حضور الإسلام السياسي

تاريخ الإضافة الخميس 5 أيار 2011 - 6:51 ص    عدد الزيارات 556    التعليقات 0

        

سليمان تقي الدين
عادت تيارات الإسلام السياسي إلى واجهة الأحداث في المنطقة. «الإخوان المسلمون» حاضرون بقوة في مصر وتونس إلى الحد الذي يقال إنهم والمؤسسة العسكرية في كلا البلدين، يشكلون العصب الذي يستطيع أن يحدد الوجهة العامة للمسار السياسي. استعاد «الإخوان» دورهم العلني المباشر في سوريا بعد طول انكفاء، وهم يبحثون عن شرعية وفّرتها تركيا برعايتها لاجتماعات قياداتهم الموجهة نحو التطورات السورية. في أكثر من عاصمة قرار غربي في احتضان لقيادات إسلامية معارضة وكذلك ليبرالية. الحوار الأميركي مع هذه الحركات يمتد من طالبان إلى إخوان مصر، ويبدو أنه قد بلغ حركة «حماس» بطريقة غير مباشرة. كأنها مرحلة تقتضي في السياسة الأميركية التركيز على استيعاب هذا الإسلام السياسي بالذات الذي يمكن بواسطته تجديد النظام العربي وإعطائه قاعدة شعبية أوسع.
نحن أمام ظاهرة عربية موضوعية هي انحسار التيارات القومية والليبرالية واليسارية لمصلحة تيارات الإسلام السياسي على الأقل منذ ثلاثة عقود.
تعطيل الحياة السياسية أو احتكارها من أحزاب السلطة أفسح المجال لثقافة الجمهور التقليدية أن تصبح ملاذاً وحيداً لشكل النشاط الاجتماعي والسياسي. لكن الأهم من ذلك هو الإحباطات والخيبات والإخفاقات التي عززت العودة إلى الحالة الإيمانية الدينية الأصولية والسلفية احتجاجاً على أوضاع مزرية على صعيد الكرامة الوطنية والإنسانية ومقاومة لهيمنة ثقافة الاستبداد. في النظام العربي بجميع أشكاله، مفارقات عجيبة. حداثة مفرطة لدى بعض النخب أو ادعاء خادع بالسلفية لدى نخب أخرى، وجمهور مقموع في الاختيار أو ممنوع واقعياً من امتلاك شروط الحداثة وثقافتها، ولو أُتيحت له بعض وسائلها. الإسلام العقيدي استُخدم في مواجهة الداخل والخارج، والإسلام السياسي تحول إلى فزّاعة بتناوب بين النظام العربي والغرب. لم يعد الإسلام ثقافة شعبية عفوية يمارسها المؤمنون كهوية لهم، بل صار مسألة سياسية أبعد من الإيمان الديني. لم ينشق المسلمون على العقيدة في التاريخ المعاصر بل على الخيارات السياسية التي ألبسوها أثواباً عقائدية لم يسبق لها أن كانت في الماضي على هذا النحو. هذا الاستخدام العقائدي المفرط لتبرير خيارات سياسية قاد إلى ظاهرة تطييف وتمذهب عصبوي طاول هويات الدول ومواقفها. افتتح الاحتلال الأميركي للعراق معركة نفوذ وتنافس سلطوي بين الجماعات، ثم صارت لغة النزاع الاقليمي توصف بهلال مذهبي هنا، وكتلة مذهبية أو تجمع إقليمي هناك.
لا نزعم ان النزاعات المذهبية أو الدينية أو الاثنية والجهوية نزاعات هامشية أو لا قيمة ولا أهمية لها، لكن المذاهب تبادلت وتتبادل أدوار الهيمنة والتهميش أو تتبادل أدوار الشكوى بحسب ما انتهت إليه الأوضاع العربية من تضييق لنطاق السلطة وقاعدتها. فليس هناك من قاعدة عامة أو منطق للتعامل على مستوى العالم العربي في مشكلة الامتيازات والحرمانات.
