القوى الفلسطينية: من الراديكالية إلى الوسطية

تاريخ الإضافة الثلاثاء 24 شباط 2009 - 11:15 ص    عدد الزيارات 888    التعليقات 0

        

سامي حسن

بخلاف مفاهيم الموضوعية والعلمية والاتزان، التي لا تتعارض مع الراديكالية، في رأيي، بل ربما تكون من مميزاتها، فإن الوسطية في السياسة تعني من وجهة نظري، ازدواجية ورخاوة المواقف، والقفز فوق المبادئ، واستسهال الانتقال من موقع لآخر، وعدم الانسجام بين القول والممارسة. وانطلاقاً من هذا الفهم المبسط للراديكالية وللوسطية، يحاول هذا المقال البرهنة على أن الوسطية هي السمة المميزة لجميع القوى السياسية على الساحة الفلسطينية؟.
يلاحظ المتابع للشأن الفلسطيني أن هناك قطبين أو قوتين أساسيتين على الساحة الفلسطينية هما حركتا فتح وحماس وبينهما مجموعة من القوى تتفاوت في درجة قوتها، وانطلاقاً من فهمها للصراع مع إسرائيل والمشروع الصهيوني، وموقعها في هذا الصراع، وبناء على الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيقها، والأساليب التي تتبعها من أجل ذلك، تصنف حماس على أنها حركة راديكالية، كونها تطرح نظرياً على الأقل القضاء على إسرائيل وتحرير كل فلسطين، متبنية المقاومة المسلحة كأسلوب رئيسي من أجل تحقيق أهدافها. بينما ينظر لحركة فتح، التي تخلت عن هدف تحرير كامل التراب الفلسطيني، على أنها حركة معتدلة تسعى عن طريق المفاوضات إلى تسوية الصراع على أساس حل الدولتين.
وبرأيي فإن كلتا الحركتين تنتمي إلى المدرسة الوسطية في السياسة؟
فحركة حماس التي تسير بخطى واضحة في طريق الابتعاد عن برنامجها، وأدبياتها وثوابتها، هي أبعد ما تكون عن الراديكالية، والشواهد على ذلك كثيرة، نذكر منها: دخول حركة حماس الانتخابات التشريعية تحت سقف أوسلو الذي طالما حاربته وخونت من وقعه، وتعهدها بعد فوزها بالانتخابات التشريعية بأنها ستحترم الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل؟. وتصريحات عدد من أهم قيادات حماس، والتي حاولت من خلالها أن تبعث برسائل واضحة إلى حلفاء إسرائيل (أميركا، أوروبا...) بأنها حركة براغماتية وواقعية، مستعدة لإحداث تغييرات وتحولات (فعلياً المقصود تنازلات) في مواقفها وأساليب نضالها؟. وقد جاءت الممارسات السياسية والأفعال على الأرض لتؤكد ذلك ، من وثيقة السيد أحمد يوسف (مستشار السيد اسماعيل هنية) الشهيرة، إلى إيقاف المقاومة تحت شعار التهدئة أو الهدنة، والموافقة على وثيقة الوفاق الوطني (الأسرى) التي تتبنى بشكل واضح خيار الدولتين؟ ولننظر إلى ما نشرته صحيفة ليبراسيون الفرنسية بتاريخ 26/1/2009 من تصريحات لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل التي يعلن فيها استعداده للتفاوض مع إسرائيل على حل يؤدي إلى دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران، ويبين فيها بما معناه أنه الأقدر من السيد محمود عباس على الإيفاء بما يتعهد به، لأنه وبخلاف السيد عباس يتمتع بالقوة وبالشرعية؟ إن هذه التصريحات، التي لم تنفها حتى الآن حركة حماس، والتي تتوافق من حيث جوهرها مع تصريحات سابقة، هي الدليل الأحدث والأوضح على ما ذهبنا إليه من أن حماس هي حركة وسطية، ووسطية بامتياز.
