تكوين السلطة الإجرائية بين أحكام الدستور ووقائع السياسة

تاريخ الإضافة الأربعاء 27 نيسان 2011 - 5:17 ص    عدد الزيارات 509    التعليقات 0

        

تكوين السلطة الإجرائية بين أحكام الدستور ووقائع السياسة
د· خالد قبّاني

 


 
 عندما تتحكم موازين القوى السياسية في الحياة العامة وبمقدرات البلاد، وعندما يضحى الدستور أداة توظيف في الصراع السياسي، تدخل البلاد حكماً، كما هو الوضع الآن في حالة من الإنقسام والفوضى والضياع وعدم الاستقرار وفقدان المرجعية، وتضرب الثقة بالدولة ومؤسساتها ويتراجع مفهوم القاعدة القانونية ودورها، ومفهوم الحق، وتضيع القيم، ويتفرق الشعب، أحزاباً وشيعاً وجماعات، ويضحى لكل جماعة أو فئة دستورها ونظامها وقيمها ومفاهيمها ودروبها والمسالك، وتتحول البلاد إلى مسرح للتدخلات والصراعات الخارجية وساحة ملائمة لتصفية الحسابات···

وقد انعكس هذا الوضع الدستوري والسياسي على المشكلة التي تواجه تكوين السلطة الإجرائية أيضاً، فلكل مطالبه، ولكل طرقه ووسائله في تظهير هذه المطالب، ولكل دستور يحتج به ويرتكز إليه، ولكن ماذا عن الدستور اللبناني؟

أرسى الدستور اللبناني في مقدمته ثلاثة أركان جوهرية لنظامنا السياسي:

الأول: لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية·

الثاني: الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية·

الثالث: النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها·

وضمن الدستور لمختلف مكونات الشعب، نظراَ لتركيبته الإجتماعية الطائفية والتي تشكل خصوصية النظام السياسي البرلماني، كما هو مطبق في لبنان، مشاركة الجماعات الطائفية في الحكم وتمثيلها في مؤسسات الدولة الدستورية، دون أن يعطي لأي منها حقاً دستورياً في التمثيل أو القرار بوصفها جماعة ذات كيان سياسي أو دستوري مستقل· وقد تبلور هذا الأمر من خلال القاعدة التي أكدت عليها جميع القوانين الإنتخابية، وهي أن جميع الناخبين في الدائرة الإنتخابية على اختلاف طوائفهم يقترعون للمرشحين عن تلك الدائرة·

على هذا الأساس، يمكن أن ندرك أهمية ووضوح النصوص الدستورية التي تحكم عملية تكوين السلطة الإجرائية كما وعملية التناغم بين المؤسسات الدستورية في إطار تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات·

ففي عملية تكوين السلطة الإجرائية، تنص المادة/53/ من الدستور على أن رئيس الجمهورية يسمي رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها· ويتولى رئيس الحكومة المكلف بعد تسميته، وفقاً للمادة /64/ من الدستور إجراء الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، وبنتيجة ذلك يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة·

هذه الآلية تفيد أن مسألة تشكيل الحكومة تتم بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، وأن رئيس الجمهورية، بما هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يلعب دوراً دستورياً أساسياً في تكون السلطة الإجرائية، ودوره، ليس عارضاً ولا عابراً ولا متلقياً، أو صاحب حصة معينة، كما حدده الواقع السياسي أو أثبتته وقائع السياسة أو فرضته ظروف استثنائية طارئة، أخرجت توافقات ظرفية ومؤقتة واستثنائية، بل إن الحكومة لا يتم تشكيلها إلا بموافقته وبما يجعله مقتنعاً ومطمئناً إلى توافر المقومات اللازمة لنجاحها وتحقيقها للمصلحة العامة·

ولا يعني هذا أن رئيس الحكومة الذي يقدم إلى رئيس الجمهورية اقتراحه بتشكيل الحكومة، يتجاوز الاستشارات النيابية، بل هو يأخذ بعين الاعتبار حصيلة هذه الاستشارات التي أجراها مع الكتل النيابية المختلفة، بما يضمن تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان، ولا سيما الأكثرية فيه، باعتباره الزعيم المفترض للأكثرية النيابية·