ما يمكن أن يكون امتيازاً في مكان هو حرمان في مكان آخر، والعكس صحيح، حتى تهافت منطق التلازم بين المذاهب ومشكلات الدولة في العالم العربي. في هبّة الشعوب العربية اليوم، أكثر من دليل على الآليات المشتركة التي تدار من خلالها المنظومة السلطوية التي جنحت وتجنح نحو اختزال الشعب في مجموعة من النافذين والمستفيدين، التي تشد أواصر لحمتهم المصالح أكثر من الهوية أو القرابة من دون إغفال وجودهما. ينخفض منسوب القدرة على التغيير أو ينخفض تبعاً لمكونات السلطة والمجتمع. تتزايد إشكالات التغيير كلما ازدادت عناصر التعدد والتنوع وتساندت أو تباعدت. ومن نافل القول أن السلطة تنبع من علاقات المجتمع وهي تتكون في رحمه وفي توازناته وعناصره.
كبت النظام العربي المسألة الطائفية بسيطرة الفكر الشمولي، ثم تلاعب بها لحظة اندلعت أزمات كيانية في لبنان والعراق. أولوية المصالح السياسية والمكاسب الظرفية في التناقضات العربية أدت إلى ممارسات حمائية للتيارات المذهبية أو للجماعات الدينية. وضع النظام العربي نصب عينيه عدواً يتمثل في قوى التغيير ذات الملامح المدنية والعلمانية والديموقراطية. مخاصمة الديموقراطية بمضامينها التقدمية والتحررية كانت القاسم المشترك بين العرب المحافظين التقليديين والعرب القوميين. مارس العرب السياسة بمنطق التبعية والولاء والاعتصاب لا بمنطق الحوار والإقناع والشراكة. كانت أشد خصوماتهم بين الأقربين من الحزب الواحد والفكر الواحد. لم تعرف السياسة العربية الحديثة تجربة التنوع في الوحدة. شخصن العرب السلطة حتى صارت ملكاً خاصاً. يفاجأ بعض العقل العربي من ظاهرة حركات التغيير التي لا يقودها رمز أو زعيم أو قيادة تاريخية. أدمن هذا المنطق التفكير الانقلابي لا التغيير الديموقراطي. يسأل بعض العرب عن «خيارات الثورة الحاسمة التي لم تظهر بعد» لأنهم لم يستوعبوا معنى الممارسة الديموقراطية المفتوحة على الجدل والتنوع. من طبيعة الخيار الديموقراطي انه حصيلة لاتجاهات لا إجماع فيها. لا يقبل الخيار الديموقراطي زعيماً يأخذ شعبه إلى الحرية وآخر يأخذه إلى العبودية. ما يصنعه العرب اليوم هو بناء هذه الثقافة، وهذه الثقافة يجب أن تقبل الآخر قبولاً وجودياً كشرط للحرية وكشرط للتقدم بين خيارات متنافسة، وليس بين أصحاب سلطات تلغي الآخر. يقلقنا الإسلام السياسي ما دام يحمل ثقافة الإلغاء بالعنف المعنوي أو المادي. يكون الإسلام السياسي استبداداً آخر إذا لم يقبل النظام الديموقراطي.
نعرف أن كل ثقافة عصبوية أو شمولية تحمل بذور إنكار الآخر. لكن الآخر بسلوكه فاعل في إرساء العلاقة على حد الإنكار المتبادل أو الحوار. ظاهرة الإسلام السياسي تاريخية اجتماعية، لم تكن في الماضي كما هي اليوم ولن تكون في المستقبل كذلك. هذه مسألة مجتمع كي يؤمن شروط معالجة مشكلاته بالسياسة لا بالإنكار ولا بالإلغاء.

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,553,579

عدد الزوار: 7,761,231

المتواجدون الآن: 1