أما حركة فتح (التي تخلت عن هدف تحرير كل فلسطين منذ تبنيها البرنامج المرحلي عام 1974) فهي بخلاف حماس، تدعو بشكل واضح إلى خيار الدولتين (الذي يعتبر خيارا وسطيا لأنه ينتقص من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ويقر بشرعية الدولة الصهيونية). وهنا فإن تصنيف حركة فتح بالوسطية ليست لكونها تتبنى هذا الخيار فحسب، بل لأنها على صعيد الفعل والممارسة تخون الخيار نفسه، حيث بات من الواضح أن الصيغ التي تتعاطى بها قيادة هذه الحركة مع موضوع حق العودة، وموافقتها على المبادرة العربية، وغير ذلك من المواقف، يدل على أنها مستعدة للتنازل عن هذا الحق، من خلال تخريجات وحلول معينة، دون الاعلان عن ذلك بشكل واضح. وبنفس العقلية الديماغوجية، تتعامل مع مواضيع أخرى، كالقدس، والسيادة، والمستوطنات....إلخ.
أما بالنسبة للجبهة الشعبية فقد رفضت بداية تبني البرنامج المرحلي، واستمرت على موقفها خمس سنوات، كي تعود وتتبناه عام 1979، ومنذ ذلك التاريخ يمكن القول انها تحولت من قوة راديكالية إلى قوة وسطية، يمكن اعتبارها اليوم وبالمقارنة مع القوى المتبنية لخيار الدولتين الأكثر أمانة وصدقاً في تمسكها بهذا الخيار؟. ولا يلغي من وسطية الجبهة كونها منفتحة على خيارات أخرى أقرب إلى الراديكالية، وتتعامل معها بإيجابية كخيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية، بل إن ذلك يفسر بالتذبذب وعدم القدرة على الحسم، وبالتالي يجعل من الوسطية تصنيفاً ينطبق تماماً على الجبهة الشعبية. وفي نفس السياق فإن حركة الجهاد الاسلامي بالرغم من أنها مترددة كثيراً في تحولاتها، وكانت حتى فترة ليست ببعيدة منسجمة مع برنامجها ومقولاتها، إلا أن هناك بعض المؤشرات تدل على أنها تسير في طريق حماس ومن هذه المؤشرات موافقتها (على مضض) على وثيقة الأسرى وعلى التهدئة.
وهناك حالة ربما تكون إشكالية هي حزب الشعب الفلسطيني (الحزب الشيوعي الفلسطيني سابقا). فهذا الحزب منذ تشكله وحتى الآن تبنى خياراً وسطياً هو خيار الدولتين، ويعمل بالوسائل السلمية ويرفض الانخراط في العمل المسلح، ولكن ما يميزه أنه منذ تشكله وحتى اللحظة بقي منسجماً مع نفسه ومع منطلقاته وبرنامجه وأساليب عمله، فهو إذاً حزب وسطي من ناحية تبنيه لخيار سياسـي وســطي، ولكنه بعلاقته مع خياره هو راديكــالي، ولهذا يمكن القول ـ قد يستـغرب البــعض هذا الاستنتاج ـ انه ينـوس بــين الوســطية والراديكالية؟.
أما بالنسبة لبقية القوى فهي إما تدور بفلك حماس وينطبق عليها ما ينطبق على حماس أو تدور بفلك فتح وينطبق عليها ما ينطبق على فتح.
الخلاصة مما تقدم هي أننا لا نرى في المشهد السياسي الفلسطيني اليوم أي قوة سياسية يمكن وسمها بالراديكالية؟ فجميع القوى السياسية على الساحة الفلسطينية هي قوى وسطية؟ ونستثني من هذا التصنيف ناشطين ومثقفين غير مؤطرين، ينتقدون القوى السياسية القائمة وخياراتها ويدعون إلى تبني خيارات أخرى، من بينها على سبيل المثال خيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية، الذي يقوم على التمسك بوحدة فلسطين التاريخية، ووحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، ويرفض المساس بأي حق من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. وإذا كان طبيعياً أن ترفض إسرائيل وحلفاؤها خيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية كون تحقيقه يعني هزيمة ونهاية المشروع الصهيوني، فإنه من غير الطبيعي، أن لا تتبنى هذا الخيار القوى السياسية على الساحة الفلسطينية؟. 

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,347,354

عدد الزوار: 7,755,255

المتواجدون الآن: 0