه العملية التغييرية وليس محاولة منعها. والذين يحاولون منع التغيير سيواجهون مزيداً من المصاعب كما هو الحال في ليبيا". ورفض داود أوغلو إتهام نظام الأسد بأن "عناصر أجنبية" تقف وراء الإحتجاجات الشعبية في سوريا قائلا: "هذا الإتهام يعني اننا نعتقد أن العرب عاجزون عن المطالبة بالتغيير أو عن إحداث التغيير".
ولخص ديبلوماسي أوروبي مطلع الموقف بقوله: "سوريا ستكون في موقع أفضل وأقوى داخلياً وعربياً ودولياً إذا أجرت قيادتها إصلاحات وتغييرات حقيقية سياسية وإقتصادية وأمنية وإذا تبنت سياسة الإنفتاح في الداخل والخارج وتخلت عن نهج التوسع والهيمنة في التعامل مع لبنان، وإذا سعت جدياً الى تعزيز علاقاتها مع المجتمع الدولي والدول البارزة فيه ومع الدول العربية عموماً، عوض أن يظل هذا البلد أسير إستراتيجية المواجهة والتحالف مع إيران والقوى المتشددة".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,495,117

عدد الزوار: 7,759,479

المتواجدون الآن: 0