ولا يعني هذا بالمقابل، أن رئيس الحكومة يصبح خاضعاً أو مقيداً بطلبات هذه الأكثرية، لأن دوره أن يوازن بين المطالب وأن يوفق في ما بينها، وأن يخرج بتشكيلة تؤمن الانسجام والتضامن الوزاري الذي من شأنه أن يشكل الأرضية الصالحة لنجاح الحكومة في مهمتها·

طبعاً من حق القوى السياسية أن يكون لها مطالب وشروط للاشتراك في الحكومة، كما تستطيع أن ترفض المشاركة في الحكومة عندما لا تلبى طلباتها، ولكنها لا تستطيع أن تفرض شروطها فرضاً أو تمنع تشكيل الحكومة وتنزع عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حقهما الدستوري في تشكيل الحكومة، ويبقى للأكثرية النيابية الكلمة الأخيرة في إعطائها الثقة أو حجبها عنها، وبالتالي في تقرير مصيرها، وهذا هو جوهر النظام البرلماني القائم على مفهوم الحرية والديمقراطية والسيادة الشعبية·

ومحصلة ذلك أن أمر جمع الأكثرية والمعارضة لا يستقيم في حكومة واحدة، كما حصل في حكومة الوحدة الوطنية المستقيلة، والتي كان من نتيجتها نقل الصراع السياسي إلى قلب الحكومة وشل عملها· والواقع أن هذه التجربة الفريدة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، في غير الظروف الاستثنائية، قد أدت إلى شل عمل مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة الدستورية الأم، وهي مجلس النواب، باعتبار أن الحكومة أضحت صورة مصغرة عن مجلس النواب، تتمثل فيها جميع أو معظم الأحزاب، والكتل والتيارات السياسية، بما لا يبقي أي دور للمجلس، ولا سيما دوره الأساسي في الرقابة والمساءلة والمحاسبة، فضلاً عن دوره التشريعي· كما أن من شأن ذلك أن يعطل عمل مؤسسات أخرى، ولا سيما المجلس الدستوري، الذي يشكل النافدة التي تستطيع ان تطلع منها المعارضة في مجلس النواب وتقف في وجه الأكثرية النيابية العددية الطاغية أو المهيمنة، فتتمكن من تصويب أو تصحيح مسار العمل الحكومي والتشريعي بصورة ديمقراطية، من خلال اللجوء إلى المجلس الدستوري الذي يشكل الوجه القانوني والدستوري للديمقراطية· ولقد أكدت تجربة الجمع بين الأكثرية والمعارضة في حكومة واحدة أعطيت تسمية حكومة وحدة وطنية، انه لا يمكن الجمع بين الزيت والنار، وبالفعل فقد أدى ذلك إلى شل العمل الحكومي، بل وفي النهاية، إلى تفجير الحكومة من الداخل·

كما لا يستقيم توزيع الحصص داخل الحكومة، على الشكل الذي تم سابقاً ويتم حالياً، وبشكل مصطنع، بين الكتل السياسية داخل الحكومة، والتحكم بمسارها ومصيرها، سواء بإعطاء جهة سياسية ما إمكانية تعطيل جلسات مجلس الوزراء، أو تعطيل إصدار القرارات الهامة، والوصول حتى إلى ما هو أخطر وذلك بإسقاط الحكومة·

الدستور شيء، كما هو واضح، ووقائع السياسة شيء آخر، كما هو أكثر وضوحاً، الدستور يحدد اختصاص السلطات وينص على التعاون والتوازن فيما بينها، ووقائع السياسة تشير إلى التخبط والفوضى في ممارسة السلطة تبعاً لموازين القوى الداخلية والخارجية، على قاعدة السلطة للأقوى، والعمل بخلفية وضع اليد على القرار والقبض على مفاصل الحكم، والهيمنة على مؤسسات الدولة، والاستقواء، ما أضطر الأمر إلى ذلك، بالخارج·

فإلى أين نسير بلبنان وأي مستقبل أو مصير ينتظره؟

 رئيس مجلس الخدمة المدنية·

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,541,486

عدد الزوار: 7,760,341

المتواجدون الآن: 0